علاقات » خليجي

2018 فصل النهاية لـ "التعاون الخليجي"

في 2018/12/31

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

يشارف عام 2018 على الختام، فاتحًا الطريق لعام جديد، تستقبله منطقة الخليج العربي بفوران هائل عند القمة، ولدته المقاطعة العربية لقطر، وما استتبعها من تدخلات قوى إقليمية، ومصالح دولية، تفاعلت كلها لتولد عوامل واحتمالات "مريرة"، لا بد من وضعها في أي حسابات للحاضر، أو المستقبل.

الحقائق البديهية تاهت في زحام الحوادث، وعنفها اللامحدود، وبالتالي توابعها الخارجة عن كل سيطرة أو حساب، بداية من الحرب المستمرة –حتى اللحظة على الأقل- في اليمن، ومأساة أو فضيحة اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بالرياض، لتجد معظم الأنظمة الخليجية ذاتها في العراء، مقبلة إما على مهلكة، أو تابعة بالكامل لقوة عالمية تضمن الحماية، في ظل بنية اجتماعية عطل الحكم الملكي إمكانات تطورها.

ومنذ بدء الخلاف بين الدول الخليجية في يونيو/حزيران 2017، بفعل توجه سعودي-إماراتي لفرض السيطرة المطلقة على شبه الجزيرة العربية، ومحاولة وضع دور جديد، تحت المظلة الأميركية، بلعب دور شرطي المنطقة، وهذا الدور مشروط بالطبع بالسيطرة على الفضاء الأقرب، أي الخليج العربي، في ظل الحصار على إيران، وانشغال العراق بعد تدمير مقدراته، منذ غزو الكويت.

البداية جاءت مع قطر، صانعة الأزمات في الإقليم، الإمارة الصغيرة، شبه الجزيرة المقطوع من أراضي شرق الجزيرة العربية، في تخطيط بريطاني شيطاني، لترك بؤر توتر دائمة في أي مساحة تجبره الظروف على الانسحاب منها، ونجح المخطط بامتياز في زرع كيان فاقد الهوية، يشابه بقية أنظمة الخليج الحاكمة في استمداد الوجود من إرادة أطراف خارجية، تضمن الحماية والشرعية والاستمرار، في ظل ضعف بنية المجتمعات، ومؤسسات حكم غضة، لا تملك تاريخًا بالفعل، وإن كانت تسعى لتعزيز سيطرتها الداخلية لتعويض ما هو مفقود.

المقاطعة السعودية الإماراتية لقطر كان محكومًا عليها بالفشل، في ظل تشكك بقية دول مجلس التعاون في دوافع وأهداف المقاطعة، التي ظهر جليًا أنها بغرض مد النفوذ، وليس رد النظام القطري، وتجاهلت الحسابات عدم رغبة الدول الكبرى في تغيير خارطة الخليج الحالية.

ولأن التخطيط السعودي الإماراتي كان مكشوفًا منذ البداية، فلم تنجح الدولتان في جذب أي نظام للتحالف سوى البحرين ومصر، وكلتا الدولتان تابعتان بالكامل للسياسة السعودية، فالأولى تدين باستمرار نظامها للسعودية، والأخرى تعتمد على التغطية السعودية اقتصاديًا وسياسيًا لانقلابها العسكري.

وعلى ضوء المعطيات السابقة، عقدت القمة الخليجية 2018، الشهر الحالي بالمملكة السعودية، لتكون ختام عام ملئ بالشكوك والتشققات، وكما غابت قطر عن القمة، فقد بدا أن أي اتفاق بين الدول الخليجية مستحيل الحدوث، فالجميع يخشى من مغامرات بن زايد وبن سلمان، وجريمة اغتيال جمال خاشقجي لا تترك مجالًا للشك بأن السعودية تخاصم أقل الحسابات المنطقية في تصرفاتها، وكأن مؤسسات الحكم والسيطرة فيها تتعامل بعقلية العصور الوسطى.

مجلس التعاون الخليجي نجح فقط في وجه الأزمات الوجودية لدوله، كان نجاحه الأبرز في وجه الغزو العراقي للكويت، وهذا موقف لا يستطيع عاقل أن يبني عليه، فالحرب لا تتيح ترف الاختلافات والنزق، وبالتالي حدثت الوحدة المؤقتة في ظل رعب سيطر على الجميع من الجيش العراقي، ولم يكن هناك بدائل أو خنادق أخرى للأنظمة الحاكمة.

لكن المجلس فشل بعد ذلك في كل اختباراته، وسقط بجدارة أمام كل التحديات، الوحدة الاقتصادية والعملة الموحدة ومجلس النقد الخليجي كلها أحلام لم تتحول أبدًا لواقع، والوحدة الشاملة أقرب للوهم منها للأمل، فالكل يتمسك بأقل التصرفات التي تأخذ من سيادة الأسر الحاكمة، ولا تترك للتنازل فرصة، في مقابل نزعة سيطرة موجودة لدى السعودية في ثوبها الجديد.

الغياب القطري عن القمة، ومحاولة الكويت لإقامة تحالفات جديدة مع الصين وتركيا، والخلاف حول الموقف من إيران، والفشل الذريع في اليمن، يكتب فصل النهاية لمجلس التعاون الخليجي، وهو ختام تأخر كثيرًا، فالاتفاق مستحيل في غياب الرغبة، والرغبة مفقودة بالتشكك في النوايا، والحال سيسير إلى تجمع بروتوكولي سنوي، يفتتح ويختم بلا فعل حقيقي على الأرض، سوى المزيد من وقود الفتنة بين الأنظمة الحاكمة.