متابعات-
ما لم يستطع ريكس تيلرسون قوله خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية الأمريكية صرّح به علناً مع دخول الأزمة الخليجية عامها الثالث، كاشفاً عن الأسباب الحقيقية وراء الحصار الذي فرضه الرباعي العربي على قطر في 5 يونيو 2017.
"ثروة قطر ودورها الإقليمي الفعال" جملة واحدة كشفت سبب حصار الإمارات والسعودية والبحرين ومصر لقطر، وقد جاءت على لسان تيلرسون خلال مقابلة مغلقة مع قادة بمجلس النواب الأمريكي قبل شهر، نشرت تفاصيلها يوم الخميس (27 يونيو الجاري).
وقال تيلرسون في الإحاطة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" والمكونة من 143 صفحة: إن "خلافات السعودية والإمارات مع قطر ترجع إلى ثروة الدوحة وأدائها دوراً فعالاً بالمنطقة (الشرق الأوسط)".
وزير الخارجية الأمريكي السابق أشاد في الوقت ذاته بالمواقف الحكيمة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مؤكداً أنه "ينظر للأمام ويتمتع بعقلية إصلاحية، وذلك يخلق ضغوطاً على الآخرين (في إشارة إلى دول حصار قطر)".
واعتبر أن "قطر تتمتع بثروة هائلة مكنتها من أن تؤدي دوراً إيجابياً غير مسبوق"، وأن ذلك "تسبب أحياناً في حدوث خلاف في الآراء بين الأطراف الخليجية"، مؤكداً أنه يتفق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "في قوله إن قطر شريك استراتيجي هام".
أنصف قطر فأقاله ترامب
في منتصف مارس من العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي إقالة تيلرسون من منصب وزير الخارجية وتعيين المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) مايك بومبيو خلفاً له.
آنذاك قال ترامب وأعضاء إدارة البيت الأبيض إن أسباب إقالة تيلرسون (عُين في فبراير 2017) "تعود إلى خلافات كبيرة بينهما حول عدد من القضايا الدولية الملحة"، ومنها الأزمة الخليجية والاتفاق النووي مع إيران والخلاف مع كوريا الشمالية.
وفي إحاطته المذكورة كشف تيلرسون عن أنه لم يكن لديه علم بعشاء جمع المستشارَين في البيت الأبيض ستيف بانون، وجاريد كوشنر مع قادة السعودية والإمارات، ليلة 20 مايو 2017 (قبيل فرض الحصار على قطر).
الرجل الذي قضى وقتاً في قطر ومع قيادات دول الخليج خلال عمله في شركة "إكسون موبيل"، المستثمر الأكبر في السعودية وقطر والإمارات، أكد أنه لم يكن على علم بقرار فرض الحصار على الدوحة، بل إنه فوجئ بذلك.
وبحسب المسؤول الأمريكي الذي تفاجأ بحصار قطر، فإنه جاء نتيجة تراكم الخلافات المزمنة بين الدول الخليجية، ومن بينها "إطلاق الدوحة قناة الجزيرة الإخبارية عام 1996، التي تحولت فيما بعد إلى شبكة إعلامية دولية".
وفي كواليس ليلة اختراق وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، كشف تيلرسون عن اتصال هاتفي بأمير قطر عقب عملية القرصنة، "وأبلغوني أن ما نشر على لسان الشيخ تميم (حينها) لا أساس له من الصحة، ولم أشك قط في قولهم".
وكان قراصنة مدفوعون من الإمارات والسعودية قد اخترقوا وكالة الأنباء القطرية بداية يونيو 2017، ونشروا على موقعها تصريحات مفبركة لأمير قطر، لكن الدوحة سارعت إلى نفيها والتأكيد أنها "مختلقة ومفبركة".
انقلاب على تيلرسون بدعم الإمارات
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق التي كشفها لأول مرة بشكل صريح لكنه ألمح إليها سابقاً، تؤكد على ما يبدو التقارير التي تحدثت عن أن انقلاباً ضده داخل البيت الأبيض كانت تقف وراءه الإمارات.
وفي تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية في أغسطس 2018، جاء أن "حلفاء أمريكا الخليجيين (في إشارة إلى الرياض وأبوظبي) أصروا على تنحيته"، لأنه" تدخل من أجل وقف خطة سرية قادتها السعودية ودعمتها الإمارات لاجتياح قطر وغزوها".
التقرير اعتمد على معلومات حصلت عليها الصحيفة من عنصر في الاستخبارات الأمريكية واثنين من المسؤن السابقين في وزارة الخارجية البريطانية ومصادر إماراتية وسعودية، رفضوا جميعاً الكشف عن هويتهم.
وذكرت الصحيفة أن تيلرسون أجرى عدداً كبيراً من الاتصالات الهاتفية دعا فيها المسؤولين السعوديين إلى عدم شن عملية عسكرية ضد الدوحة، وذلك بعد أيام قليلة من فرض الحصار على قطر.
ولاحقاً أجرى نحو 20 اتصالاً هاتفياً ولقاء مع جهات خليجية وإقليميين ووسطاء، بما في ذلك 3 مكالمات واجتماعان مع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وفق متحدثة للبيت الأبيض.
كما حض تيلرسون وزير الدفاع الأمريكي السابق، جيمس ماتيس، على الاتصال بالمسؤولين العسكريين في السعودية "ليوضح لهم مخاطر هذا التدخل"، لا سيما أن قطر تستضيف على أراضيها قاعدة "العديد" التي تضم نحو 11 ألف عسكري أمريكي.
ضغوط تيلرسون دفعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حاكم المملكة فعلياً، كما وصفته الصحيفة، إلى التراجع عن غزو قطر "حيث كان خائفاً من أن يخسر علاقات الرياض مع واشنطن".
ولم ترق جهود تيلرسون لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مسؤول استخباراتي أمريكي ومصدر مقرب من العائلة الحاكمة الإماراتية امتنع عن كشف هويته لدواعٍ أمنية.
وتطور موقف المحمدين بن زايد وبن سلمان متجاوزاً حد الغضب، ليكثفا العمل على دفع البيت الأبيض إلى إقالة تيلرسون من منصبه، وهو ما حدث بالفعل في مارس 2018.