الخليج الجديد-
رغم توالي التقارير حول وجود جهود مكثفة لحل الأزمة الخليجية خلال الشهور القليلة الماضية، شهد فبراير/شباط الجاري تراجعا واضحا في آمال المصالحة بين قطر، من جانب، والسعودية والإمارات والبحرين، من جانب آخر، وباتت المؤشرات أقرب إلى ترجيح استمرار الأزمة حتى إشعار آخر.
ويعد عودة التراشق الإعلامي بين الفريقين أحد أهم هذه المؤشرات، ما أثار تساؤلات المراقبين حول تفاصيل المفاوضات الأخيرة بين الطرفين وسبب إخفاقها في الوصول إلى حل، رغم وجود ضغوط أمريكية على جميع الأطراف لحل الأزمة، بغية توحيد دول الخليج العربية لمواجهة إيران.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، صرح وزير الخارجية القطري، الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، لأول مرة منذ فرض الحصار، بوجود قناة اتصال مباشرة بين الدوحة والرياض، وتوصل الطرفين إلى اتفاق بشأن المبادئ الأساسية للحوار، لكن يبدو الآن أن الطرفين فشلا في الوصول إلى توافق لحل الأزمة في النهاية.
محطات فارقة
وكانت أبرز المحطات في جهود حل الأزمة هي الزيارة التي أجراها وزير الخارجية القطري إلى الرياض، قبل القمة الخليجية الأخيرة بالعاصمة السعودية، والتي تزامنت مع تأكيد وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان"، في 10 ديسمبر/كانون الأول، وجود مفاوضات مباشرة بشأن حل الأزمة الخليجية.
في ذلك التوقيت، نقلت صحيفة "القبس" الكويتية تصريحات عن مسؤولين كويتيين تفيد بأنه تم إحراز تقدم في المفاوضات بين الرياض والدوحة، وأن الطرفين اتفقا على ثلاث نقاط رئيسية هي: تهدئة الرأي العام، وعدم إهانة قيادات البلدين في وسائل الإعلام التقليدية أو الاجتماعية، والامتناع عن أي بيانات معادية متبادلة بين المسؤولين في البلدين.
وعلى مدار الأسابيع التالية، التزم الطرفان بالنقاط الثلاث، وهو ما انعكس إيجابا على رفع مستوي التمثيل القطري في قمة الرياض، التي حضرها رئيس مجلس الوزراء "عبدالله بن ناصر آل ثاني"، نائبا عن أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد"، حسب تقدير الكاتب والمحلل السياسي "محمد الدوسري".
واعتبر المحلل السعودي، حينها، أن مشاركة منتخبي السعودية والإمارات اللاحقة في مبارايات كأس الخليج على أرض قطرية يعد بمثابة "انفراجة" على خط الأزمة، وفقا لما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول، صرح وزير الخارجية القطري بأن "تقدما بسيطا" حدث بالمفاوضات دون أن يذكر تفاصيل، ومنذ ذلك الحين أصابت مسار حلحلة الأزمة الخليجية حالة من الجمود.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الإمارات لم تكن على وفاق مع الجهود المبذولة لخلق تقارب بين الرياض والدوحة، وفقا لما أورده تقرير نشره "منتدى الخليج الدولي" في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، ما اعتبره مراقبون أحد أهم الأسباب التي تقف وراء حالة الجمود وراء الكواليس.
ولم تكن عودة خدمة البريد للعمل بين قطر والإمارات، الشهر الجاري، مؤشرا على كسر هذا الجمود، بقدر ما قدمت تأكيدا عليه، خاصة أن أبوظبي لم تعلن سبب استئناف الخدمة، على الرغم من حدة الأزمة بين البلدين، فيما لا تزال خطوط البريد بين قطر والسعودية معطلة.
وجاءت الخطوة بعد أن عقد الاتحاد البريدي العالمي، التابع للأمم المتحدة، اجتماعا مع ممثلي هيئات البريد في قطر والدول الأربع المقاطعة لها (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) في مقر الاتحاد بسويسرا، لبحث كيفية تحسين الروابط.
واستخلص مراقبو الشأن الخليجي أن أبوظبي تريد تحقيق قدرا من الاستجابة للضغوط الأمريكية بشأن الأزمة، لكن دون حلها، وذلك عبر إبداء بعض المرونة في تخفيف بعض المظاهر غير المؤثرة لحصار قطر، وفق تقديرات دبلوماسيين تحدثوا إلى وكالة "رويترز".
في ذات السياق، أكدت مصادر الوكالة أيضا أن الأولوية لدى قطر في المباحثات تمثلت في "رفع الحصار" عنها بما يعيد الخدمات المقطوعة عن مواطنيها، عبر إعادة حرية انتقال مواطنيها إلى دول الحصار الأربع وفتح المجال الجوي بها أمام الطائرات القطرية وإعادة فتح حدود قطر البرية الوحيدة مع السعودية، لكن الرياض عادت للتشبث بالنهج الإماراتي في إدارة المفاوضات، مشترطة أن تتنازل الدوحة عن سياستها الخارجية المستقلة، وتراجع دورها في المسارح الإقليمية التي تتخذ فيها مواقف مخالفة للرياض.
وقد أدى ذلك في النهاية إلى تجميد محادثات المصالحة عقب القمة الخليجية الأخيرة، وهو ما عبر عنه مصدر قطري مطلع على تفكير الحكومة في تصريح لوكالة "رويترز" بقوله: "المحادثات انتهت لعدم واقعية المطالب السعودية"، مضيفا: "لم يكن من الممكن أن نصبح دولة تابعة".
عودة التصعيد
بالتزامن مع ذلك، عادت السعودية لتصعيد هجومها الإعلامي ضد قطر، وذلك في خطابٍ ألقاه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية "عادل الجبير" مؤخرا أمام لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، زعم فيه أن "قطر تدعم وتمول الجماعات المتطرفة مثل حزب الله".
ورافق هذه التصريحات أيضا حملة سعودية، سواء عبر وسائل الإعلام الرسمية أو حسابات وسائل التواصل الاجتماعي (الذباب الإلكتروني) ضد قطر، فيما بثت قناة "الإخبارية" الرسمية السعودية تقريرا وصف قطر بأنها "الابن الضال للخليج والعرب، وبنك الملالي المتنقل"، في إشارة إلى التقارب بين الدوحة وطهران.
وفي السياق ذاته، أعلنت قناة العربية (مقرها الإمارات وتمولها السعودية)، عن وثائقي جديد تحت عنوان "أبناء الدوحة"، يناقش قضايا قطر الداخلية.
الرسالة التي حملها عودة البريد الإماراتي إلى قطر إذن مفادها أن أبوظبي لن تسمح بحل الأزمة الخليجية بشكل كامل لكنها لن تعيد خطها إلى نقطة الصفر أيضا، وهو ما عبر عنه الأكاديمي الإماراتي، مستشار ولي عهد أبوظبي السابق "عبدالخالق عبدالله" بوضوح، عبر "تويتر"، مغردا: "يبدو أن قطار المصالحة الخليجية أصيب بعطل ميكانيكي وفقد زخمه وتوقف عن الحركة عند أول محطة له".
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي "ماجد الأنصاري" أن الإمارات تسعى لتطبيع حصار قطر وجعله واقعا دائما، ونتيجة لذلك فإنها تجد نفسها مضطرة لتخفيف بعض مظاهرة الأكثر إثارة للجدل، في محاولة لحماية نفسها من التداعيات الاقتصادية والسياسية لاستمرار الحصار.
ويشير "الأنصاري"، في هذا الصدد، إلى أن "قطر اليوم ليست هي قطر قبل الخامس من يونيو/حزيران 2017 (تاريخ إعلان الحصار)، إذ إنها قد حققت اليوم اكتفاء ذاتيا في كثير من السلع، كما حققت نقلة اقتصادية وعززت من استقلاليتها في مجال السياسة الخارجية"، وفقا لما أوردته صحيفة "القدس العربي".
وعليه فإن عودة بريد الإمارات قد تتبعه خطوات أخرى تهدف إلى تخفيف الكلفة الاقتصادية للحصار على أبوظبي نفسها.
أما على مستوى السياسة، فلا توجد مؤشرات في الوقت الراهن على اقتراب وصول قطار المصالحة الخليجية إلى محطته النهائية، وهو ما عبر عنه "عبدالخالق" بقوله: "لا يستطيع القطار الآن التقدم إلى الأمام ولا يستطيع العودة إلى الوراء حتى إشعار آخر".