علاقات » خليجي

الأزمة الخليجية.. انفراجة مرتقبة أم مراوغة جديدة؟

في 2019/11/14

متابعات-

مع تجاوز الأزمة الخليجية شهرها الـ30، برزت مؤخراً مؤشرات على حدوث اختراق فيها، مع تلاشي بعض الاتهامات الكاذبة ضد قطر، وفي مقدمتها علاقتها بإيران، وإصرار الدوحة الرافض للحصار المفروض عليها، ودعوتها لأن يكون أي حوار دون شروط.

كانت لحظة فارقة داخل البيت الخليجي والدول العربية عندما قررت السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر، في 5 يونيو 2017، محاصرة قطر سياسياً واقتصادياً، ومحاولة التدخل في سيادتها ووضع اشتراطات عليها.

وبعد مرور نحو عامين ونصف على الحصار، وسط تحركات كويتية عُمانية لحل الأزمة الخليجية، وفي خطوة أولية تبدو أنها تمضي نحو المصالحة، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين التراجع عن قرار رفض المشاركة في بطولة كأس الخليج بنسختها الـ24 في قطر، ووسط حديث عن قرب انتهاء الخلافات، مع غموض في الموقف حول الخطوات القادمة في هذا السياق.

ما جديد الأزمة؟

أعلن اتحاد كأس الخليج العربي لكرة القدم بشكل رسمي، اليوم الأربعاء 13 نوفمبر 2019، مشاركة كل من السعودية والإمارات والبحرين في "خليجي 24" بالدوحة، وذلك بعد موافقة المكتب التنفيذي للاتحاد الخليجي على طلبات اتحادات الدول الثلاث، التي تم التقدم بها خلال اليومين الماضيين.

وثمن الاتحاد الخليجي للعبة "تجاوب اتحادات الدول المذكورة مع دعوة المشاركة التي قُدمت كمحاولة أخيرة للم شمل الأصدقاء تحت مظلة البطولة"، التي تم تعديل موعد انطلاقها إلى 26 نوفمبر الجاري، وحتى 8 ديسمبر المقبل.

وفي 12 نوفمبر الحالي، أعلنت قناة "بي إن سبورت" القطرية تراجع منتخبات خليجية (السعودية، البحرين، الإمارات) عن عدم المشاركة في "خليجي 24" المقررة في الدوحة.

وفي ذات اليوم بشر الأكاديمي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية المقرب من دائرة الحكم في الإمارات، عبد الخالق عبد الله، بقرب حل الأزمة الخليجية المستمرة، قائلاً في تغريدة على حسابه بـ"تويتر": "أبشركم بتطورات مهمة لحل الخلاف الخليجي بأقرب مما تتوقعون".

وبعد 24 ساعة، عاد المستشار الإماراتي للقول عبر حسابه في "تويتر"، إن هناك قراراً آخر يتعلق بوقف الحملات الإعلامية المسيئة "التي تراجعت كثيراً مؤخراً"، مشيراً إلى أن تفعيل اللجان الوزارية الخليجية واجتماعها بزخم وبشكل دوري بما فيها اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون.

وأكد أن التحضيرات جارية على قدم وساق لاجتماع وزراء الخارجية والاستعداد لقمة خليجية خلال شهر ديسمبر، مؤكداً أن انعقادها "سيشكل منعطفاً مهماً وسيعيد الحياة والحيوية للأخوة الخليجية".

وشدد على أن هناك "نية ورغبة صادقة لحل الخلاف الخليجي عبر دبلوماسية كرة القدم والمشاركة في كأس الخليج 24 في الدوحة، إضافة إلى اتخاذ قرارات شجاعة لطي صفحة كانت من أصعب الصفحات وربما من أسوأ السنوات التي مرت على مجلس التعاون".

وجاءت هذه الخطوات بعد زيارة قام بها نائب وزير الدفاع السعودي لسلطنة عمان، ومقابلة السلطان قابوس بن سعيد، في 11 نوفمبر الجاري، وتسلم العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في 10 نوفمبر، رسالة من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، سلمها له نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ صباح الخالد.

وفي تغريدة سابقة من الشهر ذاته استجدى وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، قطر أن تحل أزمتها مع جيرانها في الخليج ومع مصر.

وأبدى في تغريدة على "تويتر" استغرابه من استمرار الهجوم الإعلامي القطري على السعودية، داعياً الدوحة إلى أن "تركن للهدوء والحكمة".

ورأت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، في تقرير لها بـ13 نوفمبر، أن الخلاف الخليجي "بدأ يتلاشى"، وقالت: إن "موافقة كل من السعودية والإمارات والبحرين على المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم لهذا العام في قطر ، تشير إلى ذوبان الجليد في أكثر من عامين من النزاع"، مشيرة إلى أن الدوحة أثبتت نفسها خلال الأزمة وكانت "مثيرة للدهشة" ولم تتأثر رغم الحصار.

ويرى المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد باقوير، في حديث خاص مع "الخليج أونلاين"، أن "الأزمة الخليجية وصلت إلى مرحلة أقنعت فيها الدول المحاصرة لقطر بأن هناك ضجراً شعبياً خليجياً من استمرارها".

وقال: إن "استمرار الأزمة الخليجية يهدد مجلس التعاون، وهذا يشكل ضربة كبيرة لأمن دوله، وربما تكون عودة عدد من الدول الخليجية المشاركة في كأس الخليج في دولة قطر هي بداية انفراج نسبي لإيجاد حل توافقي".

في المقابل قال الباحث السياسي علي باكير، إن دبلوماسية الكرة خطوة مرحب بها لكنها ليست كافية لحل الأزمة، فالقطريون يودون رؤية الحصار مرفوعاً في أسرع وقت ممكن، وكذلك إنهاء الإجراءات العدائية التي تم اتخاذها ضدّهم لإظهار أنّ هناك نيّة حقيقية لإنهاء الأزمة".

ويعتقد باكير في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الجولة الأخيرة من التصعيد الإيراني في الخليج العربي أدت دوراً كبيراً في هذا الصدد، بالإضافة طبعاً إلى رغبة الإدارة ‫الأمريكية في توظيف الجهد الجماعي للدول الخليجية في مواجهة إيران".

صحيفة سعودية: أربع غيمات ماطرة خليجياً

هذه التحركات كشفت عنها أيضاً صحيفة "إيلاف السعودية"، التي قالت إن هناك توجهاً لدول الحصار "بعدم تعرض إعلامها لدولة قطر في البرامج السياسية والرياضية"، ووصفته بـ"الغيمة الرابعة التي تشكلت في سماء دول الخليج والمنطقة العربية خلال الساعات الماضية".

وقالت في 13 نوفمبر، إن ذلك سبقه "ثلاث غيمات ماطرة؛ على رأسها زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى مسقط، وزيارة السياسي الكويتي والخليجي المخضرم عبد الله بشارة، الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، لسلطنة عُمان.

والغيمة الثالثة، بحسب الصحيفة الإلكترونية السعودية، اتخاذ السعودية والإمارات والبحرين قراراً بالمشاركة في خليجي 24، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يصل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى الإمارات "خلال ساعات في زيارة تصب في الاتجاه الذي تسعى إليه الكويت وعُمان".

الخروج من مأزق إيران والحوثيين

ولعل هذه التحركات تأتي في محاولة من السعودية لتخفيف الضغط عليها، بالتزامن مع خطوات أخرى تقوم بها للخروج من مأزقها في محيطها، وفي مقدمتها خلافاتها مع إيران، والحرب مع الحوثيين، بعدما تركتها حليفتها الإمارات في مواجهة الطرفين وذهبت نحو مصالحة طهران والانسحاب من حرب اليمن.

وسبق أن كشفت الحكومة الإيرانية، في 30 سبتمبر الماضي، عن تلقيها رسائل من السعودية، لكنها اشترطت وجود رسالة علنية يمكن أن تكون إحداها إنهاء الحرب في اليمن.

وقال المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون الرسمي: "وصلتنا رسائل من السعودية من إحدى الدول، لكن يجب أن نشاهد رسالة علنية من قبلها، ويمكن أن تكون إحدى رسائل السعودية العلنية هي إنهاء الحرب على اليمن".

وفي 5 نوفمبر الجاري، قال نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، إن الكويت نقلت رسائل من إيران إلى السعودية والبحرين تتعلق بالوضع في الخليج العربي، رداً على رسائل سابقة بعثتها الرياض.

وتشير تحركات مسقط أيضاً إلى أن سلطنة عُمان تسعى لأداء دور على مستوى جلب الحوثيين لطاولة المفاوضات على وقع الجهود التي بذلتها الرياض لإنهاء الأزمة في جنوب اليمن عبر رعاية الاتفاق بين المجلس الجنوبي الانتقالي والحكومة اليمنية، في حين قال وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش: إن للحوثيين "دوراً مهماً في مستقبل اليمن"، وهو ما يؤكد رغبة أبوظبي والرياض في إنهاء الحرب باليمن.

وقال المحلل العُماني "باقوير": إن "السعودية تشعر بأن وجود دول المنطقة بجانبها هو أمر حيوي، خاصة في إطار التوتر مع إيران، ومن هنا فإن اتفاق الرياض، وزيارة خالد بن سلمان للسلطنة، ولقاءه بجلالة السلطان قابوس، يدخل في إطار  البحث عن صيغة توافقية لحل الأزمة في اليمن".

وتدرك الرياض أن الدور المحوري للسلطنة مهم في المقاربة السياسية لإنهاء الحرب في اليمن، خاصة مع التكلفة المالية والاستراتيجية للحرب العبثية على اليمن التي دخلت عامها الخامس.

ولفت إلى أن "هناك قناعة سعودية بأن الحسم العسكري في اليمن أصبح مستحيلاً، كما أن التقارير الدولية من منظمات حقوق الإنسان حول الكارثة الإنسانية في اليمن تضغط على دول التحالف، ومن هنا فإن اتفاق الرياض إذا نجح فقد يفتح الطريق نحو اتفاق مع الحوثي تمهيداً لوقف الحرب". 

وأوضح المحلل العُماني "باقوير"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "هناك إحباطاً سعودياً من أن الولايات المتحدة لم تواجه إيران عسكرياً بعد استهداف السفن في المنطقة، وأيضاً استهداف المنشآت النفطية لأرامكو السعودية، وعلى ضوء تلك التطورات فإن مسقط سوف تشكل الدور الأهم في إيجاد مقاربة سياسية تنهي الحرب على اليمن أولاً، ومن ثم إطلاق حوار إيراني سعودي، وعودة العلاقات الخليجية إلى سابق عهدها في ظل الأخطار والتحديات التي تواجه دول الخليج".

وختم حديثه قائلاً: "يبدو لي أن السعودية أصبح لديها قناعة بأن الاعتماد على واشنطن لمواجهة طهران أصبح محل شك، ومن ثم فلا بد من العودة إلى التحالفات التقليدية من خلال تجميع الكيان الخليجي الواحد، والإيمان بضرورة خيار الحوار مع إيران بعيداً عن الصراعات العسكرية التي أثبتت عدم جدواها، كما في النموذج اليمني".

الحوار بدون شروط

وتصر قطر مع مرور الأحداث على روايتها لما حصل قبل عامين ونصف، لكنها لا تقفل الباب أمام إيجاد الحلول إلا بشرط الحوار دون إملاءات.

أكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، نجاح بلاده في احتواء آثار الحصار، الذي قال إنه يستمر بممارساته "غير المشروعة" رغم تهاوي كل الادعاءات.

وجدد في 5 نوفمبر الجاري، استعداد بلاده للحوار "بعيداً عن الإملاءات والشروط المسبقة"، مؤكداً أن "التفريط في القرار الوطني المستقل يعني الإفراط في الوطن نفسه".

وأوضح في خطابه في افتتاح الدورة الـ48 لمجلس الشورى القطري، أن نجاح بلاده في احتواء الحصار يأتي "بسبب نهجنا الهادئ والحازم في إدارة الأزمة، وكشف كافة الحقائق للعالم، وتمسكنا باستقلالية قرارنا السياسي".

وجدد تأكيده أهمية الحوار لحل الخلافات، وقال: "منطقتنا الخليجية تشهد أحداثاً متسارعة وخطيرة، مما يحتم علينا انتهاج الحوار كسبيل وحيد لحل المشكلات".

وفي 23 يونيو 2017، قدمت الدول الأربع قائمة تضم 13 مطلباً، اعتبرتها قطر هجوماً على السيادة القطرية وتهدف إلى فرض الوصاية عليها.

ومنذ ذلك الوقت يتواصل الانقطاع بين قطر والدول الأخرى، وسط جملة من المعارك القضائية والإدانات بالتهجم عليها، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت العلاقات بعض الانفراج؛ أولها كان شحن قطر الغاز المسال للإمارات بعد تعطل خط الأنابيب الرئيسي دولفين الذي ينقل الغاز من قطر إلى الإمارات، في 19 مايو الماضي، لتأتي بعدها مشاركة الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء، يوم 30 مايو 2019، في قمم مكة الثلاث، ليصبح بذلك أعلى مسؤول قطري يزور السعودية منذ بدء الأزمة.