الخليج أونلاين-
قبل الثاني من ديسمبر عام 1971، كانت سلطنة عمان تعتبر الإمارات جزءاً من أراضيها، حيث تقع الإمارات إلى الشمال الغربي من عمان، وتبدأ حدودهما الممتدة بطول 250 ميلاً عند النقطة الثلاثية بين عُمان والإمارات والسعودية، ثم تمتد شمالاً إلى خليج عمان.
وخلال السنوات الماضية، عاشت أبوظبي ومسقط أزمات صامتة تمثلت في مشكلات الحدود بين البلدين، مروراً بأزمة خلايا التجسس، وإصدار حكم الإعدام بحق مواطن عماني، ووسط قلق من سيطرة الإمارات على المهرة اليمنية الحدودية معها، ووصولاً إلى مقتل عُماني على يد قوات إماراتية.
ومع استمرار هذه الأزمات، ومحاولة الإماراتيين إنكار كثير من الحقائق حول طبيعة نشأة بلادهم، بثت قناة "الجزيرة" فيلماً وثائقياً يسلط الكثير من الضوء على تاريخ نشأة الإمارات التي كانت تابعة وتدين بالولاء لسلاطين دولة عمان، والتي كان يطلق عليها حينها اسم "ساحل عمان الشمالي"، كاشفاً عن الكثير من الحقائق المغيبة التي حاولت أبوظبي إخفاءها.
ما قصة الفيلم؟
ضمن سلسلة أفلام وثائقية متنوعة تبثها قناة "الجزيرة" سلطت، في فيلم بثته في 9 أغسطس 2020، تحت عنوان "سواحل عمان"، الضوء على الحدود التاريخية لـ"عُمان الكبرى" التي كانت تشمل السلطنة الحالية.
ويتحدث الفيلم أن عُمان الكبرى كانت تشمل عدداً من الموانئ في الساحل الغربي لإيران، وكذا ساحل عمان الذي عرف فيما بعد بساحل عمان المهادن، والذي يشمل حالياً دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى ميناء جوادر الحالي في باكستان، وكل الساحل الشرقي الأفريقي إلى حدود موزمبيق.
ومنذ القرن الأول الميلادي، هاجر العديد من القبائل اليمنية إلى عُمان، ويوضح جيرمي جونز مستشار مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية، أن عُمان تاريخياً تعد الدولة الوحيدة في المنطقة، حيث لم تكن في الجزيرة العربية آنذاك سوى دولتين، عمان شرقاً واليمن غرباً.
ويذكر البرنامج كيف دعمت بريطانيا -القوة الاستعمارية الفاعلة في تلك المنطقة- انفصال القبائل التي كانت تنضوي تحت الحكم العماني في منطقة رأس الخيمة والشارقة وأبوظبي ودبي.
وقال البرنامج إن الوثائق البريطانية تكشف أن رئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قام بتحركات مع القبائل العمانية في المناطق المشتركة مع عمان لتغيير الأوضاع السياسية، خصوصاً من قبيلتي الكعبان والبوشامس، وجاء ذلك بعد أن أزاح أخاه شخبوط بن سلطان آل نهيان وتفرد بالحكم ليعلن قيام الدولة عام 1971.
عرض حقائق وليس استهدافاً
وحول توقيت عرض الفيلم قال معد الوثائقي جمال المليكي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "بالنسبة للتوقيت جرت العادة في الأفلام الوثائقية والاستقصائية أن نبدأ العمل دون أن نعرف على سبيل اليقين متى ننتهي من كل مراحل العمل، وما إن ننتهي حتى نبدأ إجراءات البث".
وتابع: "الأفلام من هذا النوع أياً كان توقيت بثها سيُطرَح هذا التساؤل، وبالنسبة للمغزى من الفيلم فهو تقديم خدمة للمشاهد تساعده في استنطاق التاريخ، وكذلك إبراز جزء من تاريخ المنطقة الذي ربما يغيب عن كثير من الناس، وهناك من يستغل هذا الغياب للحقائق التاريخية في ممارسات لا تتناسب مع السياقات التاريخية، ولهذا تصبح الحاجة ملحة لمثل هذه الأعمال، وهو واجب أي قناة تحرص على أن تواكب احتياجات الجمهور بالنسبة لموضوع الرسائل السياسية.
وأضاف: "نحن عملنا في كل مراحل الإنتاج وفق منهجية علمية بالمعنى الحرفي للكلمة، وكان الحديث عن كل سواحل عُمان، وأي باحث موضوعي سيقوم بالعمل على فيلم عن هذا الموضوع لن يستطيع أن يقفز على فكرة أن الإمارات كانت جزءاً من عُمان، وهذا من المفترض ألا يشكل استهدافاً لأحد".
وأوضح أن من يتابع الفيلم "سيجد أنه بدأ من مرحلة ما قبل الميلاد، مروراً بالغزو البرتغالي، وصولاً إلى العصر الحديث، ولو كان الهدف استهداف الإمارات لكان الفيلم مثلاً فقط عن ساحل عُمان (الإمارات)، وهو موضوع من حق أي جهة أن تتناوله؛ ولكنا لم نختر أن نفعل ذلك؛ حرصاً منا على تقديم صورة كلية للمشاهد".
تنوير للأجيال الحالية
وتعليقاً على ما طرحه الفيلم، قال د. سالم بن عقيل مقيبل، الباحث المتخصص في تاريخ عُمان الحديث والمعاصر، إن فيلم "سواحل عُمان" يحكي سيرة الإمبراطورية العُمانية منذ طرد البرتغاليين من عُمان والشواطئ الهندية والساحل الأفريقي، ثم التدخل الفارسي وطردهم بقيادة مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد، وامتداد الرقعة العُمانية إلى سواحل أفريقيا ثم تجزئة هذه الإمبراطورية بخروج ساحل عُمان 1820 واستقلال القواسم نهائياً عن عُمان، وبداية النفوذ الإنجليزي على ساحل عُمان (دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً)، ثم خروج زنجبار من عُمان عام 1956، ثم خروج جوادر إلى باكستان عام 1958".
وأضاف، في حديث لـ"الخليج أونلاين": "الفيلم سرد للأحداث التاريخية بطريقة مسلسلة مشوقة، ومدعمة بالوثائق التاريخية، ومتخصصين في التاريخ العُماني، وبلغة علمية رصينة بعيدة كل البعد عن المبالغات".
ورأى أن الفيلم "لا يمكنه أن يلم بتاريخ عُمان كله، وإنما عرض لمحة سريعة في شريط عبر الزمن وبسرعة خاطفة، وإلا فهناك محطات كثيرة تحتاج إلى وقفات وتسليط الضوء عليها، ولكن الفيلم أهدافه محددة؛ وهي تكوين الإمبراطورية العُمانية وتفكيكها عبر المستعمر البريطاني لتصل إلى ما وصلت إليه مثل بقية دول الوطن العربي الذي تعرض للتجزئة والتفكك الجغرافي والسياسي من قبل المستعمر الخارجي".
واعتبر أن الفيلم عرّف الأجيال الحالية في الوطن العربي بتاريخ سلطنة عُمان "والتي لها دور محوري في الشأن الإقليمي والعالمي، وتحظى بقبول دولي لمواقفها الإيجابية في السلم العالمي".
تفاعل كبير
وقبل بث الفيلم وبعده، شارك آلاف العمانيين، وغيرهم من العرب، وسم #الإمبراطورية_العمانية، وتصدر التريند العماني بتويتر خلال دقائق عقب بث "الجزيرة" للفيلم.
وعلق الإعلامي العُماني نصر البوسعيدي على صفحته في "تويتر"، قائلاً: "لأن تاريخ #الامبراطورية_العمانية ساطع كالشمس، ولأن هناك من لا زال في ساحل عُمان المتصالح يفتخر بعمانيته، سنجد حاكم الشارقة الراحل صقر بن سلطان القاسمي يتمسك كثيراً بعمان الأم ويفتخر بأصله العماني".
وكتب الأكاديمي أحمد الريامي: "إن القيمة الأهم من استذكار واستحضار تاريخ الإمبراطورية العمانية عبر أي قناة أو منصة، العمل على غرس قيم أصيلة في أبنائنا تتعلق بالتاريخ العماني ومنجزاته ورموزه".
وعرج البعض على أهمية الفيلم في مشاركة باحثين وأكاديميين متحدثين، وقال ناشط في "تويتر": "ما يدعو للفخر: معظم المتحدثين في الحلقة عمانيون؛ من باحثين وأكاديميين وأصحاب شهادات عليا في التاريخ العماني، وهذا يدل على اهتمام العمانيين بتاريخهم، ويعرفون أحداثه وتفاصيله جيداً".
وعلق الناشط العماني محمد النهاري بقوله: "عندما يكون لديك برنامج وثائقي تظهر من خلاله مراحل مهمة وتاريخية وجدلية بدقة في أقل من ساعة دون أن تؤثر على تسلسل الأحداث مع تغير المتحدثين باستمرار فهذا أمرٌ جيدٌ يُحسب لطاقم البرنامج بلا شك".
وشارك غير العمانيين في التعليق على الفيلم، وقال العقيد الأردني المتقاعد محمد علاء الدين العناسوه، إنه من الفخر "أن يكون بيننا إمبراطورية عربية لها المجد تسمى عُمان"، مضيفاً: "الإمبراطورية العمانية عظمتها ليست في الألقاب ولا الحدود، بل في الأخلاق الحميدة التي يتمتع بها شعب السلطنة كابراً عن كابر".
عُمان الكبرى
هذه البقعة الجغرافية التي تناولها الفيلم تاريخ حضاري قديم، شهدت تقلبات كثيرة، ولكن تاريخها الأبرز كان مع ساحل عُمان، أو "عُمان الكبرى"، والتي تشمل أراضي السلطنة والإمارات اليوم.
وتاريخ ساحل عُمان هو السلطنة إضافة إلى الإمارات السبع: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة ورأس الخيمة.
وبالنظر إلى الخريطة، يُلاحظ أن هذه الإمارات تقع على ضلعي مثلث تلاقي قمته مضيق هرمز وبها توجد مدينة خصب وتابعة لسلطنة مسقط (سلطنة عُمان بعد عام 1970)، وتقع رأس الخيمة والشارقة ودبي وأبوظبي وعجمان وأم القيوين على الضلع الغربي للمثلث.
وبالاتجاه نحو الضلع الشرقي فهناك تقع المنطقة الشرقية من إمارة الشارقة، وتجتمع في "خور فكان" و"كلباء"، وإلى الشمال من الضلع الشرقي تقع مدينة دبا وتعتبر من أعرق المدن العُمانية في القدم، وتقسم إلى ثلاثة أقسام: "قسم للشارقة وقسم للفجيرة وقسم لسلطنة مسقط".
في حين أنّه في جنوبي "كلباء" تقع منطقة الباطنة التي تتعدد فيها القرى وتمتد الخضرة وهي الجزء الساحلي لسلطنة مسقط.
ويظهر من خلال الجغرافيا أن خمساً من الإمارات العُمانية تقع على الجانب الغربي واثنتين تقعان على الجانب الشرقي، ويظهر أنها لا تقع (عُمان) على ساحل واحد بل على ساحلين، وأن انفصالها عن الوطن الأم كان بسبب التدخل الأجنبي والنزاعات القبلية، بحسب مؤرخين.