الخليج أونلاين-
لم تكن دول حصار قطر حين قطعت علاقاتها مع الدوحة، في 5 يونيو 2017، تُدرك في مخيلتها أن الأخيرة سوف تحظى بهالة إعلامية ضخمة؛ في ظل الإنجازات المتتالية التي تسجلها في مختلف المجالات وعلى جميع المستويات.
وأثبتت الأيام صدق ما قاله أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطاب أمام مجلس الشورى القطري، في نوفمبر 2017، عندما أطلق كلمته الشهيرة: "نحن لا نخشى من مقاطعة هذه الدول لنا، فنحن بألف خير من دونهم"، في إشارة إلى الرباعي العربي؛ السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وبعد مرور 1000 يوم على الحصار الذي فرضته تلك الدول على الدوحة، الذي وصفته الأخيرة بأنه محاولة لإخضاعها والسيطرة على قرارها الوطني المستقل والتعدي على سيادتها الوطنية، تسير الدولة الخليجية بخُطا ثابتة محققة الإنجازات تلو الأخرى، مفندة كافة الادعاءات والمزاعم التي تذرعت بها في كل شاردة وواردة.
أهم فقرة في الخطاب pic.twitter.com/5C58Pkihil
— نوف بنت ناصر آل ثاني (@Mi_Amore_Qtr) November 14, 2017
"اتفاق الدوحة" التاريخي
خطفت العاصمة القطرية أنظار العالم في 29 فبراير 2020؛ بعدما احتضنت مراسم توقيع "اتفاق الدوحة"، الذي يُنهي الحرب في أفغانستان بين حركة "طالبان" والولايات المتحدة الأمريكية، التي دامت نحو 20 عاماً وخلفت مئات الآلاف من القتلى المدنيين.
وجاء الاتفاق ثمرة رعاية ووساطة قطرية ناجحة بين الطرفين منذ سنوات، وتمكنت "دبلوماسيتها الناعمة" من جسر الهوة بين الغريمين اللدودين، وأقنعتهما بالجلوس على طاولة حوار واحدة منذ عدة سنوات، تكللت أخيراً باتفاق وصفته وسائل الإعلام العالمية بـ"التاريخي"، وأفردت مساحات واسعة للحديث عنه والإشادة بدور الدوحة.
وحاولت السعودية والإمارات تخريب اتفاق طالبان وواشنطن، وسعتا بكل ما أوتيتا من قوة لإجهاضه ووأده قبل أن يرى النور، بحسب قادة أفغان تحدثوا لـ"الخليج أونلاين"، وكشفوا أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، طلب من الولايات المتحدة اغتيال قادة الحركة الأفغانية لتفجير الأوضاع وإعادتها إلى نقطة "اللاعودة".
لكن مع الإعلان رسمياً عن توقيع الاتفاق تجاهلت تلك الدول دور قطر في صنع هذا الاتفاق ومكان توقيعه، بعد أن كانت روجت سابقاً لإمكانية عدم التوصل إليه أساساً أو تنفيذه.
وبينما تناقلت وسائل الإعلام الدولية توقيع الاتفاق التاريخي بالدوحة، كان تجاهل ذكر اسم قطر عمداً في وسائل الإعلام الرسمية لدول الحصار، وفي مقدمتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، التي نشرت بياناً لخارجيتها ترحب بالاتفاق، متجاهلةً الإشارة إلى مكان توقيعه أو ذكر اسم قطر، في حين لم تعلق الإمارات بأي شكل من أشكال الترحيب، وهو ما فعلته البحرين أيضاً.
#تصريح | ترحب المملكة بتوقيع اتفاق السلام بـين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، لما لذلـك مـن دور في استعادة جمهورية #أفغانستان الإسلامية استقرارها بما يعود بالنفع على الأمـن والسلم الإقليمي والدولي
— وزارة الخارجية (@KSAMOFA) February 29, 2020
وإضافة إلى الموقف الرسمي، غاب اسم قطر ودورها في إتمام اتفاق طالبان وواشنطن عن تغطية وسائل إعلام دول الحصار، من قنوات تلفزية وصحف ومواقع إلكترونية، مكتفية بالحديث حول بنود الاتفاق وموعد سحب الجنود الأمريكيين.
صبيانية سياسية
وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمحلل السياسي عمر عياصرة، إن ما يحدث هو محاولة من دول الحصار لنزع الشرعية عن الحكومة القطرية ودبلوماسيتها الناعمة.
ويوضح "عياصرة" في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن نجاحات قطر على غرار توقيع اتفاق السلام بين طالبان وأمريكا، وغيرها من الإنجازات الرياضية كفوز منتخبها بكأس أمم آسيا، واستضافتها لمونديال كرة القدم، يعتبر دليلاً على نجاعة وتأثير قوة قطر الناعمة وتسجيلها انتصارات في عدة محافل.
وأشار إلى أن ما تفعله دول الحصار يعتبر جزءاً من محاولة الإبقاء على ميزان القوى، موضحاً أنها تريد إيصال رسالة أنها مقاطعة للدوحة ولا تعترف بها ولا بإنجازاتها.
ووصف المحلل السياسي قادة دول الحصار بأنهم يمتازون بـ"الصبيانية السياسية"، وهو ما يفسر كل تلك الأفعال والوقائع التي ترفض الاعتراف بالواقع.
من جانبه يقول مدير تحرير جريدة "الوطن" القطرية، فهد العمادي، إن آراء دول الحصار "لا تهم قطر"، واصفاً إياهم بـ"الأقزام" أمام نجاحات الدبلوماسية القطرية.
وأوضح "العمادي" في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن ما يهم القطريين فقط نجاح دبلوماسية بلادهم في مختلف المحافل، وإثبات وجودها الفاعل والقوي على الساحة الدولية، وهو ما ترجمته باتفاقية السلام بين طالبان والولايات المتحدة.
ولفت إلى ردود الأفعال الكبيرة من دول ذات ثقل تثمن الجهود الدبلوماسية القطرية، مكرراً قوله: إن "آراء دول الحصار لم تعد تهم الدوحة ولا تعنيها بأي شيء".
وقائع سابقة
وقبل 13 شهراً، كان إعلام دول الحصار على موعد مع "غياب المهنية"؛ عندما كان يتعلق الأمر بإنجاز قطري، وهنا يدور الحديث حول تتويج "العنابي" بكأس الأمم الآسيوية لكرة القدم على الأراضي الإماراتية، للمرة الأولى في تاريخه.
وعقب الفوز على حساب اليابان في الموقعة الختامية للبطولة القارية قللت ردود الفعل الصادرة عن دول الحصار من فوز قطر بلقب كأس أمم آسيا، حيث لم يظهر الخبر على وكالات الأنباء السعودية والإماراتية والبحرينية والمصرية.
كما ركزت وسائل إعلام تابعة لتلك الدول على أن "السامواري" خسر اللقب، دون ذكر اسم الفريق القطري الفائز والإشادة به بعدما حقق الانتصار في جميع مباريات البطولة ومن ضمنها الانتصار على السعودية والإمارات بنتائج واضحة.
مونديال 2022
أما مونديال 2022، الذي تحتضنه قطر، ويتوقع أن يكون "حديث العالم"، فقد استهدفته دول الحصار بشدة، وكان شاهداً على غياب المهنية لإعلامها.
فبعد إسدال الستار على مونديال روسيا وتسلم أمير قطر الراية، خرجت صحيفة "الحياة" السعودية بعنوان أثار استياءً عارماً على مواقع التواصل والشبكات الاجتماعية، في سقطة "مهنية" لا تُغتفر لصحيفة عريقة.
وكتبت الصحيفة السعودية: "العالم يودّع أجمل مونديال.. ويتطلع إلى بطولة 2026!"، حيث لم تكتفِ بتجاهل تسلُّم قَطر الراية المونديالية، بل حذفت نسخة 2022 وهي الروزنامة المعتمدة من الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وفي بطولة العالم لألعاب القوى، التي استضافتها قطر أواخر سبتمبر 2019، كان لافتاً عدم بث قناة "أبوظبي الرياضية"، الناقل الحصري للمنافسات، مراسم افتتاح البطولة، التي تعد ثالث أكبر حدث رياضي عالمياً بعد دورة الألعاب الأولمبية ونهائيات كأس العالم لكرة القدم.
كما قطعت القناة الإماراتية البث لحظة مراسم تتويج البطل القطري معتز برشم بالميدالية الذهبية في الوثب العالي، في مخالفة صريحة لمواثيق البث الدولية، وانتهاك لحق الشعوب في متابعة المناسبات الرياضية، وإقحام للسياسة في أمور الرياضة.
ويعد الموقف مخالفاً لما فعلته قنوات "بي إن سبورت" و"الكأس" القطريتين عندما بثتا منافسات كأس أمم آسيا وكأس الخليج، التي أفردت مساحة لمنتخبات دول الحصار والحديث مع لاعبيها ومدربيهم.
- ما قامت به قناة أبوظبي الناقل الحصري للبطولة في مستوى الانحطاط والسفالة .
— Tamim_Almajd (@TAMIM_ALMAJD_11) October 4, 2019
- لم تنقل تتويج البطل القطري معتز برشم بالذهبية .
- كما قامت بنقل صورة لاستاد خليفة وهو خالٍ تماماً من الجمهور وهي صور قديمة في أوقات متأخرة من الليل .
- نطالب بطرد فريق النقل من قطر . pic.twitter.com/N97ttM2oUw