الخليج أونلاين-
تمتلك دولة قطر وشقيقتها سلطنة عمان واحدة من أقوى العلاقات الاستراتيجية، والتي تربطها الأخوة الراسخة، والتنسيق فيما بينهما في كل المجالات، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا مجلس التعاون الخليجي والمنطقة.
وتعتبر العلاقات العمانية القطرية مثالاً واقعياً على متانة العلاقات الدولية التي تجمع بين الدول الشقيقة والصديقة، ووصلت شراكتهما إلى كل المجالات، بما أسهم في رفع رصيد التعاون المثمر والجاد بين البلدين.
وبرزت تلك العلاقة المتينة في عهد مؤسس سلطنة عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد، وهو ما انعكس جلياً في حجم الحزن الذي عاشته قطر بعد رحيله في الـ11 من يناير الجاري.
4 وفود لتعزية السلطان
على عكس الدول الأخرى، فقد تصدرت قطر في حجم وعدد الوفود التي ذهبت إلى سلطنة عمان للتعزية في السلطان قابوس، كان في مقدمتها أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي زار السلطنة في 11 يناير.
وأكد أمير قطر خلال تعزيته أن "السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور كان قائداً عظيماً اتسم بالحكمة والاعتدال والاتزان وبعد النظر، كرس حياته وجهده لخدمة وطنه وأمته، والدعوة إلى الحوار ونبذ العنف والتطرف".
وأمر أمير قطر بإعلان الحداد في الدولة ثلاثة أيام، وتنكيس الأعلام، ووقف بث الفضائيات.
وفي 13 يناير قدم الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، التعازي إلى السلطان هيثم بن طارق بن تيمور سلطان عمان، وذلك بقصر العلم بمدينة مسقط.
كما قدم الشيخ عبد الله بن حمد آل ثاني، نائب الأمير، التعازي إلى السلطان هيثم بن تيمور، في الـ14 من يناير، خلال زيارته إلى عمان، فيما قدم أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود رئيس مجلس الشورى القطري، والوفد المرافق له، خلال زيارتهم إلى مسقط، تعازيهم في رحيل السلطان قابوس.
وفي المقابل تقدم أمير قطر، ونائبه ورئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ عبد الله بن ناصر، بتهانيهم إلى السلطان هيثم بن تيمور، بمناسبة توليه الحكم في عمان.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي العماني عوض باقوير لـ"الخليج أونلاين" أن وصول الأمير تميم بن حمد آل ثاني، كأول زعيم يصل إلى السلطنة للتعزية في وفاة السلطان قابوس هو "دليل على الروابط الوثيقة والعلاقات الراسخة بين القيادتين والشعبين الشقيقين، مدعومة رسمياً وشعبياً".
وأضاف: "لعل التغطية الإعلامية الكبيرة لرحيل السلطان قابوس من خلال الإذاعات والقنوات القطرية، والشعور بالحزن الذي انتاب أبناء قطر، ووجود عدة وفود قطرية للتعزية، يعطي دليلاً على رسوخ تلك العلاقات".
وأكد أن العلاقات "سوف تزداد رسوخاً من خلال حكمة القيادتين في البلدين؛ السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، وأخيه سمو الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر الشقيقة، لما يحقق آمال وتطلعات البلدين والشعبين الشقيقين".
علاقات راسخة منذ القدم
لم تكن هذه الكثافة من الوفود والحزن الذي خيم على قيادة وشعب قطر أمراً عابراً، بل يعكس العلاقة الكبيرة بين عمان وقطر التي يسودها الهدوء وبعيدة عن الاحتقان أو أي مشاكل في الأعوام الماضية، حيث يعتبر البلدان شريكَين متفاعلَين في كل المجالات، إلا أن ثقل العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية القطرية هو الأبرز مؤخراً.
وارتبطت دولة قطر بعلاقات وثيقة مع سلطنة عمان، وازدادت هذه العلاقات عمقاً في جميع المجالات بعد استقلال دولة قطر، ففي عام 1973 صدر المرسوم الأميري رقم (2) بتعيين أول سفير لدولة قطر لدى سلطنة عمان، في حين قدم أول سفير لسلطنة عمان أوراق اعتماده إلى أمير دولة قطر في عام 1974.
وتميزت العلاقات الثنائية بين دولة قطر وسلطنة عمان بنوع من الاستقرار والثبات والازدهار، تم تتويجها بزيارات بين قادة البلدين أعقبها زيارات مكثفة لكبار المسؤولين للسلطنة بهدف دفع التعاون وتدعيم أواصر الأخوة بين البلدين.
ولعل ما أسهم في تعزيز العلاقات بين الدوحة ومسقط ما تتمتع به الدولتان من موارد طبيعية وصناعات متقدمة واقتصادات قوية، إضافة إلى موقعهما الجغرافي القريب، والعلاقات التاريخية المتينة التي تجمع الدوحة بمسقط.
ولمزيد من التمازج بين البلدين والشعبين الشقيقين فقد اتفقت الحكومتان على السماح لمواطني الدولتين بالدخول للبلدين بالبطاقة الشخصية بديلاً عن وثيقة السفر الدولية، وهو ما تم تفعيله بقرار وزير الداخلية رقم (5) لسنة 1996 بشأن السماح لمواطني السلطنة بدخول دولة قطر أو الخروج منها باستخدام البطاقة الشخصية.
علاقة ارتسمت منذ القرن الماضي
يوضح الأكاديمي العُماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية، الدكتور عبد الله الغيلاني، كيف بنيت هذه العلاقة، مشيراً إلى أنها "ارتسمت معالمها في شكلها الحديث منذ مطلع سبعينيات القرن المنصرم".
وأضاف: "في تلك اللحظة كان البلدان يشقان طريقهما نحو بناء الدولة الحديثة، ومما يستشهد به في هذا المقام أن عمان استعارت مناهج التعليم القطرية التي طبقت في سائر مراحل التعليم العام، واستمرت تلك الاستعارة حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين"، مؤكداً أن الكثير ممن تخرج على تلك المناهج من العمانيين "هم اليوم في مواقع القيادة".
كما أكد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن علاقة البلدين تطورت "على نحو مطرد، وخلت من الشوائب والمنغصات، وقد تطابقت مرئيات عمان وقطر في كثير من القضايا الإقليمية".
وتابع: "مع التداخل البنيوي في العلاقة بين البلدين عبر مشاريع تنموية و تجارية، تخطت العلاقة بينهما المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي، إذ اكتست تلك العلاقة طابعاً اجتماعياً وتوغلت في ثنايا المجتمعين العماني والقطري اللذين توطدت الروابط بينهما".
فيما قال المحلل السياسي عوض باقوير، إن العلاقات العمانية القطرية "تاريخية وراسخة بين قيادات وشعبي البلدين الشقيقين، وتعود إلى عقود؛ منذ بدايات النهضة الحديثة في السلطنة ودولة قطر الشقيقة".
وأضاف: "كانت هناك علاقات كبيرة في مجال التعليم وإسهام قطري في السنوات الأولى للنهضة العمانية الحديثة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، كما قدمت قطر بعثات تعليمية للشباب العماني في مدارس وجامعة قطر، في حين كان للعمانيين دور مهم في العمل داخل القوات المسلحة القطرية وعدد من المؤسسات الحكومية".
وأشار إلى وجود "تنسيق سياسي متواصل بين القيادات القطرية المتعاقبة والعمانية من خلال عضويتهما في مجلس التعاون الخليجي، أو من خلال جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية، علاوة على المحبة المتبادلة بين الشعبين القطري والعماني".
زيارة بعد الأزمة الخليجية
وعقب حصار قطر في يونيو 2017، زار الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في 9 ديسمبر من نفس العام، العاصمة العُمانية مسقط؛ وكانت زيارة للتعزية بوفاة تركي بن محمود آل سعيد، مستشار الدولة للشؤون الجزائية.
ورافق أمير قطر يومها رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، والشيخ جاسم بن خليفة بن حمد آل ثاني.
وكانت تلك الزيارة هي الأولى لأمير قطر إلى سلطنة عُمان منذ بدء الأزمة الخليجية، كما أنه لم يكن قد سبق أن زار الشيخ تميم سلطنة عُمان منذ عام 2013.
حصار قطر يعزز العلاقة
متحديةً غضب السعوديين والإماراتيين، عمقت السلطنة علاقاتها الاقتصادية مع قطر، حتى بلغ حجم التجارة المتبادلة بينهما 702 مليون دولار، بزيادة نسبتها 2000%، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة، ما بين يونيو وسبتمبر 2017، وارتفعت الصادرات العمانية غير النفطية إلى قطر بنسبة 144% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017.
في المقابل، أصبحت سلطنة عمان الوجهة الأولى للصادرات القطرية غير النفطية بحلول ديسمبر 2017، إذ حصلت على نحو 35% من إجمالي الصادرات القطرية.
وبفضل 513 شركة عمانية قطرية مشتركة تعمل في كلا البلدين (توجد 361 شركة منها في قطر)؛ شهدت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين نمواً ملحوظاً في جميع المجالات، بما في ذلك الزراعة والثروة الحيوانية والنقل والاتصالات والطاقة والسياحة والتعليم.
وتعمقت العلاقات الاقتصادية والتجارية أكثر بعد مذكرة التفاهم التي وقعها البلدان في يناير 2018، وبحلول نهاية العام، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 4.1 مليارات ريال، بزيادة نسبتها 101% منذ بدء الأزمة، وأصبحت عُمان في المرتبة الـ18 على قائمة أكبر الشركاء التجاريين لدولة قطر.
حصار قطر.. اختبار للعلاقة بين البلدين
ويرى الأكاديمي العماني الدكتور عبد الله الغيلاني أن أزمة الخليج 2017، "كانت اختباراً حقيقياً لتلك العلاقة على الصعيدين الرسمي والشعبي".
وأشار إلى أن سلطنة عمان "فتحت موانئها البحرية والجوية، وطوعت مواردها الحسية والدبلوماسية، لدرء المخاطر التي أحاطت بالأشقاء في قطر، وأبدت ممانعة صلبة ضد محاولات إخراج قطر من منظومة التعاون، أو عزلها عن محيطها الإقليمي وحاضنتها الخليجية".
أما على المستوى الشعبي فيقول الغيلاني: "كان الانحياز إلى الحق القطري والتصدي لمحاولات التشويه أوضح من ضوء النهار، وقد تجسد ذلك الإسناد الشعبي في مجالات عدة، منها المواقف السياسية الشعبية، والدعم الإعلامي، بل والاصطفاف مع الفرق الرياضية القطرية".
وأضاف: "أيضاً التبادل التجاري والمشاريع التنموية المشتركة، كما التنسيق السياسي والمبادرات الدبلوماسية المشتركة هي السبيل لتعزيز الروابط وتمتين العلاقة العمانية-القطرية".
ويشير المحلل السياسي العماني عوض باقوير إلى ما أسماه بـ"موقف السلطنة الثابت تجاه ما مرت به دولة قطر من حصار عام 2017"، مؤكداً أن فتح مسقط المطارات والموانئ أمام الدوحة "موقف يدل على الأخوة الصادقة ومعبر عن موقف السلطنة النبيل تجاه الأشقاء في دولة قطر".