الخليج أونلاين-
تدخل الأزمة الخليجية عامها الثالث، والتي تسببت بها السعودية والإمارات والبحرين؛ بعد حصارها لدولة قطر، الأمر الذي تسبب بتعطيل مجلس التعاون الخليجي كهيئة سياسية، وإخراجه من معادلات التأثير في المنطقة.
وأدى حصار قطر إلى قطع عرى الروابط الثقافية والاجتماعية التي تربط أبناء المنطقة على مدار التاريخ، في حين لا يبدو أي ضوء في نهاية نفق الأزمة التي تتجه إلى المزيد من التعقيد.
وبعد عامين من الحصار الذي بدأ بحملات تشويه منظمة ضد الدوحة ورموزها في إعلام دول الحصار، تبعها قطع العلاقات وطرد المعتمرين من بيت الله الحرام، والطلاب القطريين من الجامعات، لا يزال السؤال يطرح نفسه؛ ما الدوافع التي تقف وراء مثل هذه الإجراءات الشرسة التي لم ترعَ في الأشقاء إلاً ولاذمة؟!
وبينما تحاصر تلك الدول قطر، تعمل على التقارب والتحالف والتطبيع مع الجهة التي أجمعت الأمة على عداوتها "إسرائيل"، لانتهاكها قداسة المقدسات الدينية، وحرمة الإنسان والأرض التي يمشي عليها، بموجب قوانين الشرعية الدولية التي لا تزال تعلن أن أجزاء من فلسطين ومن ضمنها القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين محتلة، فكيف تحول الشقيق القريب عدواً، والعدو البعيد صديقاً؟!
التاريخ يجيب
يقدم رباعي الحصار مبررات ينشرها عبر وسائل إعلامه تبرر لقيادته السياسية ما أقدمت عليه من خطوات، ويسوق في هذا المجال 13 مطلباً جلها تعدٍ على السيادة القطرية وتدخل في شؤونها الداخلية.
ويأتي ضمنها مطالبها بإغلاق قناة "الجزيرة"، وتعديل سياسة قطر الخارجية بما يتناغم مع التوجه الذي تتبناه أبوظبي وتبعاً لها الرياض؛ في مواجهة ثورات الشباب العربي المطالبة بالحرية والكرامة؛ والتي اصطلح على تسميتها بـ"ثورات الربيع العربي".
المطالب التي تكاد تجمع وسائل الإعلام الدولية على أنها تدخل في سيادة دولة مستقلة؛ يرى باحثون أنها مرآة تعكس بعداً تاريخياً من الأطماع بدولة قطر وحدودها، لا يدركه إلا الباحثون والعالمون ببواطن الأمور، وتاريخ تشكيل منطقة الخليج العربي والملابسات والصراعات التي رافقت هذا التأسيس.
عبد الناصر الحمداني باحث مختص بالشأن الخليجي والإيراني بمنظمة "كتاب بلا حدود الشرق الأوسط"، أكد أن حصار دولة قطر هو الجزء الظاهر من جبل الأزمة الممتدة جذورها في التاريخ القريب.
وقال الحمداني لـ"الخليج أونلاين: "هذه جذور لا يمكن تجاهلها لمن أراد أن يفهم الأسباب الحقيقية وراء اجتماع الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين على هدف مواجهة الدوحة بهذا القدر من التعنت السياسي، والذي تؤكد تقارير أن المخطط كان له شق عسكري حالت دونه الموازنات الدولية".
وأضاف الحمداني: إن "ظروفاً داخلية تتعلق بالمملكة المتحدة التي كانت تحتل منطقة الخليج العربي اضطرتها عام 1968 إلى الرحيل عنها، فوجدت القبائل العربية نفسها إزاء ضرورة إقامة دول على مناطق نفوذها، فبدأت بتشكيل تحالفات فيما بينها سعياً منها لكسب مساحة أوسع من الحدود الجغرافية".
وتابع: "دولة قطر اختارت أن تكون مستقلة عن الأحلاف التي بدأت تتشكل بواسطة راشد آل مكتوم شيخ إمارة دبي، وزايد آل نهيان شيخ إمارة أبوظبي، حيث نجحا في لم شمل سبع إمارات تشكل دولة الإمارات اليوم، وفشلت مساعيهما لضم إمارة قطر، لتبدأ مع تشكيل الدولة الوليدة الأحقاد على قطر وقيادتها السياسية التي رفضت التبعية".
واستدرك الباحث المختص بالشأن الخليجي والإيراني حديثه بالقول: "الأمر ذاته ينطبق على السعودية؛ حيث سعت إلى ضم قطر إليها أسوة بالإمارات التي أخضعت عبر التاريخ بقوة السلاح في الجزيرة العربية للملك السعودي".
وأردف بالقول: "بريطانيا كبحت جماح الطموح السعودي، فوقعت عام 1965 اتفاقية ترسيم للحدود، إلا أن اكتشافات النفط والتنقيب عنه كان تحيي هذه المطامع بين فترة وأخرى، وهو ما انعكس على شكل توترات وصل بعضها إلى مواجهات عسكرية محدودة".
وأشار إلى أن ما حصل في الأزمة الأخيرة هو امتداد للخلفية التاريخية التي طبعت علاقة القبائل التي شكلت الدول في المنطقة.
واعتبر أن المدنية التي طالت مدن السعودية والإمارات، وناطحات السحاب التي تتكاثر بسرعة كبيرة، لم تصل إلى العقل السياسي الذي قضى على تجربة مجلس التعاون الخليجي التي كان يمكن أن تكون شكلاً أولياً لاتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي.
الحسد السياسي
عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، رأى أن الأسباب التاريخية التي اتفق على دورها في بناء فصول الأزمة الخليجية، أولها عامل الغيرة والحسد السياسي التي لاحقت قادة دول الحصار، بسبب تعاظم الدور القطري السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي خلال السنوات الماضية، وهو ما دفعها إلى التخطيط لقلب نظام الحكم في قطر عبر افتعال أزمة، كان من بين فصولها التدخل العسكري.
وقال شمسان في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "جيران قطر كانوا ينظرون إليها على أنها إمارة صغيرة الحجم جغرافياً بالقياس إلى أحجامهم، بناءً على اعتبار أن مكانة الدول تقاس بأحجامها الجغرافية ومواردها".
وأوضح شمسان أن مفهوم حجم الدول تغير في العصر الحديث، وأصبحت الدول تقاس بأثرها وقدرتها على وضع سياسات ورؤى توظف الموارد المتاحة في أفضل وجهة لتحقيق أكبر أثر.
وبين أن قطر نجحت في هذا المجال نجاحاً منقطع النظير، وبدأت تصبح شريكاً هاماً في أحداث الشرق الأوسط وبعض دول العالم، من خلال سياسة عاقلة ودبلوماسية ناعمة أهلتها لتكون شريكاً في حل النزاعات والتوسط في الأزمات، حيث بدأ هذا الدور بالتعاظم ابتداءً من عام 2011.
وأشار شمسان إلى أن السعودية التي كانت مزهوة بحجمها الجغرافي والاقتصادي، والإمارات الطامحة لأخذ مكانة مؤثرة في المنطقة، اعتبرتا الدور القطري والوضع الذي آلت إليه "سحباً للبساط من تحت أقدامهما".
وذكر أن تلك الدول سعت إلى دعم انقلاب عسكري في عهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ولم يمنعها فشل الانقلاب من المحاولة في عهد ابنه الشيخ تميم، فكانت الأزمة معروفة الفصول.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية تورط دول حصار قطر بعمل عسكري ضد الدوحة، قائلاً: "قطر استغلت ظروف الحصار، ووظفت الأزمة بطريقة ذكية، وحولته إلى فرصة فعمقت شراكاتها الإقليمية وتحالفاتها الدولية، كما أنها عززت من قوتها العسكرية وباتت رقماً صعباً يحسب له حساب".
يشار إلى أن دولة قطر استغلت ظروف الأزمة التي جرها إليها أشقاؤها في المنطقة، لتعزيز قوتها العسكرية عبر حركة تسلّح بوتيرة متصاعدة، حيث أبرمت العديد من الصفقات الكبيرة، التي تؤهلها لتكون واحدة من أكبر القوات المسلحة من حيث نصيب الفرد في العالم.
ونظمت قطر وشاركت في العديد من التدريبات والمناورات العسكرية الدولية، لغرض التدريب العسكري ورفع قدرات قواتها المسلحة، إلى جانب شراكات مع دول إقليمية مهمة مثل تركيا، ودولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.