الخليج اونلاين-
مرة أخرى تبادر الإدارة الأمريكية للتدخل من أجل الأزمة الخليجية، التي تسببت بشرخ داخل مجلس التعاون منذ صيف 2017؛ إذ ترى واشنطن أن بقاء الدول الخليجية بلا خلافات مهم للغاية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
كانت مكالمة هاتفية هي أحدث خطوات واشنطن للتدخل في الأزمة الخليجية، أجراها الخميس (23 أبريل الجاري)، الرئيس دونالد ترامب مع ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد.
يقول البيت الأبيض إن ترامب خلال هذه المكالمة شجع بن زايد على اتخاذ خطوات نحو إنهاء الصدع في الخليج عبر حل الأزمة الخليجية؛ "من أجل العمل معاً للقضاء على فيروس كورونا وتقليل أثره الاقتصادي، والتركيز على القضايا الإقليمية الحاسمة".
مكالمة ترامب لبن زايد جاءت مع توسع أزمة فيروس "كورونا" التي أثرت على جميع دول العالم، وهو ما ترى واشنطن أنه قد يكون فرصة لإيران من أجل تنفيذ تهديداتها في المنطقة، التي للولايات المتحدة فيها مصالح عديدة، بينها مواقع عسكرية مهمة.
دعوة متأخرة
خبراء في الشان السياسي يؤكدون أن عودة العلاقات بين دول الخليج إلى طبيعتها وإنهاء الأزمة الخليجية أمر يصب ليس في صالح هذه الدول فحسب بل في صالح المنطقة وواشنطن أيضاً، وهذا ما دعا إلى تدخل البيت الأبيض لأكثر من مرة لترطيب الأجواء الخليجية.
لكن الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، يرى أن دعوة الرئيس الأمريكي لولي عهد أبوظبي لإنهاء الأزمة الخليجية "تأتي متأخرة".
الأنصاري قال لـ"الخليج أونلاين": إن "هذه ليست المرة الأولى التي تدعو فيها الإدارة الأمريكية أطراف الأزمة الخليجية إلى تحقيق المصالحة".
وأشار إلى أن الخارجية الأمريكية سبق أن صرحت في بدايات الأزمة الخليجية بأن الإمارات هي المسؤولة عن تأخير جهود المصالحة؛ وذلك من خلال رفض أبوظبي عقد مؤتمر خليجي في واشنطن، بحسب قوله.
وأضاف: "هذه الدعوة تأتي متأخرة، وتأتي باردة في إطار الوضع الحالي بالخليج".
وأعرب الأنصاري عن اعتقاده بأنه في إطار تطبيع الأزمة من الناحية القطرية "ليس هناك دافع حقيقي لحل الأزمة".
وأوضح: "ليس هناك ضغط حقيقي لحل الأزمة الخليجية سوى التحديات الاجتماعية التي خلفتها هذه الأزمة بقطعها علاقات التواصل بين المواطنين القطريين وذويهم وعائلاتهم في الدول الخليجية الأخرى".
واستدرك قائلاً: "لكن مع ذلك تبقى الدعوة القطرية دائمة لرأب الصدع، وحل هذه الأزمة بما يتفق مع مبادئ السيادة الوطنية وتحقيق المصالح المشتركة، والتعامل بناءً على احترام الأطراف الأخرى، وعدم التدخل بشؤون الأخرين".
من جهة أخرى يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر أن "كل هذا لا يمكن أن يتسق مع ما يحدث حالياً"، مشيراً إلى وجود ما أسماه بـ"اعتداء إعلامي مستمر من قبل الإعلام الرسمي لدى دول الحصار".
وواصل قائلاً: "من الواضح أن هناك عدم اهتمام لدى هذه الدول بتطوير العلاقات بشكل إيجابي"، معرباً عن عدم اعتقاده بأن تلقى دعوة ترامب استجابة في ظل الظروف الحالية.
ولفت النظر إلى أن "هذه الدول قدمت تنازلات كثيرة في الفترة الأخيرة"، مستشهداً باستئناف دول الحصار عمل البريد إلى مع دولة قطر، في 9 فبراير الماضي.
واستشهد أيضاً بـ"تنازلات أخرى متعلقة بالأنظمة والإجراءات الإدارية وحضور الاجتماعات والمناسبات التي تقيمها قطر، ومنها كأس الخليج (26 نوفمبر و9 ديسمبر 2019)".
وعلى الرغم من أن دعوة ترامب لولي عهد أبوظبي من أجل حلّ الأزمة الخليجية اعتبر الأنصاري أنها "لن تؤتي أكلها"، لكنه عدّها "إشارة جديدة إلى أن الإدارة الأمريكية تعرف من هو السبب، وأين هي الجهة الرئيسية المسؤولة عن إطالة أمد هذه الأزمة".
وكانت السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطعت علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية وحركة الطيران مع قطر، وفرضت عليها حصاراً اقتصادياً، في يونيو 2017؛ لاتهامها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون هذه الدول الداخلية، وهي اتهامات تنفيها الحكومة القطرية تماماً.
مصالح أمريكية
الدول الخليجية تعتبر بالنسبة لواشنطن حلفاء مهمين، ويبرز في هذا الصدد وجود مواقع عسكرية أمريكية في داخل هذه الدول.
ففي البحرين توجد قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وفيها أكثر من 7 آلاف جندي أمريكي، بحسب "أسوشييتد برس".
وتوجد أيضاً مقاتلات حربية أمريكية في قاعدة الشيخ عيسى الجوية، التي تضم طائرات استطلاع ووحدات قوات خاصة.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية البحرين من أكبر حلفائها من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو".
أما في السعودية، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن الجيش الأمريكي أرسل 3500 جندي أمريكي إلى المملكة.
وأرسل أيضاً طائرات إنذار مبكر، وطائرات استطلاع بحري، وبطاريات صواريخ "باتريوت"، إضافة إلى قاذفات استراتيجية وطائرات دون طيار.
وفي الإمارات يعد ميناء جبل علي واحداً من أكبر مراكز الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في الخارج.
وتستضيف الإمارات نحو 5 آلاف جندي أمريكي، بعضهم في أبوظبي، وفي قاعدة الظفرة الجوية، التي يوجد بها طائرات أمريكية مسيرة، ومقاتلات "إف 35 الشبحية".
بالإضافة إلى هذا توجد قاعدة عسكرية أمريكية صغيرة في إمارة الفجيرة، بخليج عُمان.
وهذه الدول الخليجية الثلاث تفرض -بالإضافة إلى مصر- حصاراً على قطر منذ صيف 2017.
أما الكويت فتستضيف نحو 13 ألف جندي أمريكي، فضلاً عن عتاد وقوات جوية وبحرية أمريكية.
ويوجد في مطار الكويت الدولي أكبر مركز دعم لوجستي للقوات الأمريكية بالمنطقة، وتتمركز فيه نحو 2200 عربة كاسحة ألغام وعربات تكتيكية.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الكويت من أكبر حلفائها خارج "الناتو".
وفي سلطنة عُمان يوجد مئات الجنود الأمريكيين، وتسمح السلطنة للقوات الأمريكية باستخدام موانئها وأجوائها، ووقعت واشنطن معها اتفاقاً عسكرياً بحرياً يسمح باستخدام موانئها.
أما قطر فتستضيف مقر القيادة المركزية الأمريكية داخل قاعدة العديد الجوية.
وفي هذه القاعدة نحو 13 ألف جندي أمريكي، وقاذفات "بي 52" النووية الأمريكية.
التهديد الإيراني
ذلك الوجود الكبير والمهم للقوات الأمريكية في منطقة الخليج يعطي إشارة واضحة على أن بقاء علاقات الدول الخليجية مستقرة فيما بينها دون خلافات يحمل أهمية بالغة لواشنطن، خاصة في جانب ضمان السيطرة على التهديدات الإيرانية.
وبدأ البيت الأبيض يخطو خطوات في طريق عودة العلاقات بين دول الخليج وإنهاء الأزمة الخليجية بعد مرور أكثر من عامين على بدايتها.
وجاءت التحركات الأمريكية في هذا الخصوص بعد التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية - العربية في المياه الخليجية.
هذا كان واضحاً من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، في أواخر يونيو 2019، نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".
وقال تيلرسون: إن "الحصار المفروض على قطر أدى إلى زعزعة العلاقات التي حافظت عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بالمنطقة، في حين تستضيف الدوحة قاعدة عسكرية أمريكية مهمة في الشرق الأوسط".
كورونا تهديد جديد
فيروس كورونا المستجد الذي فرض خطورته على العالم دخل على خط الأزمة الخليجية، وفرض على الدول الخليجية تنسيق خطواتها لمواجهة تحدياته.
وهذا ما جاء ضمن المكالمة التي جرت بين ترامب وبن زايد، حيث دعا الرئيس الأمريكي إلى "العمل معاً للقضاء على فيروس كورونا وتقليل أثره الاقتصادي، والتركيز على القضايا الإقليمية الحاسمة".
ويعد تفشي فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط ضربة مزدوجة لم تترك لحكومات دول الخليج العربية خياراً يُذكر لتحقيق الاستقرار لموازناتها المالية.
وتحاول الدول الخليجية في ظل "كورونا" حماية اقتصادها من المخاطر، بما فيها السعودية التي تعتبر صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية.
في حين أن قطر تعتبر من كبرى الدول المُصدّرة للغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه غالبية دول العالم الغربي في صناعاتها، وبذلك فإن تهديد "كورونا" على المنطقة الخليجية من شأنه التأثير على المصالح الأمريكية.