الخليج أونلاين-
تصنف مملكة البحرين من بين الدول الصغيرة والصغيرة جداً من ناحية المساحة الجغرافية وعدد السكان، وفق تصنيفات القانون الدولي، إلا أنها من بين الدول الغنية أيضاً باعتبارها تمتلك النفط وتصدره، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي في عمق الخليج العربي الذي يخرج منه 30% من النفط المنقول بحرياً إلى أنحاء العالم.
وتقع جزيرة البحرين على الجهة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، وترتبط مع المملكة -جارتها الكبرى- بجسر صناعي يصلها باليابسة براً، بالإضافة إلى أهميته الاقتصادية والتجارية والاجتماعية.
الوضع الجغرافي حتم على المنامة علاقات دولية مختلفة وأقل استقلالية من غيرها في المحيط، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن مدى ارتباط البحرين بالسعودية سياسياً واقتصادياً.
حديقة خلفية للرياض
وتعد السعودية واحدة من أكبر دول المنطقة العربية مساحة وثراء وتأثيراً في السياسة الإقليمية، ولاعباً دولياً بالعديد من الملفات الساخنة السياسية والاقتصادية، في مقابل الإمكانيات الضعيفة للبحرين.
وهذا ما جعلها في إحدى دوائر نفوذ الرياض السياسي بعلاقاتها الخارجية والاقتصادية والعسكرية، وبوابة البحرين الوحيدة إلى اليابسة في ظل محيطها المائي الذي ينتهي من الشرق بإيران ذات العلاقات المتوترة مع المنامة، وهو ما يزيد من أسباب قربها من السعودية، أبرز منافسي المملكة دولياً.
وفي آخر مواقف البحرين الدالة على ارتباطها بالسعودية سياسياً أعلنت تجديد موقفها الثابت والداعم لكل ما تقوم به السعودية للحفاظ على أمنها واستقرارها ومواجهة الأعمال العدائية الإيرانية.
جاء ذلك في الرسالة التي وجهها السفير جمال فارس الرويعي، المندوب الدائم لمملكة البحرين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، (3 يوليو 2020)، وذلك في إطار التقرير الصادر من الأمين العام للأمم المتحدة التاسع بشأن تنفيذ القرار 2231 (الصادر في عام 2015)، المعني بالملف النووي الإيراني.
وطالب مندوب مملكة البحرين مجلس الأمن باتخاذ "خطوات حازمة لردع إيران، وتمديد حظر الأسلحة لحين امتثالها للقوانين والأعراف الدولية وتغييرها لنهجها التخريبي الذي يهدد الأمن والسلم الإقليميَّين والدوليَّين".
ويُظهر الموقف البحريني التماهي السياسي لأصغر دولة عربية مع دبلوماسية السعودية دولياً وإقليمياً بشكل صريح وواضح.
والعلاقات البحرينية السعودية بشكلها السياسي الحالي قديمة تعود إلى العام 1963؛ سنة اكتشاف حقل "أبو سعفة" النفطي على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، حيث سيطرت الرياض على الحقل ومنحت جزءاً من أرباحه السنوية للبحرين، رغم أن بعض التقارير تشير إلى أن الحقل يقع بجزئه الأكبر ضمن القسم البحريني من الحدود.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، رسمت السعودية حدودها مع البحرين وفق مصالحها، مستغلّة ضعف حكومتها، لتضع يدها على جزيرتي "البينة" البحرينيتين، لتمنع بعد ذلك مواطني البحرين من الوصول إليها.
ولعل نفوذ الرياض ازداد طرداً منذ تدخل القوات السعودية الضخمة مع ضباط الاستخبارات والمحققين، في تسعينيات القرن الماضي، بالبحرين للمساهمة في إنهاء المظاهرات المطالبة بتفعيل دستور عام 1973، والمشاركة الشعبية في الحكم، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، والتي اتهمت بالمقابل بأنها كانت مظاهرات طائفية من مكون واحد في البلاد فقط.
وفي العام 2011، عندما اندلع حراك شعبي يطالب بإسقاط النظام، سارعت الرياض لمساعدة الحلفاء في المنامة بإرسال قوات "درع الجزيرة" التي فضت المظاهرات.
ويعتقد الصحفي البريطاني روبرت فيسك، في مقالة له بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، عام 2011، أن "البحرين لم تعد مملكة آل خليفة؛ لقد أصبحت تابعة للسعودية. مقاطعة كونفيدراليّة من المملكة العربيّة السعوديّة".
في مقابل ذلك يرى مراقبون للشأن البحريني أنه من الطبيعي أن تعتمد المنامة على السعودية من الناحية السياسية والأمنية؛ بسبب إمكانيات البحرين الضعيفة مقارنة بالأدوات الواسعة التي تمتلكها الرياض سياسياً واقتصادياً، بالإضافة إلى "الأيادي الإيرانية" الطويلة في المنطقة، والتي لا يمكن إلا لقوة بحجمها أو أكبر منها أن توقفها.
دعم اقتصادي من الجيران
لا يقل الضعف الجيوسياسي عن الاقتصادي في البحرين، رغم أن ترتيبها الاقتصادي أفضل بكثير من دول كبيرة في العالم العربي، إلا أنها اضطرت لطلب المساعدة من جيرانها، وبالأخص السعودية، خصوصاً مع تدني أسعار النفط الذي تعتمد عليه بشكل شبه كامل، وعدم امتلاكها لشبكة طرق وحدود برية مع الدول المجاورة.
ومنذ عام 1986، افتتحت البحرين مع السعودية جسر الملك فهد بن عبد العزيز كممر بري وحيد لها، ما ضاعف من اعتماد المنامة بشكل كبير على البضائع والخدمات والسياح السعوديين، ولا شك أنه يدر فوائد كبيرة على المملكة الجزيرية.
والبلدان اتفقا منذ سنوات أيضاً على إنشاء جسر آخر يوازي جسر الملك فهد، باسم "الملك حمد بن عيسى آل خليفة"، يحتوي مسارين للقطارات.
وبحسب دراسة جدوى فإن هذا المشروع سيحقق منافع مالية واقتصادية جمة للبلدين بعد التشغيل مباشرة.
وتعد البحرين الأقل إنتاجاً من حيث الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً فقط، وتدني أسعار النفط يجعلها في وضع حرج.
ولإعادة تنشيط وضعها الاقتصادي في ظل ارتفاع المديونية والتباطؤ وقعت البحرين، في 4 أكتوبر 2018، اتفاقية تحصل بموجبها على دعم مالي بقيمة 10 مليارات دولار من السعودية والإمارات والكويت.
وحصلت البحرين على دفعة جديدة من حزمة المساعدات الخليجية، في مايو 2020، بقيمة 4.57 مليارات دولار، وسبق أن حصلت على 2.3 مليار دولار في 2019 كجزء من الحزمة أيضاً.
ويأتي الدعم المالي الخليجي، الذي تتصدره السعودية، للمنامة لتعزيز استقرار المالية العامة للبلد، وتحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، بالتزامن مع تباطؤ اقتصادي وارتفاع في المديونية، بالإضافة للأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا، منذ مارس 2020.
وزادت السعودية من مبادلاتها التجارية مع البحرين في السنوات الأخيرة، وهو ما يدعم تقوية النفوذ، حيث ارتفع بنسبة 3.15%، خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع الربع نفسه من العام الماضي، ليصل إلى 819 مليون دولار، بحسب التقرير الصادر من هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية بالمنامة.
واستحوذت السعودية على نسبة 149%؛ بقيمة 819 مليون دولار، من إجمالي التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي.
واستوردت البحرين سلعاً بقيمة 4541 مليون دولار (6203 ملايين دينار) من دول الخليج، احتلت السعودية المرتبة الأولى بقيمة 2250 مليون دولار.
وصدرت البحرين سلعاً غير نفطية إلى دول الخليج بقيمة 131 مليار دولار، إذ جاءت السعودية أولاً؛ حيث استوردت من المملكة سلعاً بقيمة 9569 مليون دولار.