علاقات » خليجي

قطر تفوز في معركة الطيران

في 2019/02/01

Gulf House- ترجمة :زياد محمد-

عندما قام جیران قطر الخلیجیون السعودیة والإمارات والبحرین التي انضمت لھم مصر بفرض حصار بري وجوي وبحري علیھا في الساعات الأولى من صباح 5 یونیو/ حزیران 2017، فإن السبب الذي استشھدت به الدول التي أطلق علیھا "الرباعي" فیما بعد، كان أن القطریین رعاة للإرھاب.

كانت ھذه التھمة آنذاك وما زالت تمثل اتھاماً غریباً لأن قادة الحصار السعودیین والإماراتیین، كان لدیھم الكثیر مما یسألون عنه فیما یخص تمویل الإرھاب، وبالإضافة إلى ذلك تعد قطر موطنا لقاعدة الُعدید الجویة، وھي أكبر منشأة عسكریة أمریكیة في الشرق الأوسط، وكانت القاعدة في قلب الحرب الجویة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وتستمر في القیام بنفس الدور في سوریا.

قصة تمویل الإرھاب التي تحكیھا دول الخلیج، بما في ذلك قطر، تظل غامضة ومن غیر المرجح أن یتم حكایتھا بشكل كامل، ومع ذلك، كانت ھناك أسباب أخرى للحصار، أھمھا محاولة إسقاط الخطوط الجویة القطریة.

تنافس على السوق
 

منذ عدة سنوات قبل الحصار، حققت الشركة معدل نمو سنوي قدره 20%، وأمرت الخطوط الجویة بجلب طائرات جدیدة بمعدل جرئ، بما في ذلك صفقة بـ100 طائرة مقابل 18 ملیار دولار مع بوینغ، أعلن عنھا في عام 2016، وبفعل ذلك، تحدت الخطوط الجویة القطریة ھیمنة السوق التي یتمتع بھا طیران الإمارات الموجود في دبي، وطیران الاتحاد في أبوظبي.

وفي نظر المسؤولین التنفیذیین للخطوط الجویة القطریة، فإن الحصار قد تم تصمیمه بحیث یلحق أقصى ضرر بأعمالھم التجاریة في وقت كانت فیه كل من طیران الإمارات والاتحاد للطیران یشعران بتحد تجاري قوي من منافسھم الخلیجي.

فالشراسة التي شنت بھا البلدان المحاصرة الھجوم على الخطوط الجویة القطریة لم یسبق لھا مثیل في سجلات تاریخ الطیران في زمن السلم، وأُجري بدون سابق إنذار، دون أي اعتبار لسلامة الركاب الموجودین بالفعل في الجو، مع تجاھل تام للالتزامات التعاقدیة.

في اجتماع عقدته مع كبار المسؤولین التنفیذیین في الشركة في سبتمبر/أيلول 2017، تم إخباري عن كیفیة تكیفھم عندما تم رفض ھبوط الرحلات الجویة في 5 یونیو/ حزیران التي كانت في طریقھا بالفعل، في مطارات الدول الأربعة، ومع وجود أكثر من 100 رحلة یومیاً إلى 18 مدینة مختلفة في البلدان الأربعة، كان الشاغل الأول ھو ھؤلاء الركاب الموجودون بالفعل في الجو بالإضافة إلى أولئك الذین ینتظرون ركوب الرحلات.

تكیف مذھل سریع
 

تم حظر موقع الخطوط الجویة القطریة، لذلك طلبت الشركة من المسافرین استخدام فیسبوك كوسیلة لعمل الترتیبات، وعلى مدار الیوم، تم إعادة حجز عدة آلاف من الرحلات الجویة، وفي الوقت نفسه، تم إغلاق مكاتب شركة الطیران في البلدان الأربعة، واضطرت الشركة إلى التعامل بسرعة مع 500 موظف حرموا دون سابق إنذار من الوصول إلى مكاتبھم وعملھم، ُمنح المواطنون القطریون أسبوعین لمغادرة البلاد، في حین لم یجد مواطنو الدول الأربع أنفسھم بدون وظائف فقط وإنما كانت تظللھم سحابة من الشك أیضاً.

كما نظمت شركة الطیران رحلات طوارئ لمنع نقص الغذاء والدواء من خلال نشر أسطولھا المكون من 22 طائرة شحن جویة، قبل الحصار، كانت حوالي 40% من الإمدادات الغذائیة تدخل للبلاد عبر الحدود البریة مع السعودیة، وبالعمل عن كثب مع الأتراك والإیرانیین، تم تجنب خطر النقص الحاد في غضون 48 ساعة من فرض الحصار، وسرعان ما اختفت الصور المبكرة للأرفف الفارغة وذعر الشراء، الذي كانت تنشره وسائل إعلام الرباعي.

كان الحصار الجوي تحد تعاملت معه الخطوط الجویة القطریة بدرجة من الاحتراف والتصمیم الھادئین اللذین أكدا على رسالة الشركة، بأنه على الرغم من أشد جھود الرباعي، كانت وستبقى تعمل كالمعتاد.

بعد ذلك بـ 18 شھراً، ما زالت الخطوط الجویة القطریة تتمتع بصحة جیدة، بینما الذي یعاني ھو طیران الاتحاد الخاص بأبوظبي، فقد أعلنت الشركة للتو أنھا ستسرح 50 من طیاریھا، كما ألغت شراء 10 طائرات إیرباص وتقلیص الطرق في الوقت الذي تكافح فیه لخفض التكالیف واحتواء خسائر مذھلة وصلت في عام 2016 إلى 2 ملیار دولار و1.9 ملیار دولار أخرى في عام 2017، ولم تعلن بعد خسائرھا لعام 2018.

وفي اعتراف مھین بضائقتھا الشدیدة، أغلقت الاتحاد للطیران بشكل مفاجئ صالة الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال في لندن ھیثرو في أكتوبر/تشرين الأول.

طیران الاتحاد المتعثر
 

یتعلق جزء من متاعب الاتحاد للطیران بغزوھا الكارثي للسوق الأوروبیة الذي جعلھم یشترون حصصاً كبیرة من شركات الطیران الفاشلة، ففي یونیو/حزيران 2014، استحوذت الشركة على حصة 49% في ألیطالیا، بالإضافة إلى السیطرة على أسھم شركة مرتبطة بھا، بما في ذلك شراء خمس نقاط الھبوط في لندن ھیثرو، في مجموع مدفوعات تخطى التوقعات لیبلغ 640 ملیون دولار أمریكي، وبینما كانت ألیطالیا تحت تصرفھا، واصلت "الاتحاد للطیران" ضخ الأموال في حفرة سوداء، وأعلنت شركة ألیطالیا إفلاسھا في مایو/أيار 2017.

كما أشھرت شركة طیران أخرى إفلاسھا بعد أن استثمرت فیھا شركة الاتحاد للطیران بشكل كبیر، وھي "إیر برلین"، وذلك في أغسطس/آب 2017، وتبلغ الخسارة التي حاقت بالشركة بسبب ھذا الخطأ 800 ملیون دولار، والآن تقول تقاریر، إن "أبوظبي آیر"، التي كانت المساھم الرئیسي في "إیر برلین"، تواجه دعوى قضائیة بقیمة 2.3 ملیار دولار بسب الطریقة التي تخلت بھا مالیاً عن شركة النقل الألمانیة.

الفائز من انھیار "إیر برلین" ھو "لوفتھانزا"، فمع خروج منافستھا من الطریق، فإن "لوفتھانزا" لدیھا فرصة أفضل في استعادة صحتھا، وسوف تضغط على القضیة التي تقول إن جمیع شركات طیران الخلیج الثلاث - بحكم كونھا مملوكة لحكوماتھا الغنیة - تتلقى إعانات غیر عادلة تھدد بتدمیر منافسیھا.

وفي الوقت نفسه تحقق الخطوط الجویة القطریة شراءھا لشركة "میریدیانا"، وھي شركة طیران إیطالیة متعثرة، ففي سبتمبر/أيلول 2017، بعد اجتیاز عاصفة الحصار، استحوذت على 49% من الشركة، وفي فبرایر/شباط من العام الماضي، أعید تسمیة "میریدیانا" على أنھا "طیران إیطالیا" وأعلنت عن خطط لتوسیع أسطولھا من 11 طائرة إلى 50 طائرة بحلول عام 2022، وھو ما یملأ الفجوة السوقیة التي خلفھا إفلاس شركة "ألیطالیا"، وخمسة من الأسطول الجدید ھي طائرات "إیرباص آیھ 333" من الخطوط الجویة القطریة.

یبدو ذلك كالملح في الجرح، ولكن المدیرین التنفیذیین لشركة الخطوط الجویة القطریة، كانوا مھنیین بشكل یكفي لئلا یشمتوا في طیران الاتحاد، وتكافح شركة الطیران المتعثرة، تحت قیادة رئیس تنفیذي جدید، لإنكار الشائعات بأنھا ستندمج مع طیران الإمارات، وبالطبع سیكون آخر ما تحتاج إلیه ناقلة دبي أن تضم إلیھا نظیرة متعثرة، حتى ولو كان ذلك من قبیل الإیماءة الودیة.

مع تعثر الاتحاد، فإن القطریین ھم الذین یقلبون الطاولة على خصومھم، ومن خلال استخدام مزیج من التفكیر السلیم والمقامرات المحسوبة والممارسات التجاریة الجیدة التي تحافظ على تفوقھا، تظھر قطر كفائزة في المعركة بین الخطوط الجویة بشكل واضح.

كان یفترض من ھذا أن یرسل رسالة ببدء التصرف، فالسعودیون والإماراتیون لا یحظون بأي دعم من حلفائھم المھمین لمواصلة الحصار، دبلوماسیاً وسیاسیاً، متى یعترفون بالواقع ویضعوا حداً لھذا الخلاف المنھك والسخیف؟