الخليج أونلاين-
أدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دوراً جوهرياً في تمرير اندلاع الأزمة الخليجية، وحصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، في يونيو 2017، دون أي مسوغ حقيقي، بسبب الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لتلك الدول، وموقف مختلف ومتباين تماماً أخذته المؤسسات السيادية في الولايات المتحدة من تلك الخطوة.
ونجحت قطر في قراءة الموقف الأمريكي، الذي يُمكن وصفه بـ"المتضارب" من الأزمة الخليجية سريعاً، والتعاطي معه، ثم كسب ترامب تدريجياً، وخلال وقت قصير توَّجت علاقاتها مع أمريكا بعقد حوار استراتيجي، خلال الأشهر الأولى من الحصار.
ورغم ميل ترامب إلى تأييد دول الحصار الرباعي، فإنه تراجع وأثنى على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووصفه بأنه "مناصر كبير" لمكافحة تمويل الإرهاب، و"رجل عظيم وصديق".
كما يظهر أن لعلاقة الدوحة مع المؤسسات الأمريكية (لا سيما البنتاغون والخارجية) دوراً أساسياً في عدم وصول دول الحصار إلى أي من أهدافها في الخطة المرسومة، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، أواخر يونيو 2019: "كنت أنا ووزير الدفاع في حينها، جيمس ماتيس، وفوجئنا عندما سمعنا عن الحصار المفروض على قطر، والذي أطلقته السعودية والإمارات، حيث كنا في رحلة دبلوماسية إلى أستراليا، وفي هذه اللحظات طالبنا جميع الأطراف بالتزام الهدوء وعدم التصعيد".
وقال بحسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: إن "الحصار المفروض على قطر أدى إلى زعزعة العلاقات التي حافظت عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بالمنطقة، في وقت تستضيف الدوحة قاعدة عسكرية أمريكية مهمة في الشرق الأوسط".
واشنطن تريد "حلاً سريعاً"
وبعد مرور أكثر من عامين على بداية الأزمة الخليجية والتأثير السلبي الذي حملته على المنطقة العربية برمتها، يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تتحرك لردم الخلاف الخليجي وإعادة ترتيب البيت الداخلي تزامناً مع التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية - العربية في المياه الخليجية.
وفي إطار ذلك دعا وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، الجمعة (6 سبتمبر 2019)، دول مجلس التعاون الخليجي إلى حل خلافاتها، التي قال إنها طالت كثيراً؛ من أجل التركيز على مواجهة إيران، التي تمثل التحدي الأكبر في المنطقة، حسب تعبيره.
وقال إسبر، خلال كلمة ألقاها في المعهد الملكي للخدمات الموحدة في لندن: "رسالتنا إلى دول مجلس التعاون الخليجي أنهم بحاجة إلى حل خلافاتهم سريعاً، فقد طالت كثيراً؛ لأن التحدي الأكبر في المنطقة هو إيران، التي يتفشى سلوكها الخبيث وتقوض الحكومات".
وأضاف: "هذا هو التحدي الأكبر لنا ولدول الإقليم باعتقادي، وهناك أيضاً الإرهاب الذي أعتقد أن إيران تدعم وتوجه كثيراً منه".
هذا التصريح هو الأحدث في إطار المساعي الأمريكية للتوصل إلى حل لحصار الدول الأربع لقطر، والتي لا يمكن أن تتم دون تدخُّل أمريكي، فقد قال وزير الدفاع القطري خالد العطية، في مقابلة مع "مؤسسة هيرتيج" البحثية، بواشنطن، في يناير 2018: إن "الوحيد الذي يستطيع حل مشكلة الخليج هو ترامب، ويستطيع أن يحلها بمكالمة هاتفية واحدة".
كما أن قطر تحظى بأهمية كبرى في الأروقة الأمريكية ودوائر صنع القرار، فهي من كبرى الدول المُصدّرة للغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه غالبية دول العالم الغربي في صناعاتها، وتضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، حيث تضم "القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، ولها علاقات ودية أوسع مع كل إدارة البيت الأبيض السابقة.
ويرى الكاتب ظافر محمد العجمي، في مقالة سابقة له بصحيفة "العرب" القطرية، أن "حل الأزمة الخليجية مصلحة أمريكية، فمزيد من التنسيق بين دول الخليج الست مع واشنطن هو البنية الأساسية التي أُقيمت عليها العلاقات بين الطرفين عقوداً طويلة، وعدم استمرار التنسيق يعني اهتزاز تلك القاعدة".
وإنهاء الأزمة يصبُّ في مواجهة واشنطن لأي تهديد إيراني بالتعاون مع الدول الست مجتمعة لا متفرقة، وهو ما يجعل الموقف الاستراتيجي أشد صلابة فيما لو تعرضت أي مصالح دولية أو تجارية للخطر في منطقة الخليج العربي، وفق متابعين.
تحركات كويتية متزامنة
وسبق تصريحات وزير الدفاع الأمريكي نشاطٌ كويتيٌّ جديد لا يُعَد الأول، فقد خاضت الكويت عدة محاولات لعقد صلح بين الدول الخليجية، ومحاولة لمّ الشمل من جديد، لكن تعنُّت دول الحصار صعَّب توصُّلها إلى حل يرضي جميع الأطراف.
لكن التحركات الأخيرة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبوادر تراجع سعودي، قد تحمل في ثناياها تحلحلاً للملف الخليجي الأكثر تعقيداً منذ تأسيس مجلس التعاون.
التحركات الجديدة للشيخ صباح الأحمد سبقتها زيارة سعودية للكويت، نقل خلالها وزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي، الأمير تركي بن محمد بن فهد آل سعود، رسالة شفوية من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أمير الكويت.
ويرجح مراقبون للشأن الخليجي أن تلك الرسالة غالباً ما حملت تراجعاً سعودياً وتنازلاً عن شروطها المتصلبة وغير المفهومة من حصار قطر، قد تنتهي بإعادة العلاقات بين الجانبين، في ظل توتر إماراتي-سعودي باليمن وملفات أخرى.
وفي 29 أغسطس 2019، شهدت الدوحة زيارة لرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، التقى خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ناقلاً إليه رسالة من أمير الكويت.
وعلى الطرف الآخر جاء الرد القطري برسالة جوابية من أمير قطر، في 3 سبتمبر 2019، بعث بها ممثلَه الشخصي الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، إلى الشيخ صباح الأحمد.
هذه الزيارة حملت معها توقعات أخرى متفائلة لوقف الحصار وإنهاء الأزمة، خصوصاً أن التحرك الكويتي ليس جديداً إنما كان تراكمياً منذ بدئها، لأن الكويت لطالما سعت إلى ذلك والدوحة كانت متماشية مع الطرح الكويتي ضمن الثبات على مواقفها في الجلوس على طاولة الحوار وتفنيد المشاكل، ولكنَّ تعنُّت دول الحصار هو ما عرقل ذلك.
أمير الكويت يلتقي ترامب
ويبدو أن كل التصريحات والرسائل والتحركات مرتبطة بعضها ببعض، فقد أُعلن عن زيارة مرتقبة لأمير الكويت إلى البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، الخميس المقبل (12 سبتمبر الجاري)، مع تأكيد الوكالات الرسمية تطرُّق الشيخ صباح وترامب إلى ملف الأزمة الخليجية خلالها.
وفي 3 أغسطس 2019، قال السفير الأمريكي لدى الكويت لورانس سيلفرمان: إن "الأزمة الخليجية ستكون حاضرة ضمن الملفات التي سيناقشها أمير الكويت في لقائه المقرر مع الرئيس الأمريكي بواشنطن هذا الشهر".
وصرّح سيلفرمان في مؤتمر صحفي عُقد بالسفارة الأمريكية في الكويت، قائلاً: "أنا متأكد أن الخلاف الخليجي سيكون على قائمة الموضوعات التي سيطرحها أمير الكويت خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي".
وأضاف: "أعتقد أن حلَّه ما زال يمثل أولوية كبيرة لدى أمير الكويت إلى يومنا هذا، تماماً كما هو بالنسبة لنا، وأنا متأكد أنه سيجري نقاش جاد بشأنه، وبشأن الطريقة المثلى لاستعادة الوحدة الكاملة لمجلس التعاون الخليجي"، وفقاً لـ"الجزيرة نت".
ويبدو أن تهديد المصالح الأمريكية والخليجية على السواء، في ظل التحركات الإيرانية بالمياه الإقليمية، واستهداف الحوثيين المتواصل لأمن السعودية بقصف المرافق الحيوية فيها، وتفاقم الخلاف السعودي-الإماراتي في المناطق الجنوبية اليمنية والذي يدفع نحو تفتيت البلاد، وملفات أخرى تحتم تحركاً سريعاً لإغلاق ملف الأزمة الخليجية بشكل نهائي.