علاقات » خليجي

الكويت ـ "الوسيط العاقل" في مناخ من الصراعات والاستقطابات

في 2018/12/18

سهام أشطو- DW- عربية-

رغم حجمها وإمكانياتها المحدودة مقارنة بجيرانها، نجحت الكويت في أن تخلق لنفسها صورة إيجابية تحظى بالقبول والاحترام وتلعب دور الوسيط في أكثر من صراع. فكيف استطاعت أن تلعب هذا الدور في منطقة تعج بالأزمات والاستقطابات؟

حجمها على الخريطة أصغر بكثير من الدور الذي تلعبه الكويت في ملفات إقليمية آخرها الأزمة الخليجية، وأصبحت تنجح فيما تفشل فيه دول عربية أخرى: علاقات جيدة مع الجيران الخليجيين وعلى رأسهم الشقيقة الكبرى السعودية وفي نفس الوقت علاقات مستقرة مع خصمهم اللدود إيران. هذا بالإضافة إلى مسار حافل في تاريخ الوساطات في المنطقة.

وحتى مع الدول الغربية، نجح الكويتيون في بناء علاقات إيجابية عزز منها دورهم الإنساني في أكثر من ملف في منطقة الشرق الأوسط، وقد بدا ذلك أيضا خلال زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الأخيرة للكويت.

فكيف نجحت الكويت، الدولة الصغيرة حجما، في فرض هذا الدور في وسط منطقة ملغومة وحافظت عليه في ظل متغيرات إقليمية ودولية كبيرة؟ وأي دور تلعبه حاليا سواء على مستوى الشرق الأوسط أو مع الدول الغربية؟

"العميد الدبلوماسي للعرب"

تاريخيا لطالما لعبت الكويت دور الوسيط بين عدة دول، فقد تدخلت بين مصر والسعودية عندما وقع بينهما خلاف في اليمن، كما تدخلت بين اليمن الجنوبي وسلطنة عمان حتى أنها توصلت إلى اتفاق في هذا الخصوص وقعه الطرفان. ولعبت الكويت أيضا دور الوساطة بين باكستان وبنغلادش في سبعينيات القرن الماضي. وهي مجرد أمثلة.

ورغم أن أزمة مقاطعة كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر وما خلفه ذلك من أثر على علاقات دول عربية أخرى بقطر من جهة وعلاقات السعودية ومن معها بدول أخرى رفضت أن تأخذ صفها، نجحت الكويت في الاحتفاظ مرة أخرى بدور الوسيط المحايد على الأقل ظاهريا، وحاولت التدخل لحل الصراعات. يقول خطار أبو دياب الأستاذ والباحث في العلاقات الدولية في باريس إن الكويت تعتبر "العميد الدبلوماسي" للعرب ويضيف في مقابلة لdw عربية: "دولة دبلوماسية حذرة تحاول دائما أن تلعب دور الوسيط العاقل، وحتى رغم دورها الأساسي في تأسيس مجلس التعاون الخليجي لم تُصنف ضمن تيار ما". ويلعب موقع الكويت وتركيبتها الديمغرافية ودورها التاريخي دورا في اضطلاع الكويت بهذا الدور، كما يقول أبو دياب.

أحمد يوسف المليفي المحلل السياسي الكويتي يشاطر كذلك الرأي بأن الكويت فضلت دور الوسيط في الأزمة الخليجية مثلا، لأنه يتماشى مع أسلوبها المعتاد، "لكن ذلك لا يعني أنها محايدة كما يتصور كثيرون. فالكويت تتفق مع السعودية والدول الأخرى فيما يتعلق بملفي قطر وإيران، وقد سبق أن واجهت إيران بتدخلاتها في دول أخرى منها الكويت نفسها وأدانت ذلك، كما أنها عندما تدخلت في أزمة قطر حاولت أن تدفع الدوحة إلى الالتزام بتعهداتها"، يقول الخبير في تصريح لـ dw عربية.

"الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس أولوية"

ويضيف المليفي أن الكويت تعي جيدا حجمها الطبيعي وإمكانياتها، ورغم أن دولة أو دولتين انزعجتا من اختيارها لدور الوسيط في ملف قطر إلا أنه تم تقبل ذلك مع الوقت، حتى أن الكويت أصبحت "متحدثا" باسم الدول المقاطعة لقطر خلال الوساطة.

ورغم أن بعض الدول الخليجية بدأت تحقق نوعا من التقارب مع إسرائيل وتُبدي ذلك للعلن، تبدو الكويت حتى الآن متحفظة بهذا الشأن ومازال موقفها الرسمي متمسكا بالدفاع عن الفلسطينيين. الخبير الكويتي يقول إن الكويت لم تتقرب من إسرائيل لكن من غير المستبعد أن يحدث ذلك مستقبلا لأن المصالح الاستراتيجية والظروف الإقليمية قد تفرض هذا التقارب. لكن أبو دياب يفسر الموقف الكويتي بأن هذه الدولة احتضنت تاريخيا الجالية الفلسطينية ومنها مر العديد من قيادات حركة فتح الشهيرة، "لكن حدث نوع من التباعد عندما دعم الفلسطينيون الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، مع ذلك بقيت الكويت نظريا متمسكة بموقفها من إسرائيل وإن احتفظت بعلاقاتها مع مصر والأردن اللتين ذهبتا بعيدا في ما يخص العلاقات مع إسرائيل".

 وبشكل عام يرى أبو دياب أن هذا الموضوع ليس أولوية بالنسبة للكويت، " فلا هي تتقرب من إسرائيل ولا هي تحاول أن تكرس نفسها كرأس للحربة فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، حتى أنها لم تُبد موقفا سلبيا عندما زار نتنياهو سلطنة عمان مؤخرا".

وفيما يتعلق بسوريا فقد جمعت بين البلدين علاقات قوية قبل اندلاع الحرب وخلالها حرصت الكويت، في ظل مناخ مليء بالاستقطاب، على دعم جهود الأمم المتحدة وحظيت جهودها لاحتضان مؤتمر المانحين مرتين وتبرعاتها السخية فيه بترحيب دولي كبير.

علاقات جيدة مع ألمانيا والغرب

علاقات الكويت بالدول الغربية قوية أيضا كما يقول أبو دياب، فالكويت يجمعها الكثير مع الدول الاوروبية عموما ومع ألمانيا على وجه الخصوص لأنها تعلم أنها المفتاح فيما يتعلق بربط علاقات قوية مع أوروبا، "فالكويت دولة نفطية، أي هناك تبادل اقتصادي وتجاري كبير، ومن جهتها تحتاج الكويت للتقنيات والخبرات الألمانية. وعلى صعيد آخر ألمانيا معجبة بدور الوساطة الذي تلعبه الكويت في أكثر من ملف".

هذا "الإعجاب" بدا جليا في تصريحات وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس الذي صرح قبل توجهه إلى الكويت قائلا "في منطقة تتسم بصراعات دموية وتناقضات عميقة وأزمات إنسانية خطيرة، تزداد أهمية هؤلاء الذين يعملون من أجل الحوار وتخفيف المعاناة الإنسانية".

وأعرب ماس عن اعتقاده بأن "الأمر يستحق بذل الجهد رغم كل الانتكاسات"، مشيرا إلى أن هذا ما أظهره التقدم الأخير الذي تم إحرازه في محادثات السلام في اليمن والذي لعبت الكويت دورا كبيرا في تحقيقه.

يأتي هذا رغم التوتر الذي عرفته العلاقات بين برلين والكويت إثر منع مسافر إسرائيلي من الصعود على طائرتها في مطار ألماني. وأثار الامر استياءا وجدلا داخل ألمانيا رغم أن محكمة ألمانية ساندت شركة الطيران الكويتية، معتبرة أنها غير ملزمة بنقل مسافر إسرائيلي إذا كانت قوانين البلد الذي تنتمي إليه تنص على ذلك. وفي هذا السياق يقول أبو دياب إن أمورا كهذه تبقى أشياء تقنية لن تؤثر على العلاقات ولا تعبر حتى عن موقف الكويت فعلا. وأضاف: "أحيانا تكون هناك دغدغة للرأي العام، لكن الكويت لا تسعى للظهور بمظهر العدو الشرس لإسرائيل. موقفها الواضح في هذا الملف هو أنها تدعم جهود السلام برعاية الأمم المتحدة في هذا الملف".