علاقات » خليجي

الحروب والمصالح السياسية تغذي الإنفاق العسكري: السعودية نموذجاً

في 2019/03/11

ابتسام عازم- نيويورك ــ

يقدم معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقريره حول حجم صادرات السلاح في العالم للفترة ما بين الأعوام 2014 - 2018، الذي يصدر رسمياً اليوم الإثنين، صورة قاتمة حول ارتفاع صادرات الأسلحة في العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة، التي ازدادت بنسبة 7.8 في المائة، مقارنة بالأعوام 2009 - 2013.
وتصبح الصورة أكثر قتامة عندما يتعلّق الموضوع بالشرق الأوسط والدول العربية تحديداً، إذ يظهر التقرير الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أنّ المملكة العربية السعودية، التي تخوض حرباً في اليمن منذ عام 2015، وأبرمت صفقات تسلّح كبيرة مع الولايات المتحدة في أعقاب وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تحتلّ المرتبة الأولى كأكبر مستوردة للأسلحة في العالم، بحسب التقرير.

وتعدّ السعودية إلى جانب مصر والجزائر، من بين أكثر خمس دول في العالم تستورد الأسلحة. كما تحضر 10 دول عربية في قائمة الأربعين دولة التي يشير إليها التقرير كأكبر مستوردة للأسلحة على مستوى العالم، وهي إلى جانب السعودية في المرتبة الأولى، ومصر في المرتبة الثالثة والجزائر في الخامسة، الإمارات في المرتبة السابعة والعراق في الثامنة. بينما تحتل قطر المرتبة الرابعة عشرة، تليها عمان في المرتبة الثامنة عشرة، في حين يحتلّ المغرب المرتبة الرابعة والعشرين والكويت التاسعة والعشرين، بينما يحتل الأردن المرتبة الحادية والثلاثين.
في المقابل، فإنّ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا، إضافة إلى ألمانيا وهي عضو غير دائم، هي الدول الأكثر تصديراً للأسلحة في العالم، وتحديداً للشرق الأوسط. وهي نفسها تلك الدول التي تتبادل الأدوار في استخدام حق النقض الفيتو، ضدّ قرارات تتعلق بسورية وفلسطين وغيرها من البلدان العربية.
وفي التفاصيل، يشير التقرير إلى أنّ السعودية ضاعفت حجم وارداتها من الأسلحة بنسبة 192 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة، مقارنة بالأعوام 2009 – 2013. وفي المرتبة الثانية عالمياً تأتي الهند وتليها مباشرة مصر. أمّا الجزائر فهي خامس مستورد للسلاح في العالم، بعد أستراليا التي تحتل المرتبة الرابعة.
أمّا المستفيد الأكبر فهو الولايات المتحدة، أكبر مصدّر للسلاح في العالم، إذ تصدّر 36 في المئة منه لمختلف الدول. ولن يكون مفاجئاً أنّ نصف صادرات الأسلحة الأميركية، 52 في المائة، تذهب للشرق الأوسط، فيما يشير التقرير إلى أنّ 22 في المائة من حجم صادرات السلاح الأميركية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، ذهبت للسعودية.
بدورها، زادت روسيا ثاني مصدر للسلاح في العالم، في السنوات العشر الأخيرة من حجم صادراتها للأسلحة للشرق الأوسط بنسبة 19 في المائة. واحتلت كل من مصر والعراق النسبة الأعلى من حجم صادرات الأسلحة الروسية للشرق الأوسط، إذ ذهب 46 في المائة منها لمصر، في حين ذهب 36 في المائة للعراق، الذي زادت في السنوات العشر الأخيرة صادرات السلاح الروسية له بنسبة 780 في المائة، بحسب التقرير.

ولدول الاتحاد الأوروبي حصة كبيرة من صادرات الأسلحة للشرق الأوسط، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا. وزادت فرنسا من حجم صادراتها للأسلحة حول العالم بنسبة 43 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة؛ 44 في المائة منها تصدّر للشرق الأوسط. واحتلت مصر المرتبة الأولى، تليها الهند، خلال السنوات الخمس الأخيرة في نسبة صادرات السلاح الفرنسية لها. فيما ذهب قرابة 60 في المائة من صادرات الأسلحة البريطانية للشرق الأوسط وأغلبها للسعودية وعمان.
وفي حين شهدت واردات الأسلحة في القارة الأفريقية انخفاضاً بنسبة 6.5 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنّ دول شمال أفريقيا، الجزائر وتونس والمغرب وليبيا، شهدت ارتفاعاً في حجم وارداتها من الأسلحة بنسبة عشرين في المائة. 
في المقابل، انخفضت واردات الأسلحة لسورية. كما أنّ نسبة واردات السلاح لإيران تقدّر بأقلّ من واحد في المائة من واردات السلاح للشرق الأوسط، خلال السنوات الخمس الأخيرة. ويعزو التقرير ذلك للحصار الذي يفرضه مجلس الأمن الدولي على واردات السلاح لإيران منذ عام 2010، المفترض أن يستمرّ حتى عام 2020.

واللافت للانتباه في التقرير، أنّ مبيعات الأسلحة عموماً شهدت انخفاضاً لجميع مناطق العالم، أفريقيا والأميركيتين وآسيا وأوروبا، إلا الشرق الأوسط، فقد ازدادت بنسبة 87 في المائة في السنوات العشر الأخيرة، ما يفسّر الزيادة في نسبة صادرات السلاح عالمياً، على الرغم من انخفاضها في باقي مناطق العالم.
ويظهر من الدراسات أنّ أغلب الأسلحة التي تستخدم في الصراعات في الشرق الأوسط، هي تلك التي تستورد من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وفي السياق، يجيب بيتر وايزمان، وهو واحد من الباحثين في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي صدرت عنه الدراسة، عن سؤال لـ"العربي الجديد" حول مدى تأثير مصالح الدول على القرارات التي تتخذها في المحافل الدبلوماسية الدولية، كمجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى، وعلى صادراتها للأسلحة، قائلاً إنّ الإجابة عن السؤال تبقى "معقدة"، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنّ "أغلب تلك الدول تصدّر الأسلحة كأداة للضغط والنفوذ في سياساتها الخارجية، ناهيك عن أنها تشكّل دخلاً لها. كما تحاول الدول المستوردة لتلك الأسلحة استخدام ذلك كأداة لتحقيق مكاسب على الساحة الدولية".

وقد برز هذا الموضوع على نحو خاص منذ جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، بعدما تحوّلت الصفقات الضخمة التي وقعتها السعودية مع ترامب خلال زيارته للمملكة في 2017، إلى ذريعة أساسية يستخدمها الأخير لمنع محاسبة الرياض على الجريمة، وبشكل خاص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي خلصت استنتاجات الأجهزة الأمنية الأميركية وتحديداً وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" إلى تورطه المباشر في الجريمة. وهي الخلاصة نفسها التي توصّل إليها الكونغرس الأميركي.
كما ظهر تأثير تقاطع المصالح في الضغوط التي مارستها بعض الدول الأوروبية على ألمانيا، لمحاولة ثنيها عن قرارها تمديد حظر الأسلحة المرسلة إلى السعودية، وهو القرار الذي اتخذ على خلفية حرب اليمن وجريمة خاشقجي.
في المقابل، لم تتردّد السعودية في استخدام عقود الأسلحة المبرمة بينها وبين بعض الدول الأوروبية، كورقة ضغط لتعطيل محاولة إدراجها على القائمة السوداء، للدول التي يشتبه في تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال. ونقلت وكالة "رويترز" أخيراً عن دبلوماسي أوروبي قوله، إنّ الرياض "هدّدت بإلغاء عقود مع دول الاتحاد إذا ما تمّ إقرار القائمة"، فيما قال دبلوماسي آخر "إنهم يستخدمون حقاً أسلحة ثقيلة"، لكون المملكة من كبار مستوردي الأسلحة والسلع من الاتحاد الأوروبي. وبالفعل تمكنت السعودية من إحباط عملية إدراجها على القائمة.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد وايزمان في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ التقرير "يؤدي دوراً مهماً في الساحة الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، التي تشكّل ساحة للتفاوض للدول المصدرة والمستوردة للسلاح". ويلفت إلى أنه "تستغل الدول المختلفة المعلومات للفت الانتباه إلى العديد من القضايا، من بينها نيات ومخاطر ومسؤوليات دول مجاورة أو دول في منطقتها خلال نقاشاتها ومفاوضاتها على الساحة الدولية". وهناك قرابة مائة دولة قامت بالتوقيع على الاتفاقية الدولية للاتجار بالأسلحة، وهي خطوة يحاول المجتمع الدولي من خلالها ضمان أن تتصرّف الدول المستوردة للأسلحة بشكل مسؤول في ما يخص الجهات التي تورد لها.

ولذلك تهدف الدراسة بشأن مبيعات الأسلحة، إلى تزويد المعنيين بمعلومات حول تأثير صادرات وواردات الأسلحة على السلام المحلي والدولي. ولقد أدى في بعض الأحيان، نشر تلك المعلومات إلى جدل على مستوى شعبي على غرار ما يحصل في السويد بشأن تسليح السعودية، وتغيير حقيقي كما حدث في ألمانيا وفنلندا وهولندا، حيث اضطرت حكومات تلك الدول لوقف أو تجميد صادرات الأسلحة للسعودية بسبب حربها على اليمن.
ويصدر المعهد دراساته الشاملة مرة كل خمس سنوات، ويشمل المسح والإحصائيات نقل الأسلحة الرئيسية على المستوى الدولي، لتشمل الدراسات الأسلحة التي تباع أو "تهدى" ورخص التصنيع. ولا يشمل المسح تصدير الأسلحة للدول فقط، بل كذلك للمنظمات الدولية والمنظمات المسلحة غير الحكومية منذ عام 1950، فيما لا يحدد القيمة المادية لتلك الأسلحة بل حجمها.
وإلى جانب السجال حول التأثير السياسي للإنفاق العسكري، يحضر بشكل دائم سجال التأثير السلبي لتزايد الإنفاق العسكري على تراجع التنمية والاستثمار فيها نتيجة إنهاك موازنات الدول. وفي هذا الإطار، تقول رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ماريا فرناندا اسبينوزا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "باعتقادي، هناك علاقة طردية بين سباق التسلّح والاستثمار في التنمية المستدامة. علينا أن نبدأ بالنقاش والحديث عن الموضوع، وقلنا إنّ هناك مليارات الدولارات التي نحتاج إليها لكي نطبق أهداف التنمية المستدامة"، مضيفةً: "يوجد العديد من الاتفاقيات الدولية وقرارات للأمم المتحدة تبنتها الدول متعلقة بتصدير الأسلحة، فما علينا فعله هو تطبيق تلك الاتفاقيات الدولية والقرارات التي اتخذتها الدول نفسها".