أسامة أبو ارشيد- العربي الجديد-
يؤكد هجوم المليشيات الحوثية اليمنية الصاروخي على مطار أبها السعودي، الخميس (12/6/ 2019)، واعتراف المملكة به، مجددا أن السعودية وحليفها الإماراتي لا يكسبان الحرب فعليا على الأرض، بل دخلا مستنقعا من الوحل، يعجزان عن الخروج منه. وهذا ليس الهجوم الأول على المملكة، فقد سبقته عدة هجمات، عبر صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، استهدفت مناطق في المملكة، بما في ذلك العاصمة الرياض. بل ثمة حديث حوثي متواتر عن توغّل مليشياتهم، غير مرة، جنوب المملكة في نجران. وهناك مؤشرات ذات صدقية أن الحوثيين تمكّنوا، العام الماضي، من قصف منشآت في مطار أبوظبي. يجري ذلك كله، على الرغم من صفقات الأسلحة السعودية - الإماراتية بمليارات الدولارات التي تساهم في إنهاك اقتصاديهما، من دون ترجمة ذلك إلى انتصارات عسكرية حاسمة في اليمن، وعلى الرغم من دخول "عاصفة الحزم" عامها الخامس في هذا البلد العربي المنكوب.
في هذا السياق، ثمة معطياتٌ ينبغي أخذها في الاعتبار، إذ تعيننا على استيعاب حجم الهزيمة التي يُمنى بها المعسكر السعودي - الإماراتي. أولها أن السعودية والإمارات تقاتلان الحوثيين بدعم من بعض الدول العربية، كالسودان الذي يقوم جنوده بمهمات قتالية برية كثيرة. الثاني أن الحلف الذي تقودانه يتمتع بدعم استخباراتي أميركي، فضلا عن دعم لوجيستي، يتمثل في توفير بنك الأهداف وإحداثياتها. وإلا أن الحوثيين ما زالوا قادرين على قصف الدولتين وتهديد أمنيهما. ولا يزال هذا الدعم الأميركي مستمرا، وقد أشهر الرئيس دونالد ترامب، الشهر الماضي، "الفيتو" في وجه قرار من الكونغرس يمنع الولايات المتحدة من استمرار تقديم الدعم للحلف السعودي - الإماراتي في اليمن. المعطى الثالث أن المملكة والإمارات اللتين تتهمان إيران بتسليح الحوثيين يتغاضيان عن حقيقة أنهما يشتريان من الولايات المتحدة وروسيا والصين ودول أوروبية كثيرة، أسلحة أكثر تفوقا وفتكا. وتدور راهنا معركةٌ جديدةٌ بين الإدارة والكونغرس الأميركيين بشأن صفقات أسلحة جديدة للسعودية والإمارات، بقيمة ثمانية مليارات دولار. ويبدو أن الكونغرس سيفشل مجدّدا في منعها. وقد ذكر تقرير استخباراتي أميركي سري، كشف النقاب عنه قبل أيام، أن السعودية تتعاون مع الصين منذ سنوات طويلة في تطوير برنامج صاروخي باليستي، واشترت تكنولوجيا نووية من شركات أميركية بموافقة إدارة ترامب.
المفارقة هنا أنه، على الرغم من التفوق النوعي والكمي لدى السعودية والإمارات، مقابل الحوثيين، بل وحتى مقابل إيران، إلا أنهما عاجزتان عن حماية نفسيهما، دع عنك هزيمة الحوثيين. ولعل القمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، التي دعت إليها المملكة، وعقدت قبل أسبوعين في مكة المكرمة، تدل على حجم المعضلة السعودية - الإماراتية. وهي قمم جاءت على خلفية هجمات حوثية وأخرى إيرانية مزعومة على البلدين ومصالحهما. الأول هجومٌ غامضٌ على أربع ناقلات نفط في المياه الإقليمية للإمارات، صباح يوم 13 من شهر مايو/أيار الماضي، وتوجيه الاتهام إلى إيران ووكلائها. وجاء الثاني في اليوم التالي، بقصف طائرات حوثية مسيّرة محطتي ضخ نفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية قرب ينبع. تبع ذلك، في العشرين من الشهر نفسه، ما زعمت السلطات السعودية أنه قصف حوثي بصاروخين باليستيين نحو مكة المكرمة، تصدّت لهما. وقد دعت القمتان الخليجية والعربية إلى موقف خليجي وعربي وإسلامي ودولي حازم ضد إيران، واستخدام كل الوسائل لمنعها من التدخل في شؤون الدول الأخرى.
مشكلة السعودية والإمارات أنهما راهنتا كثيرا على دعمٍ وحماية أميركيين لا يتحققان مقابل إيران. في الماضي، كانا يتهمان إدارة الرئيس باراك أوباما بالتخاذل أمام إيران. وعندما جاء صديقهما ترامب استبشرا خيرا. وفعلا، لم يخيّب الرجل آمالهما، فانسحب العام الماضي من الاتفاق النووي مع إيران، بل ومضى إلى أبعد من ذلك، الشهر الماضي، فأرسل تعزيزاتٍ عسكريةً، بحرية وجوية، إلى المنطقة لردعها، غير أن إيران لم ترتدع، وَتَأَمَّلَ المحور السعودي - الإماراتي - الإسرائيلي أن ترامب سيلقّنها درسا عسكريا معتبرا، كما توعد بذلك مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، إلا أن المفاجأة أن ترامب تردّد في استخدام القوة العسكرية عندما لم ترضخ إيران أمام تهديداته، وَلِمَ يستخدمها بما يترتب على ذلك من كلف عسكرية واستراتيجية، وهو يخنق إيران اقتصاديا، وهي لا تهدّد الأمن القومي الأميركي مباشرة؟
باختصار، القوتان السعودية والإماراتية واهنتان مهما بدتا شرستين. هذا ما تثبته حرب اليمن يوميا، فهما تملكان القوة على التدمير وإيقاع الكوارث بالمدنيين العزّل والبنية التحتية للبلد المنكوب بهما وبالحوثيين وإيران، ومليشيات أخرى، إلا أنهما لا تملكان القدرة على ترجمة ذلك إنجازا ونصرا عسكريا ساحقين. إنها تماما المعضلة نفسها التي يزرعانها في كل الدول العربية التي تدخّلا فيها، كمصر وليبيا والسودان، إذ ينجحان في إجهاض طموحات الشعوب، ولا يقدمان بديلا محترما، يمكن لتلك الشعوب أن تقنع به.