علاقات » خليجي

قمة الهزالة في الرياض.. متى تسحب واشنطن سارياتها؟!

في 2018/12/14

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

هزيلة كانت قمة الدرعية بالرياض، بحضورها وبمقرراتها المستنسخة عن بيانات المؤتمرات الـ 38 السابقة لدول مجلس التعاون الخليجي، اللهم إلا من بعض الرتوش الذي فرضته المستجدّات الزمنية والميدانية، وتعديل في بعض العبارات والقرارات، ولئن وصفها بعض النقّاد الإعلاميين بأنها كانت قمة البروتوكول فإن الواقع أشار، من خلال تتبّع المجريات وتفاصيلها وظواهرها، إلى أنها كانت قمة التشرذم الخليجي والتشظّي العربي. ولئن كان من الطبيعي أن تتمثّل الكويت بأميرها ومسؤوليها الكبار بكونها الرئيس السابق للقمة، وأن تتمثّل المملكة السعودية بالملك سلمان ووليّي عهده باعتبارها مستضيفة القمة وملك البحرين باعتباره وديعة سعودية، فإن التمثيل المتدنّي لباقي الأعضاء لا يبرز الهزالة في الحضور فحسب بل الهزالة في القيمة والاعتبار.

أمريكا ضرورة استراتيجية

لا جديد يعتدّ به في قرارات القمة الـ 39 لمجلس التعاون الذي عقد في الرياض، بل جاءت تكراراً للمواقف العدائية المتشدّدة ضد إيران وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، والذي تضمنّها أصلاً خطاب الافتتاح الذي ألقاها الملك سلمان، وبالتالي جاء البيان الختامي المستفيض ببنوده الـ 64 ترجمة لكلمة الإفتتاح، مع إضافة بند يركّز على الأهمية الاستراتيجية بين السعودية خصوصاً ودول الخليج عموماً، وبين الولايات المتحدة الأمريكية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وحتى لو اكتسى البند الذي طالب بضرورة الحل السياسي للأزمة في سوريا طابع الإيجابية إلا أنه تضمّن في بند آخر المطالبة بخروج إيران وحزب الله من سوريا، في إشارة ارتباطية إلى أنهما اللذان يعيقان الحل السياسي في سوريا.

فلسطين  فولكلور القمم

أما في الشأن العراقي فجاء البيان استجابة للسياسة الجديدة التي تنتجها الرياض حيال بغداد سعياً لاحتوائها وضمّها إلى الحظيرة الخليجية، فالعراق كان منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 هدفاً للضمّ نظراً للحدود الواسعة التي تجمعه بالسعودية، فضلاً عن استثمار موارده في إطار المشاريع الخليجية على اختلاف مجالاتها، وتبقى القضية الفلسطينية البند الفولكلوري على مائدة المؤتمرات العربية - الخليجية الذي يكمّل المشهد الانهزامي، فهي حضرت في البيان الختامي على شكل موقف إدانة - كما في كل البيانات ذات الشأن - للاستيطان والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتأكيد أن عاصمة فلسطين الأبدية هي "القدس الشرقية"!! فأين هي القدس الغربية؟! وهل هناك قدسان في فلسطين لكي يتم تجزيء عاصمتها الأبدية؟! أم أن الوضع الراهن بات يستلزم الرضوخ للواقعية السياسية المستجدّة في ظل ضياع البوصلة العربية والإسلامية؟!

قطر الحاضر الغائب

وحدها قطر كانت غائبة عن بيان مجلس التعاون على الرغم من حضور مندوب أميرها الغائب، والذي تمثّل بوزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان المريخي، وحضر وفدها على وقع مشاحنات افتلعها انتقاد بحراني لغياب أمير قطر عنها، وبالتالي حضرت قطر وغابت عن الأثر، إلا من حركة عاطفية قام بها أمير الكويت حين تفقّد العلم القطري، وكأنه يتأسّف على ما حلّ بمجلس عنوانه التعاون وواقعه التغابن، وكان يمكن لأي متابع أن يقرأ في كلمات ونبرة أمير الكويت وهو يتلو كلمته حسرة كبيرة على ضياع جهوده التي قام بها على مدى شهور لإعادة لمّ شمل الأخوة الأعداء على طاولة اللقاء، ولكنه فشل في مسعاه ففضّل التراجع الهادئ خشية تصاعد النقمة عليه لاتهامه بالتحيّز والانحراف عن المسار، وهو الذي طالما نادى بضرورة تآلف دول مجلس التعاون الخليجي مع جيرانه، ولا سيما إيران والعراق وسوريا، على غرار المسعى السعودي الذي دعا يوماً ما كلاً من الأردن والمغرب للانضمام إلى دول المجلس الخليجي.

كيف يتحقق أمن الخليج؟

وها قد انفضّت القمة الخليجية الـ 39 خلال ساعات قليلة، وصدر البيان المسبق الإعداد ببنوده التي فاقت الستين بنداً، فما الذي تمخّض عن الجمع؟! قالوا إن المنطقة تمر بتحدّيات وتهديدات من القوى المتطرّفة والإرهابية التي تهدّد أمن الخليج، والتي تتمثّل بإيران ببرنامجها النووي وصواريخها الباليستية ودعمها للانقلابيين الحوثيين في اليمن وميليشيا حزب الله في لبنان، وفي المقابل العمل على حماية الفلسطينيين من "الأعمال العدائية الإسرائيلية التي تعد استفزازاً لمشاعر العرب والمسلمين وللشعوب المحبة للسلام!!، وهذا ما يحتّم العمل مع شركائنا لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم"، فهل يتحقق الأمن العالمي انطلاقاً من أمن الخليج؟! وكيف يتحقّق هذا الأمن مع الشركاء والحلفاء؟! من الواضح أن البيان شكّل استعادة لخطاب قمة الرياض التي افتتحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21 أيار / مايو 2017، وحمل رسالة سعودية - إماراتية مباشرة في بقاء الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية في التخلّص من الجار الإيراني الثقيل، أما باقي الملفات العالقة فيتم حلّها بالتدريج الهادئ.

هزيلة هي قمم الخليج كهزالة مواقفها وتماسكها، ولا يزال العرب يصرّون على إهدار مواردهم وخيراتهم كرمى لعيون الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ويدفن ساستهم رؤوسهم في الرمال فيما يستمر الانحدار بوتيرة متسارعة، وتنتقل دولهم من أزمة إلى أزمة فيما القادة منشغلون بالتقاط الصور التذكارية أمام أعلام دولهم المثبّتة على ساريات من صناعة أمريكية وغربية، فهل ستبقى هذه الأعلام منصوبة إذا سحبت واشنطن سارياتها؟!