الخليج أونلاين-
يتكشف بين الحين والآخر ضلوع السلطات في كل من السعودية والإمارات بجرائم كبرى بحق شعوبها؛ عبر ملاحقة الناشطين والمنتقدين منهم، واعتقالهم والتنكيل بهم، إلى حد القتل والمصير المجهول، كما تتورط الحكومتان في كلا البلدين بجرائم خارج حدودها عبر التجسس والقرصنة والتخريب.
كما أن الجرائم التي ترتكبها الأجهزة الأمنية التابعة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والأخرى التي تتبع لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، يبدو أنها لا تموت بالتقادم، فبين الحين والآخر تعود للخروج بسبب الأصوات الحقوقية الدولية حول العالم التي تطالب بتحقيق العدالة من أجلها حتى لا تتكرر مع آخرين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل تتمكن تلك الدعاوى أو التحركات القضائية من إيقاف الانتهاكات؟
قتلٌ بالتعذيب
لم تتوقف المملكة عن انتهاكاتها مع الهزة الدولية التي أحدثها مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده، بالثاني من أكتوبر عام 2018، وأصابع الاتهامات التي تشير إلى تورط محمد بن سلمان والمقربين منه في إنفاذ الجريمة عبر التخطيط والمتابعة، ومن ثم التنفيذ.
فبعد شهر ونيف من اغتيال خاشقجي، كشفت صحيفة ميرور البريطانية، في (8 نوفمبر 2018)، أن الصحفي السعودي تركي الجاسر قتل قبل أيام في السجون السعودية.
وأوضحت الصحيفة: "قيل إن تركي بن عبد العزيز الجاسر قد قُتل بعنف في السجن، الأسبوع الماضي، بعد أن اعتقلته سلطات بلاده وأودعته في السجن، في مارس 2018"، مضيفة أن "السلطات قد اكتشفت أنه قام على نحو سري بتشغيل حساب على تويتر يُدعى (كشكول)، كان ينشر فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المسؤولين وأفراد العائلة الحاكمة".
ووفقاً لتقارير صحفية، فقد سُرّبت هوية الصحفي السعودي من قبل موظفين بمكتب "تويتر" المحلي في دبي، وتم القبض عليه على أثرها.
وسبق أن حذرت منظمة "نحن نسجل"، في (4 أكتوبر 2019)، من أن يلحق بتركي الجاسر ما لحق بخاشقجي، مطالبة السلطات السعودية بالكشف الفوري عن مصيره.
ولفتت المنظمة في بيانها إلى أن هناك ما وصفتها بـ"شبهات قوية وتقارير حقوقية بشأن احتمال تصفية الصحفي تركي الجاسر جسدياً".
وأشارت المنظمة إلى أن "جريمة الإخفاء القسري في السعودية أخذت منحى تصاعديّاً وخطيراً للغاية منذ صعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، حيث تم اختطاف وإخفاء المئات، مع تعريضهم لأبشع صور التعذيب، إضافة إلى تهديدهم بالقتل كما قُتل خاشقجي، وإلقاء جثثهم في بالوعات الصرف الصحي"، بحسب البيان.
وفي تقرير بعنوان "الثمن الفادح للتغيير.. تشديد القمع في عهد محمد بن سلمان يشوّه الإصلاحات"، لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، الصادر في 4 نوفمبر 2019، أوردت اسم تركي الجاسر بين المحتجزين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن".
فتح القضية للمحاكمة
ورغم مرور عام على قضية الجاسر، وارتباطها بعمليات التجسس والقرصنة التي تقودها السعودية والإمارات داخلياً وخارجياً، قال المحامي والمستشار محمود رفعت، في حسابه على موقع "تويتر"، إنه يمكن لأسرة تركي الجاسر صاحب حساب (كشكول)، الذي قتل تحت التعذيب في السعودية بعد كشف شخصيته من مكتب تويتر في دبي، رفع دعوى على السلطات في البلدين.
وأضاف رفعت: "إن الأسرة يمكنها ملاحقة مسؤولي الدولة السعودية وكذلك مسؤولي دولة الإمارات أمام محاكم أمريكا حيث المقر (الرئيسي) لتويتر، وأعلن تطوعي التام لمساعدة أهلنا بالدولتين لاسترداد حق أبنائهم ضحايا ذلك الجرم الوحشي".
يمكن لأسرة #تركي_الجاسر صاحب حساب كشكول الذي مات بالتعذيب في #السعودية بعد كشف شخصيته من مكتب #تويتر في #دبي ملاحقة مسؤولي الدولة السعودية وكذلك مسؤولي دولة #الإمارات أمام محاكم #أمريكا مقر تويتر وأعلن تطوعي التام لمساعدة أهلنا بالدولتين لاسترداد حق أبنائهم ضحايا ذلك الجرم الوحشي pic.twitter.com/V5brjqX0Yr
— Mahmoud Refaat (@DrMahmoudRefaat) November 8, 2019
ويقول متابعون للشأن السعودي إن يوم السبت (9 نوفمبر 2019)، يكون قد مر عامٌ تماماً على الجريمة التي ارتكبت بحق صحفي سعودي آخر، لم تنفِ السلطات السعودية قيامها بالجريمة، ومن ثم لم تؤكدها، لتبقي مصيره مجهولاً ككثيرين اعتقلوا من بيوتهم في المملكة، ولا يُعرف عنهم شيء.
ويضيف المتابعون: إنّ "هذه القضية تحتوي عدة جرائم؛ فهي تجسس على خصوصية ومعلومات حساب شخصية في موقع تويتر، واعتقال تعسفي، وعدم وجود محاكمة علنية تشرح ملابسات القضية، وإخفاء تام للشخص، وإمكانية التورط فعلاً في القتل تحت التعذيب".
فضائح لا تتوقف
وتعيش المملكة اليوم في ظل فضيحة جديدة تلاحقها في أروقة القضاء والاستخبارات وفي وسائل الإعلام بالولايات المتحدة، في ظل اتهام سعوديَّين، وثالث أمريكي، بالتجسس لصالحها في الأراضي الأمريكية، أثناء عمل اثنين منهما في موقع "تويتر".
وفي 6 نوفمبر 2019، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" أن وزارة العدل الأمريكية قالت إن صلة الوصل مع عملاء التجسس في تويتر هو بدر العساكر، مدير المكتب الخاص لمحمد بن سلمان، وأحد أبرز المقربين منه.
وقالت: إن "توجيه التهم جاء بعد يوم من اعتقال المواطن الأمريكي أحمد أبو عمو، الموظف السابق في تويتر، وهو المتهم الأول، في حين أن المتهم الثاني مواطن سعودي يدعى علي الزبارة، وقد اتُّهم بالوصول إلى المعلومات الشخصية لأكثر من ستة آلاف حساب على تويتر عام 2015".
وأضافت نقلاً عن وزارة العدل: إن "المتهمَين عملا معاً لحساب الحكومة السعودية والعائلة المالكة من أجل كشف هويات أصحاب حسابات معارضة على تويتر".
وقال ممثلو الادعاء: إن "مواطناً سعودياً ثانياً يُدعى أحمد المطيري، كان وسيطاً بين المسؤولين السعوديين وموظفي تويتر"، بحسب الصحيفة.
بدوره قال النائب العام الأمريكي، ديفيد أندرسون: إن "الشكوى الجنائية التي كُشف عنها اليوم تتهم سعوديَّين بالعبث بالأنظمة الداخلية لـ(تويتر)، من أجل الحصول على معلومات شخصية عن معارضين سعوديين وآلاف من مستخدمي المنصة".
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن من بين الحسابات التي استُهدفت حساب المعارض السعودي عمر عبد العزيز، الذي كان مقرباً من الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي.
وسبق ذلك تحرك "تويتر"، الجمعة (20 سبتمبر 2019)، وحذفها آلاف الحسابات التي كانت تدار من السعودية والإمارات ومصر للتأثير في الأزمة الخليجية وحرب اليمن، بينها حساب المستشار في الديوان الملكي السابق، سعود القحطاني.
وعللت ذلك قائلة إنها "رصدت 6 حسابات مرتبطة بأجهزة إعلامية تديرها الرياض تعمل على تضخيم مزايا عمل الحكومة السعودية".
وأردفت أنها "أزالت 4285 حساباً من الإمارات كانت تستهدف قطر واليمن، قدمت نفسها على أنها شخصيات معينة، وتحدثت عن الحوثيين والحرب الأهلية اليمنية"، مضيفة أنها ألغت 267 حساباً مصدرها الإمارات ومصر تعمل على توجهات أخرى في المنطقة.
وفي أبريل 2019، حذفت "تويتر" أكثر من 5 آلاف حساب "بوت" أوتوماتيكي تنتمي إلى الذباب الإلكتروني؛ لأن هذه الحسابات نفذت حملة تأييد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلاً عن أنها نفذت حملات سابقة للترويج للحكومة السعودية.
وكان القحطاني يلقب بوزير "الذباب الإلكتروني"، بعدما كلفه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإدارة الحملات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي؛ لـ"تلميع صورة السعودية، والهجوم على المعارضين وشيطنتهم".
إيقاف مقر التجسس
من جانب آخر طالبت منظمة "سكاي لاين الدولية"، في (3 نوفمبر 2019)، شركة "تويتر" بالتحقيق في شفافية عمل مكتبها الإقليمي في إمارة دبي بدولة الإمارات، وطبيعة العلاقات التي تربط المكتب مع حكومات المنطقة، وفرض قيود على حسابات المغردين المعارضين.
وقالت المنظمة الحقوقية في بيان لها: "إن على شركة تويتر تحمل مسؤوليتها في الوقوف على انتهاكات مقرها الإقليمي في دبي لحرية الرأي والتعبير بحق المعارضين لحكومات دول إقليمية".
ودعت "سكاي لاين" إلى "فحص ما يصل من معلومات بوجود تنسيق عالي المستوى بين أجهزة الأمن في كل من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل، بشأن ملاحقة وحذف حسابات نشطاء حقوق إنسان وصحفيين ومعارضين لتلك الحكومات".
ونبهت إلى توارد معلومات حول انعقاد اجتماعات سرية، في شهر أكتوبر الماضي، بين إدارة منصة "HUB71" التكنولوجية التي أسستها دولة الإمارات في مارس الماضي، ومسؤولين كبار في مكتب تويتر في دبي؛ لبحث لتكثيف التعاون بين الجانبين.
وأشارت "سكاي لاين" إلى التعاون الوثيق بين شركة "NSO" الإسرائيلية ودولة الإمارات في استهداف عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وناشطين آخرين في المجتمع المدني، في مناطق متفرقة من العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط، وأبرز تلك الحالات الناشط الإماراتي أحمد منصور.
ونوهت المنظمة بضرورة تحقيق شركة تويتر في خضوع مقرها الإقليمي في دبي لسياسات تفرضها الإمارات وحكومات حليفة لها في الشرق الأوسط بما يُهدد أمن وسلامة المستخدمين بشكل خطير.
ولفتت إلى أن التقارير المتواترة التي تحدثت عن دور كبير وواسع للإمارات باعتقال معارضين سعوديين ومصريين وتعرضهم للتعذيب بعد اختراق حساباتهم الشخصية، على خلفية ما ينشرونه من مواقف على تويتر، مقلقة ومفزعة وبحاجة إلى تدخل عاجل.