الخليج الجديد-
"الكويت تبذل جهودا مكثفة لثني الدوحة عن نيتها".. بهذا المضمون تداول صحفيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، أنباء عن توجه قطر للخروج من مجلس التعاون الخليجي، رغم عدم صدور أي تأكيد أو نفي رسمي من الدوحة حول الأمر.
وتأسس مجلس التعاون الخليجي عام 1980، وضم في عضويته منذ التأسيس ست دول هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وسلطنة عمان وقطر.
وتثير التكهنات حول تلويح قطر بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي العديد من التساؤلات حول دوافع هذه الخطوة وتوقيتها وتداعياتها المتوقعة.
ونقلت عدد من المصادر أنباء الانسحاب القطري عن دبلوماسي خليجي لم تفصح عن هويته، مؤكدة أن الكويت جددت جهود الوساطة للتوصل إلى حل للأزمة الخليجية المستمرة منذ قرار السعودية والإمارات والبحرين، بمشاركة مصر، فرض قطع شامل للعلاقات مع قطر في 5 يونيو/حزيران 2017.
ورغم توقع الأوساط السياسية حدوث انفراجة في الأزمة الخليجية منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل انعقاد قمة دول مجلس التعاون الأربعون، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، حيث جرى استباق القمة بمشاركة منتخبات السعودية والإمارات في النسخة رقم 24 لكأس الخليج لكرة القدم في الدوحة، إلا أن بوادر المصالحة الناشئة سرعان ما تراجعت لتعود الأزمة إلى المربع صفر مجددا.
وعلى مدار ثلاثة أعوام من الحصار، ركزت قطر جهودها على التحرر من الهيمنة السعودية للسعودية، بما يشمل أيضا التحرر من المؤسسات والهياكل السياسية التي تهيمن عليها الرياض، وفي هذا الإطار، قرأ المراقبون قرار الدوحة بالانسحاب من منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، لتنهي بذلك 57 عاما من العضوية في المنظمة.
في ذلك التوقيت، نشر "بوبي غوش" تحليلا بموقع وكالة "بلومبرغ" الأمريكية أكد خلاله أنه لا يستبعد انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي، لكن قطر سارعت إلى تقديم تطمينات حول نواياها في هذا الصدد على لسان وزير خارجيتها "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" الذي سارع للتأكيد أن بلاده تؤمن بمجلس التعاون الخليجي وبوحدته "ولكن بشرط واحد، هو احترام سيادة جميع الدول واحترام جميع الدول للقانون الدولي واحترام مبدأ المساواة بين الدول"، داعيا إلى إعادة "تشكيل وتصميم" المجلس، بعد أن أصبح "بلا أنياب" على حد وصفه.
ولكن دعوة الدوحة لإعادة تشكيل وتصميم مجلس التعاون فتحت الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول خطوة قطر المقبلة، ودفعت بعض المحللين للتنبؤ أن قطر تمهد الساحة للانسحاب من مجلس التعاون الخليجي في مرحلة معينة حال أثبت المجتمع الدولي عجزه عن إثناء السعودية والإمارات عن سياستهما، وهو ما يضع مستقبل مجلس التعاون الخليجي على المحك بعد مرور ثلاثة عقود على تأسيسه.
جس نبض
في ضوء ذلك، يرى مراقبون أن الأنباء المرسلة حول انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي ربما تكون رسالة ترغب الدوحة في تمريرها لجس نبض المجتمع الدولي إزاء هذه الخطوة.
ووفقا لتحليل "عبدالله العمادي" في موقع الجزيرة نت، فإن الدوحة تهدف بالتحديد لجس نبض الولايات المتحدة وتحسس موقفها حول هذه الخطوة، بالنظر إلى دور واشنطن التاريخي في تأسيس ورعاية مجلس التعاون الخليجي، إلى درجة أن ثلاث قمة خليجية من قمم المجلس الـ65 تم عقدها بمشاركة أمريكية رسمية، ما يقدم مؤشرا على مدى أهمية مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية من وجهة نظر الولايات المتحدة.
وكانت واشنطن مهتمة تاريخيا بإقامة تكتل يضم دول الخليج الغنية النفط والموارد بمعزل عن جامعة الدول العربية التي لم تكن توافقة بالكامل مع الولايات المتحدة خلال حقبة الستينيات والسبعينيات، وعلى الأخص منذ القرار الصادر عن قمة الجزائر عام 1973 بتقديم جميع أنواع الدعم المالي والعسكري للجبهتين المصرية والسورية من أجل استمرار نضالهما ضد "العدو الصهيوني"، وحظر النفط الذي فرضته الجامعة على الدول الداعمة لـ(إسرائيل) وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ومن هذا المنظور فإن انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي لن يكون مرتبطا فقط برغبة قطر أو مبرراتها للانسحاب، إذ أن المبررات التي أعلنتها للدوحة للانسحاب من أوبك بعد عضوية دامت 57 سنة، يمكن بسهولة - بل وبشكل أكثر إقناعا - أن تستخدمها لتبرير الخروج من مجلس التعاون، ولكن الأمر في هذه المرة سوف يكون مرتبطا بموقف الولايات المتحدة التي ترى في مجلس التعاون الخليجي منظمة محورية لخدمة مصالحها في الخليج بخلاف أوبك.
وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن الولايات المتحدة يمكن أن توافق بسهولة على تمرير انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي، بما يعني تفكيك المجلس فعليا وتمهيد الطريق أمام انسحاب دول أخرى وخروجها من عباءة الهيمنة السعودية الإماراتية، حيث لا تزال إدارة "ترامب" فيما يبدو تراهن على القيادة السعودية لدول الخليج على الرغم من تراجع مؤهلات هذه القيادة بسبب السياسات الجائرة لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
في الوقت نفسه، لا تزال واشنطن تراهن على قدرتها على توظيف مجلس التعاون الخليجي كنواة لتأسيس "ناتو إقليمي" ضد إيران، قد يشمل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ونتيجة لذلك، فإن الدوحة تجنبت على مدار السنوات الفائتة الإقدام على خطة الانسحاب من المجلس، قطعا للطريق أمام اتهامات سعودية إماراتية بها بتقويض الإجماع الخليجي، رغم رغم أن الدوحة لا تستفيد فعليا من عضويتها في المجلي مع تراجع أهميته ، حسب تقدير "غوش".
ولكن في الوقت نفسه، حرصت الدوحة على إبقاء ورقة الانسحاب على الطاولة، وهو ما عبر عنه الأكاديمي والإعلامي القطري "علي الهيل" في حديث لبرنامج "حول العالم" عبر أثير إذاعة "سبوتنيك" الروسية، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، إذ اكتفى بالإشارة إلى أنه إذا لم تستجب السعودية والإمارات والبحرين لدعوة إعادة هيكلة مجلس التعاون الخليجي، فإن قطر "قد تنسحب منه".
علاقات متراجعة
لكن ثمة متغيرات في العلاقة السعودية الأمريكية، يرى مراقبون أنها قد تمهد الطريق لإعلان الدوحة انسحابها من مجلس التعاون، على رأسها التوتر بين الرئيس الأمريكي "ترامب" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مؤخرا على خلفية أزمة تهاون أسعار النفط بسبب إغراق الرياض للأسواق، ما انعكس سلبا وبقوة على مستقبل شركات النفط الصخري الأمريكية.
وقد ظهرت ملامح هذا التوتر مع كشف الولايات المتحدة عن اسم دبلوماسي سعودي متهم بالتورط في أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وذلك في أوراق التحقيق الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، ما يعني التلويح بفرض عقوبات على السعودية بموجب قانون محاسبة الدول الراعية للإرهاب (جاستا)، وهو ما تناوله "الخليج الجديد" في تقرير سابق.
وبذلك فإن الفرصة تبدو متاحة للدوحة لإعلان الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، خاصة في ظل مؤشرات على ترحيب دول الحصار بهذا الخروج، رغم أنها لم تتمكن سابقا من "طرد" قطر من المجلس بسبب الفيتو الأمريكي، ورغبة واشنطن في الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي ككيان.
ولكن هذه الرغبة الأمريكية ربما تشهد تراجعا اليوم مع انشغال واشنطن بمواجهة تداعيات فيروس كورونا ورغبتها في تقليص وجودها في الشرق الأوسط، وهو ما ظهر في قيامها بسحب طاريات صواريخ باترويت من السعودية والعراق.
في هذا السياق، علق حساب "موجز الأخبار"، المعروف بترويجه لأجندة السعودية عبر تويتر، على أنباء الوساطة الكويتية المكثفة لثني قطر عن الانسحاب من مجلس التعاون بتغريدة جاء فيها أن "لقطر حق الخروج من المجلس في أي وقت".
الموقف ذاته أورده المحلل السياسي بصحيفة الأيام البحرينية "حمد العامر"، الذي نشر مقالا أكد فيه أن بقاء قطر ضمن إطار المجلس لم يعد ممكنا منذ اندلاع الأزمة في 5 يونيو/حزيران 2017، خاصة بعد الدور الذي لعبته قناة الجزيرة في تغطية جريمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
في هذا السياق، قرأ المحللون التغريدة التي أطلقها المغرد القطري المقرب من السلطة "عبد الله بن ناصر آل ثاني" على أنباء الوساطة الكويتية، إذ جدد الإشارة إلى أن قطر لها شروط تتعلق بـتجديد آليات وقوانين مجلس التعاون الخليجي بحيث يكون فعلا مجلس يخدم الشعوب ويحفظ سيادة وأمن دوله، مؤكدا أن بلاده "لن تمنح الفجار فرصة ببلاش" حسب تعبيره.
وعليه، يمكن القول إن مستقبل عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي باتت على المحك، في انتظار نتائج الوساطة الكويتية الأخيرة، وقبل ذلك موقف واشنطن، وإذا ما كانت سوف تعطي الضوء الأخضر لتفكيك مجلس الدول الغنية الذي رعت تأسيسه قبل أقل من ثلاثة عقود.