علاقات » خليجي

تضارب مصالح دول الحصار يعرقل حل الأزمة الخليجية

في 2020/12/13

عريب الرانتاوي - انسايد ارابيا -

لم يكن التفاؤل الذي عبّر عنه وزير خارجية الكويت أثناء إعلانه عن تقدم "مثمر" على طريق المصالحة الخليجية نابعًا من محض أمنيات، بل ينبع من ثقة بإمكانية تحقيق تقارب بين قطر والرباعي العربي -السعودية ومصر والإمارات والبحرين- بعد 3 سنوات من الحصار، كما ألقى الوزير الضوء أيضًا على رغبة الأطراف -التي لا يتم تشاركها بشكل متساو بالطبع- لإيجاد أرضية مشتركة.

يجب أن يُنسب مثل هذا الإنجاز إلى دبلوماسية الكويت الدؤوبة، إذ سيكون من الظلم والنفاق أن يُنسب الفضل في ذلك إلى ذلك "الصبي" في البيت الأبيض -جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب- الذي لم يلعب حتى الآن مع رئيسه سوى دور الإشعال المتعمد للتوترات.

علاوة على ذلك، فإن ما كشف عنه وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريكس تيلرسون" يظهر بوضوح أن الشرارات الأولى للأزمة الخليجية انطلقت من البيت الأبيض. فقد بادر "ترامب" لتبني رؤية الرباعي العربي وسرديتهم لتأجيج الأزمة مع قطر وتبرير الحصار الذي فرضوه، وعلى المرء النظر فقط لتغريدات "ترامب" السابقة للتأكد من ذلك.

ومع ذلك، فمن الخطأ المبالغة في أهمية الإنجاز ووصفه بأنه "تاريخي"، فالإجماع حتى الآن لم يشمل القضايا المتنازع عليها وشروط الرباعي الـ13 التي اشترطوها على قطر، لكنه اقتصر على وضع إطار للمفاوضات القادمة. كما أن الأطراف الأربعة لا تتفق في مواقفها عند الحديث عن قطر التي لا تنظر إلى الدول الأربع التي تحاصرها بنفس الطريقة.

ويبدو أن السعودية هي الأكثر حماسًا لإعادة العلاقات مع قطر من بين دول الحصار الأربعة؛ خدمةً لمصالحها التي يرتبط معظمها بالرئيس الأمريكي القادم، حيث إنه من المتوقع ألا تكتفي إدارة "جو بايدن" فقط بإنهاء شهر العسل الطويل بين الرياض وإدارة "دونالد ترامب"، بل ستنتهج أيضًا نهجًا جديدًا مع العدو الرئيسي للمملكة: إيران، التي تمثل مصدر قلق كبير للسعودية.

وخوفًا من خروج طهران من شرنقة العزلة والعقوبات الاقتصادية؛ تعيد الرياض تقييم بعض أولويات سياستها الخارجية، ولا يقتصر هذا التقييم على علاقتها مع قطر، بل يشمل تركيا أيضًا، حيث تتكثف رسائل المغازلة والاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين هذه الأيام، وسط تعليقات سعودية تصالحية مستمرة تشير إلى أن العلاقات بين الرياض وأنقرة على وشك العودة إلى طبيعتها.

ولكن، في حين أن السعودية مستعدة لإنهاء الحصار المفروض على قطر، فإن الإمارات تستبعد هذا الخيار وترفضه، على الأقل حتى يتم الوفاء بالبنود الـ13 لدول الحصار. ويمكن وصف هذه الشروط بإيجاز بأنها أداة لإخضاع القرار القطري لهيمنة دول الحصار.

التحفظ الإماراتي

ولن تسهل الإمارات مهمة الوسيط الكويتي في الأيام المقبلة، كما لن تدخر جهداً في دفع الأطراف الأخرى للتخلي عن طريق المصالحة وستمنعهم من ترك الإمارات وحدها في هذا المسار.

لا تعتبر السعودية قطر منافسة لها على مركزها ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي، على عكس الإمارات. كما أن المصالحة مع الدوحة (وتركيا نتيجة لذلك) تبدو ضرورية إذا قررت المملكة إتمام التطبيع مع إسرائيل، بأقل قدر من المزايدة والمنافسة والضجيج الإعلامي الذي يصم الآذان.

أما أبوظبي فهي تعتبر الدوحة منافساً لدورها في المنطقة، ويكمن حماس الإمارات لعزل قطر ومحاصرتها في رغبتها في إخراج قطر من ساحة المنافسة في مختلف المجالات، بما في ذلك الطاقة والسياسة والنفوذ الإقليمي والنقل والموانئ والطيران والتمويل والأعمال والاستثمار.

وتُظهر قطر اهتمامًا خاصًا باستعادة علاقاتها مع السعودية من بين دول الحصار الأربع، كما تعلم قطر أن علاقاتها مع الإمارات لن تعود حتى لو تمت المصالحة واستأنف مجلس التعاون الخليجي عمله كالمعتاد، أما بالنسبة للعلاقات مع مصر، فلدى قطر أفضلية على القاهرة تتمثل في العمال المصريين والنفوذ الإعلامي الأقوى.

أما بالنسبة للبحرين، فليس لها أهمية كبيرة في شؤون الدوحة، والعلاقة معها تندرج في كثير من الأحيان تحت بند الأمر الواقع.

الخلاصة هي أن السعودية هي أكثر ما يهم المسؤولين القطريين، الذين أكدوا في محادثاتهم مع الوسيط الكويتي والمندوب الأمريكي، أهمية وتفضيل المسار الثنائي السعودي القطري. وهكذا، تأتي المصالحة مع الرياض في المقام الأول بالنسبة لقطر، على أمل أن توافق الأطراف الأخرى على الانضمام.

عراقيل التنفيذ

يضع هذا العرض القطري السعودية في موقف حرج منذ أن فرضت دول الرباعي الحصار، ومن المنطقي أن تتم المصالحة معهم جميعًا أيضًا، وفق ما تقوله أبوظبي بصوت عالٍ وواضح، وكذلك القاهرة والمنامة، وهكذا، فإن أي تحرك سعودي منفصل نحو حل مع قطر سيضعف ثقة حلفاء المملكة، وهو ما تسعى الرياض إلى تجنبه قدر الإمكان. ويشكل هذا الأمر تعقيدًا سيتعين على الوسيط الكويتي التعامل معه.

وسيكون من الصعب على إدارة "ترامب" إقامة مصالحة في اللحظة الأخيرة بين دول الرباعي العربي وقطر، رغم أنها أدركت أهميتها، خاصة بعد تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية. فقد أدى تكثيف الإجراءات الأمريكية ضد إيران إلى حاجة غير مسبوقة لـ"جبهة خليجية موحدة" يمكن أن تساعد في كسر إرادة الإيرانيين ومقاومتهم للضغوط الأمريكية.

ومع ذلك، فإن الأطراف المعنية، بما في ذلك قطر، ليس لديها مصلحة في تقديم "هدية المصالحة" إلى الإدارة المغادرة بينما تنتظر باهتمام كبير وصول إدارة جديدة، والتي من المحتمل أن تفرض شروطًا مختلفة.

لا شك أن خطوة كبيرة قد تحققت على طريق المصالحة الخليجية، فيما يستدعي احتفالًا كويتيًا وردود فعل عربية ودولية إيجابية. ومع ذلك، فهي خطوة واحدة على طريق طويل وشائك ملغم بمصالح متضاربة.

وعلاوة على ذلك، فمن غير المرجح أن يعيد مثل هذا الإنجاز العهد الذهبي السابق لمجلس التعاون الخليجي، حيث إن المنظمة تقودها حاليًا 3 مراكز نفوذ: الرياض وأبوظبي والدوحة، بعد أن كانت تقودها حتى وقت قريب وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، جهة نفوذ واحدة متمثلة في المملكة العربية السعودية.