علاقات » خليجي

57 معركة بين السعودية والإمارات.. ماذا استجد في "حلف الأعداء"؟

في 2019/01/10

الخليج أونلاين-

في ظاهره يبدو تحالفاً قوياً بين بلدين خليجيين يشتركان في حدود داخل شبه الجزيرة العربية، لكن تلك الخطوط الفاصلة بين الإمارات والسعودية تخفي خلفها مشاكل جعلت هذه الصداقة هشة في باطنها.

الحليفان آنياً والعدوّان تاريخياً، عاشا على مدار 250 عاماً مضت 57 معركة، قبل أن تنفخ المصالح الروحَ في العلاقات الخليجية، فيصبح العدو حبيباً لغاية في نفس محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي.

هذا الرجل الخائف على ملكه القادم من صعود الإسلام السياسي، نجح بذكائه الخبيث في تصدير محمد بن سلمان إلى سدة مشهد الحكم في السعودية من خلال منصب ولي العهد، وهو ما أظهر البلدين الخليجيين في موقف صداقة مزيّفة.

زيف تلك الصداقة يكشفها بن زايد نفسه بوثيقة سرّبها موقع "ويكيليكس" الشهير، في نوفمبر 2010، حين قال: "السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء؛ وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط".

جذور الخلافات

كانت المطالبة السعودية بواحات البريمي التابعة لإمارة أبوظبي في أثناء وقوعها تحت الحماية البريطانية من أشد الخلافات بين السعودية وبريطانيا، وظل الشعور الدائم بالتهديد من الجارتين الشرهتين للتوسع؛ ظهران والرياض؛ يراود أبوظبي.

الخلافات بين البلدين قديمة ومتجذرة، ونشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية، حيث بدأت إبان تأسيس دولة الإمارات عام 1971 على يد الشيخ زايد آل نهيان.

فقد نشأ نزاع حدودي في السبعينيات حول حقل نفط الشيبة الذي تبلغ إنتاجيته 500 ألف برميل يومياً، إضافة إلى نزاع آخر حول المنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر.

وكذلك نشأ خلاف في ملف "خور العديد"، الذي قد يكون الأكثر جدلاً في توتر علاقات البلدين، خاصة أنه يرتبط ببعد سياسي واستراتيجي، كما أن له علاقة بظروف نشأة الإمارات.

إذ حاولت الإمارات ضمّ كل من قطر والبحرين إليها لتصبح 9 إمارات بدلاً من 7، لكنها رضخت في ديسمبر 1974 لضغوط سعودية بشأن منطقة "خور العديد"، فاضطرت إلى توقيع اتفاقية جدة.

الاتفاقية نصت على ترسيم الحدود بين البلدين، حيث تنازلت السعودية عن جزء من واحة البريمي في مقابل الحصول على ساحل بطول نحو 50 كم يفصل بين قطر والإمارات.

وبموجب الاتفاق امتلكت الرياض حقل "شيبة"، الذي يمتد جزء منه داخل أراضي الإمارات، كما حصلت السعودية على جزيرة الحويصات.

الخلافات بشأن ترسيم منابع النفط كانت هي الأبرز، حيث تسيطر السعودية على الجزء الأكبر من حقل الشيبة، في الوقت الذي تحاول فيه الإمارات التمسك بحقها في ملكية الحقل مستندة إلى خرائط ومستندات رسمية.

وبحسب نص الاتفاقية الموقعة بين الإمارات والسعودية بشأن حقل الشيبة، تدعي الإمارات أن الحقل العملاق يقع ما نسبته 80% ضمن أراضيها، وتملك الحق في تطوير هذا الحقل والاستفادة من إنتاجه النفطي بشكل كامل.

وقبل نحو 20 عاماً، قاطعت الإمارات مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية، والذي عُقد بالتزامن مع تدشين حقل للنفط في "شيبة"، احتجاجاً على أن الدولة المضيفة لا تشرك الإمارات في تقاسم عائدات نفط الشيبة.

أحجار الشطرنج في اليمن

بسبب بنيتها التوسعية ودور الغزو والإلحاق في تكوين السعودية خلال عهد عبد العزيز آل سعود؛ كانت للرياض مشاكل حدوديّة مع أغلب دول المشرق العربي، خاصة مع اليمن والإمارات.

وعطفاً على كومة الخلافات بين البلدين، والخوف الإماراتي من التغول السعودي؛ نشأت خلافات كبيرة وتضارب في المصالح في الإقليم بينهما؛ نتيجة تحالفهما لقيادة "الثورة المضادة" التي مولتها الإمارات.

والسبب في ذلك هو أن الإمارات بدأت تمس المصالح السعودية تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ البحري والسيطرة على الموانئ اليمنية في بحر العرب والبحر الأحمر.

وتمثل المنافسة على السيطرة في البحر الأحمر مسألة شديدة الحساسية بالنسبة للسعودية منذ إنشائها؛ فهي ترى أنها المخول الوحيد في شبه الجزيرة باحتكار مسألة البحر الأحمر، رغم أهميته الحيوية لباقي دول الخليج والإقليم.

حاجة السعودية إلى شريك ثري يستطيع تحمل بعض الأعباء المالية والسياسية لحملتها العسكرية على اليمن، كان بوّابة الإمارات لإشباع طموحها العسكري والاستراتيجي الجديد للسيطرة على الطريق البحري الناقل لنفط الخليج من مضيق هُرمز.

عمق الخلافات وسطحية العلاقات

ولكن لماذا أصبح السعوديون "أعزّاء" بعد هذا التاريخ من الخلافات؟ وما الذي يدور في خلد بن زايد؟ ولماذا تخلى عمّا جاء في تسريبات "ويكيليكس" بشأن موقفه من الرياض؟

في التاريخ الحديث الذي تحاول فيه الإمارات تصدّر المشهد و"التربع على عرش الشرق الأوسط"، يبدو أنها نسيت مؤقتاً الخلافات مع السعودية التي تسيطر على نحو 70% من شبه الجزيرة العربية.

وبالعودة إلى الوراء، فإن التنافس بين أبوظبي والرياض ليس سراً ولا حديثاً، فمع تزايد نفوذ الإمارات عسكرياً ومالياً، باتت تبحث عن مكانة خاصة، لكن كان عليها أولاً التخلص مما تراه خطراً في الإسلاميين.

وليس بدءاً من جارتها الرياض، شنت أبوظبي- بتخطيط ولي عهدها- حرباً على الإسلام السياسي، خاصة مع صعوده في أعقاب الثورات العربية، وكان عرّاب "الثورات المضادة" عبر تصدير حلفائه في مصر وليبيا وتونس.

وأخيراً وضع بن زايد، محمد بن سلمان في جيبه ليطمئن على مستقبل ملكه القادم في حكم الإمارات، والتي يسيطر على زمام الأمور فيها بطريقة غير مباشرة، فبدأ يحرك ولي عهد السعودية ضد الإسلاميين، ويحرّضه عليهم.

ويبدو أن ولي عهد أبوظبي نجح في اختيار الشخصية السعودية التي تحقق له ما يصبو إليه؛ فبسرعة استجاب بن سلمان لرغبات بن زايد، وشن حملة اعتقالات واسعة ضد العلماء ورجال الدين وبعض التيارات الإسلامية.

وهكذا أصبح ابنا زايد وسلمان صديقين بعد عداوة بين بلاد أجدادهما؛ فالأول حمى نفسه من صعود الإسلاميين، والثاني حقق رغبته في السلطة ونزعة قيادة المملكة التي تأثرت سلباً بسبب انتهاكاته.