علاقات » خليجي

ليبيا ضحية الصراع الخليجي .. والعين على النفط

في 2019/04/10

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

لم يمضِ أسبوع واحد على زيارة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى الرياض حتى شنّ هجوماً عسكرياً واسعاً على طرابلس الغرب في عملية أسماها "طوفان الكرامة"، وكان لافتاً احتفاء الملك السعودي سلمان بحفتر حين التقاه أواخر آذار/ مارس 2019، حيث حظي باستقبال مميّز وعلى نحو غير عادي من قبل الملك لشخصية ليست منضوية في نادي الملوك ورؤساء الدول، ما يؤكد أهميته وموقعه الخاص في المملكة؛ وهو الاجتماع الأول للقيادة السعودية مع الرجل منذ أن بدأ حملته للسيطرة على ليبيا، وهو التقى أيضاً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعدداً من المسؤولين السعوديين من بينهم وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات العامة.

هذا القرار الخطير بالتحرّك العسكري نحو الغرب الليبي، لم يكن بإمكان حفتر اتخاذه دون دعم وموافقة دول عدة، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، مستهدفاً تغيير المعادلة السياسية من خلال إضعاف حكومة الوفاق، التي يرأس مجلسها الرئاسي فايز السراج والمدعومة من قطر وتركيا، والحيلولة دون انعقاد المؤتمر الوطني المزمع عقده منتصف شهر نيسان/ أبريل، الذي يهدف إلى إقرار خطة لإجراء الانتخابات ضمن خارطة طريق أممية تقود إلى حل الأزمة المستمرة منذ العام 2011 في هذا البلد الغني بالنفط.

قوّض الهجوم المفاجئ جهوداً سابقة لإرساء الاستقرار في ليبيا، حيث التقى السرّاج وحفتر في أربعة اجتماعات انعقد أوّلها في أبو ظبي بتاريخ 2/5/2018 تم خلالها الاتفاق على إنهاء الجمود بين الطرفين المتحاربين، ثم استضافت باريس الاجتماع الثاني بتاريخ 29/5/2018 للبحث في مبادرة أطلقها االرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول ليبيا، أما الاجتماع الثالث فانعقد على هامش مؤتمر باليرمو الإيطالية بتاريخ 13/11/2018، ليتم الاتفاق في الاجتماع الرابع الذي انعقد في أبو ظبي بتاريخ 27/2/2019 على إنهاء المرحلة الانتقالية والانطلاق نحو الحل الشامل برعاية الأمم المتحدة عبر مندوبها السفير غسان سلامة.

وظّفت وسائل الإعلام في السعودية والإمارات ومصر أدواتها وفضائياتها ومنصّاتها الالكترونية للترويج لحفتر وتبنّي مواقفه حول المجريات الميدانية، وتبرير الخلفيات والأهداف السياسية للهجوم، وأفردت قناة "العربية" حلقات خاصة من برنامج "صناعة الموت" للتهجّم المباشر على تركيا وقطر واتهامهما بدعم "ميليشيات المخرّبين الإرهابيين ضد الجيش الوطني"، واستضافت فيها مسؤولين سياسيين وضباط عسكريين تحدّثوا عن دعم الدوحة وأنقرة لحكومة السراج مالياً وعسكرياً لتخريب الوضع في ليبيا، كما نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مقالاً لعبد الرحمن الراشد تحت عنوان: "لماذا نريد انتصار حفتر؟" مجيباً أنه سينهي "الكابوس والفوضى التي دامت ثماني سنوات"، أما صحيفة "عكاظ" فنشرت مقالاً للكاتب السعودي محمد الساعد يتهم فيه حكومة السراج بأنها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وفي المقابل وصف الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، في حديث مع قناة الجزيرة القطرية، حفتر بأنه "أَجير بيد محور الشر العربي المتمثّل في الإمارات والسعودية ومصر، والتي تحاول مواجهة الربيع العربي بكل الوسائل خدمة لإسرائيل والغرب".

لم يستطع حفتر تحقيق هدفه في السيطرة على العاصمة لبسط هيمنته وقراره عليها كزعيم عسكري وسياسي، وامتلاك أوراق قوة تسهم في إحكام قبضته على البلد الذي لم ينعم بالاستقرار منذ إسقاط نظام القذافي، لا بل إن المجريات الميدانية أفضت إلى ترجيح كفّة قوات حكومة الوفاق التي أطلقت عملية "بركان الغضب" في مواجهة "طوفان" حفتر، ما حرّك أكثر من طرف خارجي عربي ودولي لوقف المعارك، وفي مقدمتها الرياض وأبو ظبي اللتين استشرفتا خطورة الموقف، في ظل اختلال موازين القوى لصالح حكومة الوفاق، فضلاً عن الدعوة السريعة من لندن لانعقاد مجلس الأمن وتأكيد واشنطن أن الأزمة الليبية لا تحلّ بالخيار العسكري، وبالطبع لم تكن المطالبة لوقف المواجهات العسكرية تهدف إلى حقن الدماء ومنع تدمير البلد، بل لإعادة رسم سيناريو جديد يحفظ للأطراف الخارجية مصالحها في ظل التجاذب الدولي في ما يخص الوضع في ليبيا.

يرى الغرب في حفتر شخصية محورية في أي مشروع يهدف إلى إرساء الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، على الرغم من الاعتراف الأممي بحكومة السراج، وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" في هذا السياق أن بعض الزعماء الغربيين يعتبرون حفتر طرفاً ضرورياً في أي اتفاق مستقبلي، مشيرة إلى لقاءات عقدها في الأشهر القليلة الماضية مع مسؤولين روس وبريطانيين وإيطاليين وغيرهم؛ ولفتت الصحيفة إلى أن الشركات النفطية الأوروبية التي لديها مصالح في ليبيا أطلقت مشاريع مشتركة مع حكومة الوفاق، لكن معظم البنى التحتية النفطية تقع بالفعل تحت سيطرة قوات حفتر.. وهنا جوهر الأزمة، فإن حفتر لم يجد بعد السبيل الملائم والآليات المناسبة لتصدير النفط من الحقول الخاضعة لسيطرته خارج إطار المؤسسة الوطنية للنفط بسبب العقوبات الدولية، لكن سيطرته على ليبيا أو فرض نفسه كشريك أساسي في النظام سيمكّنه من تحقيق ذلك، وبالتالي يحقّق ما تريده الشركات والدول الكبرى.

أصبحت ليبيا بمؤسساتها وشعبها ومقدّراتها الحيوية، في المنظور العربي، ساحة تقاتل حيث ترى السعودية والإمارات في حفتر مشروعاً حقيقياً للقضاء على النفوذ القطري - التركي، فيما ترى مصر السيسي أن حفتر هو "الوحيد القادر على تخليص ليبيا من الإرهاب والسيطرة عليها وإعادة قيامها من جديد"، ولكن خلفية الدعم المصري لحفتر تكمن في السعي لاستفادة مصر من النفط الليبي بعد سيطرة  قواته على منطقة الهلال النفطي، وبالجنيه المصري حتى لا تضطر إلى شرائه بالعملة الصعبة؛ أما في المنظور الدولي فترى كل من فرنسا وإيطاليا - رغم اختلافهما التاريخي والحالي- ومعهما روسيا بشكل أساسي ونسبياً بريطانيا، أن حفتر هو الرجل المناسب الذي يحقّق مصالحها في بلد غني بالنفط وساحة مواجهة خفية مع الولايات المتحدة الأمريكية وسط تنازع الأجندات الإقليمية والدولية لسرقة موارد الطاقة، وعليه فإن مستقبل ليبيا مهدّد أن يبقى في حالة صدام بما يطيل أمد الحرب، والشعب الليبي هو الطرف الوحيد الذي يتكبّد الخسائر.