الخليج أونلاين-
شتت الأسر الخليجية، وأجبرت العديد من العائلات على الانفصال قسراً عن بعضها، وحرم الآلاف من المسلمين تأدية مناسك الحج والعمرة، هذه أبرز أشكال الحصار الذي تعرضت له قطر ومواطنيها والمقيمين فيها من قبل السعودية والإمارات والبحرين.
ولم تستثني إجراءات دول الحصار الذي فرض في يونيو 2017 المرضى والأطفال وكبار السن، فحرمتهم من التنقل، مع تعرضهم للتمييز العنصري، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان وتجاوزاً لمواثيق الدولية التي تضمن حرية الحركة.
وتعد إحدى أخطر أوجه المعاناة التي يتكبّدها المواطنون الخليجيون هي العراقيل والمعوقات التي تضعها دول الحصار - ولا سيما السعودية والإمارات - أمام حرية تنقل الأشخاص، وفق تأكيدات رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، علي بن صميخ المري.
ولن تنجو دول الحصار، وبخاصة السعودية والإمارات، وفق تأكيد المري خلال زيارته لواشنطن، الخميس (27 فبراير)، من الإدانة الدولية للجنة القضاء على التمييز العنصري ومحكمة العدل الدولية، حيث ستثبت الهيئتان تعرض المواطنين القطريين للتمييز العنصري.
ويُعرف التمييز العنصري وفق الأمم المتحدة، بأنه أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها.
وتسبّب الحصار حسب المري، في حرمان آلاف المواطنين والمقيمين في الدول الخليجية من حقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في العلاج، والنقل، والتعليم، ولم الشمل، والتملك، وغيرها من الحقوق الأساسية التي تتمادى دول الحصار في انتهاكها.
ولجأت دولة قطر إلى محكمة العدل الدولية من أجل حماية حقوق المواطنين القطريين والمقيمين المتضررين من الإجراءات التي اتخذتها الإمارات والسعودية بتاريخ 5 يونيو 2017، وهي ما تعد انتهاكاً الدولية حول التمييز العنصري.
وبعد الخطوة القطرية الرسمية، قضت العدل الدولية في 23 يوليو الماضي بأن الإمارات ارتكبت خروقات بحق القطريين وممتلكاتهم على أراضيها منذ 5 يونيو 2017، وطالبتها باتخاذ جملة من الإجراءات.
وجاء هذا الحكم بعد أن تقدمت الدوحة في يونيو 2018 بدعوى أمام المحكمة بسبب ارتكاب أبوظبي تدابير تمييزية ضد القطريين أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان لا تزال قائمة.
وتوصلت المحكمة الدولية أن القطريين في الإمارات أُجبروا على ترك منازلهم دون إمكانية العودة إليها.
وألزمت المحكمة الإمارات بالسماح للمتضررين من إجراءاتها باللجوء إلى المحاكم الإماراتية، إضافة إلى لم شمل الأسر القطرية لحين البت في قضية تمييز رفعتها دولة قطر، حيث تقود أبوظبي إجراءات تمييزية ضد المواطنين القطريين.
كما ألزمت المحكمة أبوظبي بالسماح للطلبة القطريين الذين كانوا يدرسون في الإمارات قبل فرض الحصار بالعودة إلى مقاعدهم إذا أرادوا ذلك.
وجاء في قرار العدل الدولية ضرورة احترام الحقوق الفردية ضمن اتفاقية مناهضة التمييز، مشددة على أن لديها صلاحية التعامل مع القضية بشأن تفسير تطبيق الاتفاقية، مبينة أن العناصر الحالية كافية لتأكيد وجود خلاف بين قطر والإمارات، وأن الإجراءات الإماراتية تأتي ضمن مجال اتفاقية القضاء على التمييز العنصري.
وتطرق قرار المحكمة إلى ضرورة ضمان إعادة لم شمل الأسر المتأثرة بالإجراءات ضد قطر، مع تأكيدها أن الخلاف لا يمكن حله بالمفاوضات وفق اتفاقية مناهضة التمييز.
وفي حال إدانة المحكمة الدولية الإمارات، وعدم التزام أبوظبي بتنفيذ المطالب التي جاءت في الطلب القطري، فإن القضية ستُحال إلى مجلس الأمن الدولي.
جلسات الاستماع
خصصت المحكمة جلسة 29 يونيو الماضي في لاهاي، لمناقشة الادعاءات بين الطرفين، بعد أن قدمت قطر حججها أمام المحكمة في يومها الأول، الأربعاء (26 يونيو)، بالقضية، في حين خُصص اليوم الثاني من الجلسات للإمارات، الخميس (27 يونيو)، وظهر جلياً تناقض ادعاءات الفريق الإماراتي مع ما أقرته الحكومة من إجراءات ضد القطريين بعد الحصار.
مندوب قطر للمحكمة، محمد الخليفي، قال أمام القضاة خلال المرافعة: إن حصار قطر يحمل "تأثيراً مدمِّراً على القطريين وأُسرهم، حيث إن آلاف الأشخاص أصبحوا غير قادرين على زيارة أفراد أُسرهم الموجودين في الإمارات"؛ بسبب الإجراءات التي فرضتها حكومة أبوظبي ضد القطريين وحرمتهم بموجبها من حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي والاتفاقيات، التي وقَّعت عليها الإمارات.
وأكد الخليفي، عميد كلية القانون بقطر، أن مشاركة الإمارات في فرض الحصار على دولة قطر "تنتهك الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة، وضمنها التمييز على أساس الجنسية".
وتطالب قطر محكمة العدل الدولية بالحكم على أبوظبي بـ"تعليق وإلغاء الإجراءات التمييزية المطبَّقة ضدها حالياً على الفور، وأن تدين علناً التمييز العنصري حيال القطريين، وأن تعيد إليهم حقوقهم"؛ إذ تستند الدوحة في دعواها إلى المعاهدة الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز العنصري الموقَّعة في 1965.
والاتفاقية واحدة من أُولى الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان، وتُعتبر قطر والإمارات من الدول الموقعة عليها، في حين لم توقِّعها السعودية والبحرين ومصر.
ومن خلال متابعة جلسات المحكمة الثلاث الأولى، أمام فِرق الدفاع من البلدين، يرى المتابع بوضوحٍ أن دولة الإمارات لم تُفنِّد أياً من ادعاءات الشكوى القطرية، واستخدمت طريقة "الاستهلاك الإعلامي"، في حين أعطى تناقض فريق أبوظبي صورة واضحة لدى أعضاء المحكمة بأنها بالفعل قد خرقت الاتفاقيات الدولية المُوقَّعة عليها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وأسهمت آلتها الإعلامية في بث الكراهية والعنصرية والتمييز مع دول أخرى، ليمثِّل هذا الإجراء عاملاً جديداً لانحسار دور الإمارات دولياً وإقليمياً، وأيضاً دافعاً جديداً لانسحاب الشركات العالمية وإغلاق مكاتبها تباعاً؛ بعد انحدار سمعتها بالمحاكم الدولية.
وفي حال أدينت دولة الإمارات فستقر المحكمة الدولية- بحسب قانونها- قرارات ثم تحيلها إلى مجلس الأمن لمتابعة تنفيذها، وتجبرها هي ودولَ الحصار على رفع إجراءاتها عن قطر مع دفع التعويضات، أو اتخاذ إجراءات دولية بحقها؛ منها حظر بيع الأسلحة، وتعليق أو إلغاء الاتفاقيات التجارية، أو تجميد عضويتها في الأمم المتحدة، فضلاً عن تراجع سمعتها وصورتها دولياً وإقليمياً.
وأكد الفريق القطري ومتخصصون في "أكاديمية لاهاي للقانون"، أن موقف دولة قطر أمام الإمارات "قوي جداً"، وأن أوراق الدعوى مُحكمة ومدروسة ومضبوطة بشكل يجعلها كـ"الحبل حول عنق الإمارات"، بحسب رئيس الفريق محمد الخليفي.
وقال الخليفي، في تصريحات سابقة، إن إجراءات الدوحة ضد أبوظبي في المحكمة الدولية ستكون قاسية جداً، معتبراً أن هذه القضية -بحسب فريق الدفاع- منتهية ومحسومة لصالح بلاده، وأنها مسألة وقت.
"إيف ديفيد"، أستاذ القانون الدولي (سابقاً) بجامعة السوربون بباريس، ورئيس أكاديمية لاهاي للقانون الدولي في لاهاي، أكد أن موقف الإمارات "سيئ للغاية"، حيث قدَّمت هيئة الاتهام القطرية أوراقاً وأدلة تحاصر أبوظبي بشكل "مُحكم جداً".
ومن بين الأدلة مخالفتها المواد الثانية والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من اتفاقية عدم التمييز الموقَّعة عام 1969، وارتكبت انتهاكات تمثلت في طرد جماعي للقطريين من الدولة بناء على قرار رسمي مُعلن، وقدمت قطر وثائق وتصريحات رسمية بهذا الشأن.