القدس العربي-
فرض الرباعي المؤلف من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في 5 حزيران/يونيو 2017، حصارا على قطر، حيث تم إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية في إجراء لا سابق له في التاريخ العربي الحديث.
كانت هناك حروب ومعارك طاحنة سابقة بين أكثر من بلد عربيّ، لكنّ اتفاق ثلاث من أصل ست دول يجمعها نوع من الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية (مجلس التعاون الخليجي)، مضافاً إليها مصر، الثقل التاريخي والسياسي والسكاني الكبير، لحصار بلد شقيق يتقاسم معها روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية، يعتبر أمرا غريبا يتحدّى العقل والمنطق.
بدأ الحصار، كما هو معلوم بكذبة اتخذها الرباعي ذريعة لبدء الحرب على قطر، استخدمت فيها عملية اختراق لوكالة الأنباء القطرية نشرت فيها معلومات كاذبة لإظهار قطر كبلد موال لإيران، ويبدو أن الاختراق في هذه الحرب المعلوماتية الطابع كان إعلانا عن اختراق أكبر كان مخططا له وتمكنت قطر، بالتعاون مع تركيّا، من إحباطه. لم تكن تلك الكذبة سوى مقدّمة لحرب فعليّة، تابعت فيها دول الحصار حملات «الذباب الالكتروني»، ووسائل الإعلام المموّلة منها، حرب الأكاذيب، التي لا تني تنفضح كل آونة وأخرى عبر إجراءات تقوم بها شركات الانترنت الكبرى، كغوغل وفيسبوك وتويتر وغيرها.
تبيّن سريعاً أن رباعي الحصار هو حلف تعاهد على الدفاع عن الاستبداد في المنطقة، ونشره وتعميمه، وتبيّن وجود نوع من تقسيم العمل بين أطرافه، حيث تولّت سلطات الإمارات، بإشراف من محمد بن زايد، وليّ العهد، دور البلد المموّل لخطط التآمر والانقلاب والتدخّلات، فظهرت لها أدوار مخزية في تمكين الانقلاب العسكري على الديمقراطية الوليدة بعد ثورة 2011، وفي نشر معسكرات التعذيب، وتمويل مرتزقة الاغتيال والخطف، في اليمن، ونفض الغبار عن الجنرال خليفة حفتر ومحاولة تنصيبه حاكما عسكريا على ليبيا، وفتح الأبواب على نظام بشار الأسد، والتآمر على الديمقراطية في تونس والمغرب.
أخذت مصر، تحت حكم عبد الفتاح السيسي، دور تحطيم القوى السياسية في مصر وإعادة ضبط الدولة والمجتمع على إيقاع الجيش ومصالحه، وأداء دور الرديف للإمارات في ليبيا، فيما ركزت السعودية، في ظل صعود محمد بن سلمان، على تجميع الثروة والسلطات وتثبيت شرعيّته عبر التخلّص من معارضيه (والتي كان اغتيال جمال خاشقجي ذروة فيها)، إضافة إلى دورها في قيادة «التحالف العربي» في اليمن، وكان دور البحرين رديفا بقدر ما يستطيع.
الجانب الثالث الذي شارك فيه الحلف بحماس منظور من مختلف أعضائه، كان التطبيع مع إسرائيل، والذي تفنّن كل طرف من الأطراف فيه، وكان من عجائب التعبير عن «الحال الواحد» مع إسرائيل، أن يسمح النظام المصري لتل أبيب بمطاردة «الإرهابيين» داخل سيناء بالطائرات المقاتلة، وأن تستغل الإمارات كل سانحة للتعبير عن «التعاطف» مع إسرائيل، عبر بوابة «التسامح الديني»، أو الزيارات الأمنية، وصولا إلى قضية كورونا، فيما تكفلت البحرين بالتسويق لـ«صفقة القرن» بعقدها مؤتمرا حضره جاريد كوشنر في المنامة، واستنبط وزير خارجيتها السابق، خالد بن أحمد آل خليفة، أشكالا من التصريحات الفاقعة في إعطاء المبررات لإسرائيل وفي اللوم غير المباشر للفلسطينيين، كما قامت السعودية بدورها بنشر بالونات الاختبار، كما حصل بزيارة محمد بن سعود المستهجنة لإسرائيل، وتصريحات بعض كتابها المسيئة للفلسطينيين والمتعاطفة مع إسرائيل.
مفهوم طبعا أن الهدف الأساسي من الطغيان هو الحفاظ على مصالح أقلّية حاكمة، ومن الطبيعي بالتالي أن يمشي الاستبداد يدا بيد مع الفساد، فهذا النظام الذي يسمح بضرب أي من يعترض عليه تحت مسميات الإرهاب وغيره، هو نظام مؤسس الحماية للفاسدين، وهو نظام لا يعتاش على الفساد فحسب بل يستثمر فيه سياسيا داخل وخارج بلاده، وقد انكشفت فضائح كبيرة لأطراف الرباعي، تجتمع فيها قضايا السياسة بالتجارة والتضليل الإعلامي… والتطبيع.