أحمد شوقي- راصد الخليج-
ربما ينظر البعض الى الازمة الخليجية بين قطر والامارات والسعودية والبحرين، في نطاق خليجي ضيق، وبمنظور انساني يتعلق بقطيعة بين اشقاء واضرار تعود على الطرفين، بينما تتعدى تأثيرات هذه الازمة نطاق الخليج جغرافيا، ونطاق البعد الانساني لتصل لابعاد سياسية واستراتيجية خطيرة.
وقبل محاولة بيان بعض من هذه الابعاد، من المهم الاطلاع على احدث المستجدات في هذه الازمة كمدخل لبيان ما نود قوله:
في مطلع هذا الاسبوع، قالت قطر إن الدول المقاطعة لها "لم ترد حتى اليوم" على جهود جديدة تقودها الكويت وتدعمها الولايات المتحدة لحل الأزمة الخليجية التي بدأت قبل ثلاث سنوات.
وعلق موقع يورونيوز على الخبر قائلا، ان قطر لم تؤكد في السابق وجود أي جهود أميركية للدفع باتجاه مصالحة.
ونقل الموقع عن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية قوله أن "هناك جهودا تقودها دولة الكويت وتعمل الولايات المتحدة أيضا فيها لرأب هذا الصدع ولإيجاد حل لهذا الخلاف".
مؤكدا أن الدوحة "تنظر إلى هذا الجهد بإيجابية وتسهم فيه بشكل إيجابي وبناء"، أوضح أنه "حتى اليوم لا يوجد رد من الطرف الآخر".
وهنا نحن امام احد سيناريوهين:
الاول: وهو ما نستبعده، وهو ان امريكا اصبحت في وضعية ضعيفة غير مؤثرة على القرار الخليجي، وانها راغبة في المصالحة ولكنها لا تستطيع فرض رغبتها على الفرقاء.
ومصدر استبعادنا لهذه الفرضية، هو ان الشواهد لا تخدم ذلك الضعف او التراجع في النفوذ الامريكي بالخليج، فقضايا النفط والقضية الفلسطينية المركزية وما حدث بها من تجاوزات امريكية، قد تم تمريرها خليجيا، ناهيك عن التقارب مع العدو الاسرائيلي بدلا من اتخاذ مواقف حتى لو كانت شكلية، كلها قضايا تؤكد قوة االنفوذ الامريكي بالخليج.
الثاني: وهو ما نرجحه، ان امريكا مستفيدة من هذا الخلاف وتفضل تعاملها مع الحلفاء فرادى دون تكتلات وانهاتستفيد من هذه الازمة بابتزاز الطرفين سعيا لنيل التأييد الامريكي والاستقواء به، وانها لا تضغط في هذا الملف.
ومصدر ترجيحنا لذلك هو طريقة التعاطي الامريكية مع الحلفاء الاوربيين ومناهضتها للاتحاد الاوربي والتكتلات وتشجيعها بريطانيا على الانفصال، وكذلك الفوائد العملية التي حصلت عليها امريكا من الازمة عبر الصفقات والتنازلات غير المسبوقة التي حصلت عليها.
والشاهد هنا، ان التنافس الذي وصل الى حد الصراع، قد تخطى نطاق الخليج، ووصلت تداعياته للملفات الاقليمية ولوضع القضية الفلسطينية، وكذلك احباط العمل الخليجي نفسه للاطراف المتصارعة.
فعلى سبيل المثال، فتح الصراع الخليجي في ليبيا الباب للدخول التركي على ارضية الخلاف التركي الاماراتي، ووجود الاتراك في محور واحد مع قطر، وهو ما كانت نتيجته دخول قوات تكفيرية الى ليبيا، مهددة بذلك امن دول جوار عربية مثل مصر وتونس والجزائر.
وعلى الصعيد اليمني، بدت نذر تدخل تركي مساند لحلفاء تركيا من حزب الاصلاح في اليمن، وهو ما انعكس على احتراب داخلي بين قوات المجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا والحكومة المدعومة سغوديا والتي تشتمل على الحزب المدعوم تركيا، وهو ما احبط اتفاق الرياض وشكل بؤرة تهديد للتحالف السعودي الاماراتي المعتدي على اليمن.
ناهيك عن التنازلات المقدمة سياسيا من جميع الاطراف لنيل الدعم الامريكي، وصفقات السلاح التي اشرنا اليها والخسائر المادية والمعنوية التي خصمت من ارصدة الخليج على مختلف الاصعدة.
ما يحدث هو درس قاسي للخليج، نتاج الاعتماد الكلي على امريكا، والرهان على العدو الصهيوني والتخلي عن الثوابت واستبدال العدو الاسرائيلي بعدو جار يمكن التحالف معه لحفظ الامن القومي، بدلا من العداء المصطنع الذي ادخل الطامعين الى الاراضي العربية، وهم يتقدمون حثيثا لخواصر الامن القومي الخليجي.
المأساة، هي ان الدرس واضح وجلي، بينما لا يريد احد الاستفادة منه، وكأن الخليج يصر على المضي في شوط الخسارة والهلاك الى اخره!