علاقات » خليجي

المواجهة النووية في الخليج أقرب مما نتخيل

في 2019/03/02

بيل لو - البيت الخليجي-

أحد التحديات العديدة التي تواجه التغطية الإعلامية لتأثير رئاسة "ترامب" على الشؤون العالمية هو أن القصص المهمة تضيع في عاصفة القصص التي تولدها هجماته على "تويتر" والقرارات السياسية المفاجئة وغير المدروسة التي يتخذها، وواحدة من تلك القصص المفقودة حدثت قبل خطاب حالة الاتحاد، والذي ألقاه "ترامب" في 5 فبراير/شباط.

إفلات الزمام النووي

في ذلك التوقيت، أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أنه كان يسير على خطى "ترامب" وانسحب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وفيما أسماه "استجابة متناسقة"، أشار "بوتين" إلى أن سباقًا جديدًا للتسلح النووي جارٍ حالياً، حين قال: "أعلن شركاؤنا الأمريكيون أنهم يعلقون مشاركتهم في معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، ونحن نعلقها أيضًا".

كانت هذه استجابة ذكية، فقد كان "بوتين" قادراً على القول إن روسيا كانت ضد تدمير المعاهدة، ولكن إذا كان هذا ما ستفعله أمريكا، فإن بلاده سوف تعكس الإجراءات الأمريكية خطوة بخطوة، أنت تطور وتبني أسلحة نووية جديدة ونحن سنفعل ذلك.

كان هناك وقت ليس ببعيد، عندما كان العالم يسعى إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، لكن كل عقود الحرب الباردة من المفاوضات الحساسة الصعبة التي هدفت إلى درء الإبادة النووية تبدو الآن قديمة الطراز إلى حد ما، وفي عالم استعراض العضلات على يد الديكتاتوريين الجدد، بقيادة "دونالد ترامب"؛ كلما زادت أسلحتك كلما أصبحت أقوى.

كان سبب "ترامب" للانسحاب من المعاهدة هو أن الروس كانوا غير ملتزمين وكانوا يستخدمون الاتفاقية كغطاء للتفوق على أمريكا، وكان هذا هو الحال بلا شك، لكن المعاهدة - حتى مع انتهاكها - كانت بمثابة قيد. فلماذا إذن تقوم أعظم قوة عسكرية عظمى في العالم بتمكين الروس عبر ترك المعاهدة؟ وما هي الآثار المترتبة على الخليج والشرق الأوسط مع ظهور سباق تسلح نووي جديد نابع من قرار "ترامب"؟

بالنسبة للسؤال الأول، لا يستطيع المرء إلا أن يخمن بالنظر إلى العلاقة الغريبة والمثيرة لدى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة مع أكبر عدو لأمريكا. أما السؤال الثاني فيجب أن يكون الأكثر إثارة للقلق؛ فمع تزايد حدة الخطاب الحماسي المشجع على الحرب ضد إيران، ومع إضعاف بيئة عدم الانتشار للأسلحة النووية، قد يدفع ذلك ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إلى تسليح السعودية بأسلحة نووية.

سباق تسلح

وعلى الرغم من أن "محمد بن سلمان" يرفض الاعتراف بالقدرة العسكرية الإيرانية أمام العامة، إلا أنه يعلم جيدا أنه في أي سيناريو تقليدي للحرب، فإن المعركة البرية ستنتهي لصالح الإيرانيين.

ربما يكون السعوديون قد صقلوا خبرتهم الجوية في اليمن على حساب كل من السكان المدنيين والحوثيين المتمردين، لكن القوات البرية هي التي ستقرر النتيجة في نهاية المطاف، وكما أظهر الصراع في اليمن، فإن القوات البرية في السعودية هي قوة قتالية غير كفؤة وغير مجهزة جيداً، ومن هنا كان الاعتماد على الحرب الجوية لمحاولة إخضاع الحوثيين.

في حرب تقليدية؛ سيستخدم الإيرانيون العراق كطريق لمهاجمة السعودية على طول حدودها الشمالية، وفي هذا السيناريو يمكن أن يكونوا في العاصمة الرياض في غضون أيام، وهذا هو التفكير الذي يحفز السعودية لتأمين قنبلة تووية، والمكان المنطقي الذي يمكن اللجوء إليه هو باكستان التي تمتلك أسلحة نووية منذ منتصف الثمانينات، في حين يبدو رئيس الوزراء الباكستاني الحالي "عمران خان" مدين بالفضل للسعوديين أكثر من أسلافه.

وإذا حصلت السعودية على أسلحة نووية، فإن ذلك يعني أن إيران ستفعل ذلك كذلك، وفي الواقع هناك قوى داخل إيران - بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني –كانت تدعو طويلاً إلى أن حماية ثورتهم تقتضي امتلاك بلادهم للقنبلة.

المواجهة قريبة جداً

وهنا نأتي إلى اللعبة المتهورة والخطرة بشكل استثنائي التي يلعبها "ترامب" ومستشاره الأمني "​​جون بولتون" ووزير الخارجية "مايك بومبيو".

لطالما دافع "بولتون" على وجه الخصوص عن تغيير النظام في إيران، والعقوبات القاسية التي تفرضها أمريكا على الإيرانيين وتطالب بقية العالم باتباعها ليس المقصود منها إحداث تغيير النظام، بل إنها تهدف إلى منع الإيرانيين لفترة من الحصول على قوة أسلحة نووية.

في هذه الأثناء سيكون السعوديون قد التقطوا من على الرف أسلحة نووية من باكستان، وبدعم من (إسرائيل) التي تمتلك سلاحاً نووياً وتشاطر السعودية مخاوفها من إيران - مع إقامة "محمد بن سلمان" علاقة وثيقة غير مسبوقة معها - فإن الاثنين سيكونان مع بعض الدول الخليجية الأخرى مثل الإمارات، هم القوة التي ستفرض تغيير النظام بدعم من القوة النووية التي تفتقر إليها إيران، هم من سيقوم بذلك وليس الأمريكيون، هكذا يذهب تفكيرهم.

هذا السيناريو مفيد لـ"ترامب" لأن آخر ما تريده قاعدته هو المزيد من التورطات في الأماكن الأجنبية وهذا ينطبق بشكل خاص على الشرق الأوسط. من هنا تأتي وعوده المتكررة وغير المخطط لها جيداً بسحب القوات الأمريكية، وهي مقامرة مصممة ضمن محاولة شاقة للفوز بإعادة الانتخاب.

لكن الإيرانيين لن يستسلموا، وفي الواقع، فإن مثل هذه التهديدات المجردة لن تؤدي إلا إلى توحيد الفصائل المتصارعة داخل البلد، وسوف تفعل إيران كل ما هو ضروري للحصول على ضربة نووية مضادة، وقد يكون "فلاديمير بوتين"، الذي صقل قوته الكبيرة بالفعل في المنطقة، سعيدًا للغاية بتقديم المساعدة.

قد تكون المواجهة النووية في الخليج – بكل ما تتضمنه - أقرب بكثير مما يدركه أي منا.