الخليج الجديد-
"ما عرقله تضارب المصالح ستمرره الانتخابات".. بهذا المضمون تدور تقديرات عديد المراقبين للشأن الخليجي هذه الأيام، وسط تقارير تفيد باتجاه نحو إنهاء ملف حصار السعودية والإمارات والبحرين لقطر، والذي أعلنته الدول الثلاث، بمشاركة مصر، في 5 يونيو/حزيران 2017.
فرغم تصاعد الأزمة الخليجية خلال السنوات الثلاث الماضية وانعكاسها إقليميا على موقف الدول الخليجية من مجمل قضايا وصراعات المنطقة، وإصرار الرياض وأبوظبي على سياسة النبذ والحصار تجاه الدوحة، إلا أن "ضرورات" تتعلق بمصلحة السعودية والإمارات في بقاء الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لولاية ثانية بالبيت الأبيض قد تبيح "محظورات" طالما تحدثت عنها وسائل إعلامهما الحكومية.
وتصب عدة المؤشرات في هذا الاتجاه، منها ما يمكن رصده إعلاميا، ومنها ما علمه "الخليج الجديد" من مصادره، التي لم تستبعد أن تقدم الرياض وأبوظبي هكذا تنازل دعما لـ"ترامب"، الذي يعاني تراجعا بشعبيته في ظل تداعيات وباء كورونا بالولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك عبر مصالحة هشة وغير استراتيجية مع قطر.
في هذا الإطار، يمكن قراءة ما كتبه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي "أنور قرقاش" عبر "تويتر"، السبت، بما يفيد ضرورة مراجعة دول المنطقة لـ"سياسة المحاور"، التي "لم تؤت ثمارها"، حسب تعبيره.
وغرد "قرقاش: "التطورات المتسارعة في المنطقة مؤشر واضح نحو ضرورة مراجعة استراتيجيات لم تؤت ثمارها ونبذ سياسة المحاور، وبالرغم من أنّه لا يمكن أن نعود إلى الوراء إلا أن البدايات الجديدة تحمل في طياتها فرصا حقيقية، بعيدا عن الضجيج أمامنا ظروف قد تمهد لحلول سياسية تعزز الأمن والاستقرار والازدهار".
وجاءت تغريدة الوزير الإماراتي بعد 4 أيام من إجراء الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، اتصالاً بالعاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، حثه خلاله على ضرورة التفاوض لحل الأزمة الخليجية، حسبما أعلن البيت الأبيض.
فحل الأزمة الخليجية يمكّن "ترامب" من الترويج لـ"إنجازات" سياسته الخارجية بعد توالي إعلانات التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر البيت الأبيض، وهي الإنجازات التي تمثل عنصرا يعتمد عليه الرئيس الجمهوري في حملته الانتخابية في مواجهة تسليط منافسه "جو بايدن" الضوء على نقاط الضعف الكبرى على مدى السنوات الأربع الماضية، وعلى رأسها إدارته لجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، حسبما يرى الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي "يوسف مكي".
جهود حثيثة
من هنا كان دعم البيت الأبيض القوي لجهود الكويت الحثيثة لحل الأزمة الخليجية وإنهاء هذا الملف؛ إذ سبق أن أعلنت واشنطن في أكثر من مناسبة دعمها الخطوات الكويتية كافةً في هذا الاتجاه.
وفي السياق، حدد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى "ديفيد شينكر" توقيتا لحدوث انفتاح في الأزمة الخليجية للمرة الأولى، مشيرا إلى أن "أسابيع" فقط تفصل المنطقة عن إنهاء هذا الملف.
وأكد "شينكر"، في إحاطة عبر الهاتف للوزارة، أن هناك اهتماما على أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية بحل الخلاف الخليجي، "الذي لا يخدم سوى مصالح إيران" حسب قوله، وبذلك تستند دعاية "ترامب" الانتخابية على نجاعة سياستها الخارجية في مواجهة نفوذ طهران الإقليمي.
ولذا سلط "شينكر" الضوء على أن إجبار الطائرات القطرية على العبور فوق إيران، كنتيجة لمنعها من الأجواء السعودية والإماراتية والبحرينية، يؤدي إلى حصول النظام الإيراني على عائدات الرسوم التي يتلقاها مقابل إتاحة البديل، لافتا إلى أن "عملا كبيرا يقوده ترامب ووزير خارجيته (مايك بومبيو) ومسؤولي البيت الأبيض لإنهاء ملف الأزمة الخليجية".
وكان مستشار الرئيس الأمريكي وصهره "جاريد كوشنر" قاد مشاورات بقطر، في 2 سبتمبر/أيلول الماضي، والتقى أمير البلاد "تميم بن حمد آل ثاني"، وصرح لدى وصوله إلى الدوحة بأن "القادة الخليجيين يرون أن الأزمة الخليجية طالت أكثر مما ينبغي"، ما قدره مراقبون مؤشرا على تحرك أمريكي جاد باتجاه حلحلة الأزمة من جانب، والدفع باتجاه "تكتيل" دول الخليج و(إسرائيل) ضد إيران من جانب آخر، وهو ما بدا أنه لقي صدى إيجابيا في الدوحة.
ويعزز من هذا التقدير، ما أكدته مصادر بقناة "الجزيرة" القطرية لـ"الخليج الجديد" أن إدارة القناة اتجهت مؤخرا لتخفيف التوتر الإعلامي مع السعودية.
كما أفاد مصدر دبلوماسي أمريكي بأن واشنطن أجرت مشاورات مباشرة مع السعودية والإمارات والبحرين لحل الأزمة مع قطر، مشيراً إلى أن الأجواء بشأنها إيجابية.
تشتيت الأضواء
ولما كان اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جانب و(إسرائيل) من جانب آخر إنجاز خارجي كبير لـ"ترامب"، الذي يواجه إخفاقات كبيرة في الداخل والخارج، فإن الرهان على تحقيق اختراق في الأزمة الخليجية من شأنه "تشتيت الأنظار" عن تركيز الديمقراطيين الأضواء على ملفات الشأن الداخلي، التي تخصم من رصيد الرئيس الأمريكي الحالي.
وبدا أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" تدرك استراتيجية حملة "ترامب" الانتخابية، ولذا ركزت انتقاداتها لـ"ترامب" خلال الساعات الماضية في اتهامه باستغلال إعلان تطبيع مملكة البحرين لعلاقاتها مع (إسرائيل) لصرف الأنظار عن أرقام إصابات ووفيات كورونا المتصاعدة جراء سوء إدارته.
وقالت "بيلوسي"، في مقابلة مع قناة "CNN" الأمريكية، إن "ترامب" سبق أن وعد بطرح حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحترم مبدأ إقامة دولتين، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، منددة بحصيلة إصابة نحو 5 ملايين أمريكي بكورونا ووفاة نحو 100 ألف آخرين رغم تمرير الكونجرس لقانون المساعدة الاقتصادية (الذي طلبته إدارة ترامب).
وسبق لـ"بيلوسي"، في مقابلة سابقة مع الشبكة الأمريكية، أن وصفت "ترامب" بأنه "فيروس" بحد ذاته، في تكرار لاستراتيجية مضادة ينتهجها الديمقراطيون، استنادا إلى الربط الدائم بين أداء إدارة "ترامب" في مواجهة أزمة كورونا وبين أي ملف آخر.
فهل يربح "ترامب" رهانه على ملف السياسة الخارجية ودعم اللوبي الصهيوني له في ترميم خسائره ويتفادى توقعات استطلاعات الرأي التي تتنبأ بخسارته الانتخابات كما فعل في انتخابات 2016 عندما توقعت أغلب تلك الاستطلاعات فوز منافسته الديمقراطية "هيلاري كلينتون"؟ أم ينجح رهان الديمقراطيين على اهتمام الأمريكيين بملفات الشأن الداخلي أولا؟ الآثار التالية لتوقعات حلحلة الأزمة الخليجية تسهم بقدر كبير في تحديد الإجابة.