الخليج أونلاين-
مع انتهاء القمة الخليجية الـ41 التي عقدت بمدينة العلا السعودية، في الخامس من يناير الجاري، فإن ثمة مكاسب اقتصادية كبيرة سوف تتحقق لأطراف الأزمة؛ عبر وقف نزيف الخسائر المستمر من ثلاث سنوات ونصف، وخصوصاً السعودية التي فتحت الحدود رسمياً مع قطر.
وتشير تحليلات إلى أن المقاطعة التي بدأتها السعودية والإمارات والبحرين لدولة قطر، في يونيو 2017، قد أثرت بشكل كبير على الدول الأربع، وذهبت بمليارات الدولارات التي كان يمكن توفيرها لو لم تحدث الأزمة.
وبعد تحقيق المصالحة التي تم إعلانها في قمة العلا، فإن كل ما لحق بدول الأزمة من خسائر سيتحول إلى أرباح فور عودة فتح الحدود وإعادة المعاملات إلى ما كانت عليه في السابق.
التبادل التجاري والاستثمار
وعقب اندلاع الأزمة أظهرت إحصائيات رسمية أن السعودية والإمارات والبحرين تستحوذ على 87% من حركة التبادل التجاري بين قطر والدول الخليجية.
وبلغت قيمة التبادل التجاري بين الدول العربية وقطر في 2016 نحو 45 مليار ريال قطري (12.3 مليار دولار)، وبين دول الخليج وقطر 37.9 مليار ريال (10.4 مليار دولار).
وبلغ حجم التبادل التجاري بين قطر ودول العالم في 2016 نحو 324 مليار ريال (89 مليار دولار)، كانت حصة دول الخليج منها 11.7%.
واستوردت قطر عام 2016 ما قيمته 19 مليار ريال قطري من السعودية والإمارات والبحرين، لتشكل صادرات الدول الثلاث إلى قطر 89% من إجمالي واردات قطر من الدول الخليجية.
وتعتبر أهم واردات قطر من دول الخليج البضائع المصنعة للمستهلك النهائي، التي تشكل 27% من إجمالي الواردات.
يلي ذلك "الأغذية والحيوانات الحية"، وتمثل قيمة وارداتها نحو 16% من الإجمالي، فيما تستورد دولة قطر ما نسبته 15% من المواد الغذائية من السعودية، و11% من الإمارات.
أما بالنسبة للصادرات فإن صادرات قطر إلى الدول الخليج تجاوزت 19 مليار ريال عام 2016، ما يمثل 9% من مجمل صادراتها.
وتستحوذ السعودية والإمارات على 65% من صادرات قطر إلى الدول العربية.
وفي الربع الأول من العام المالي 2017 تصدّرت السعودية الدول المستقبلة للصادرات القطرية غير النفطية بنحو 41% من إجمالي هذه الصادرات، تبعتها الإمارات بنسبة 32%، وفقاً لغرفة قطر.
وأوضحت إحصاءات رسمية لمجلس التعاون الخليجي أن قطر استقبلت نحو 1.3 مليون من مواطني دول مجلس التعاون، خلال 2016.
ووفق دراسات مجلة "إيكونومست" البريطانية ووكالة "بلومبيرغ" الأمريكية فإن القطريين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات بالإمارات.
كما خسرت السعودية السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها كالأغذية ومنتجات الألبان، بخلاف سوق الإعمار والبناء.
وكانت الإمارات على رأس الخاسرين؛ بعد أن فقد ميناء "جبل علي" موقعه كميناء وسيط للشركات العالمية التي تصدّر بضائعها إلى قطر.
وتشير المجلة إلى أن تلك الشركات حوّلت شحناتها من المواد الغذائية ومواد البناء من الميناء إلى ميناء صلالة العماني.
وتكبّد القطاع المصرفي الإماراتي خسائر باهظة بعد أن قررت بنوك عالمية نقل جزء من خدماتها المصرفية من دبي إلى لندن ونيويورك.
وفي يونيو 2018، قالت "إيكونومست" إن إمارة دبي بدأت تخسر الشركات والاستثمارات القطرية التي كانت تنعشها.
وأشارت إلى أن استمرار المقاطعة سيضر بسوق العقارات في الإمارة مع بلوغ مشتريات المستثمرين القطريين من العقارات نحو 500 مليون دولار عام 2016.
ولفتت المجلة أيضاً إلى أن 300 شركة سعودية خسرت أكثر من مليار دولار؛ بعد أن فقدت حصتها في السوق القطري بشكل كامل، والتي كانت تصل إلى 1.2 مليار ريال قطري.
وخسرت شركة الألبان السعودية العملاقة "المراعي" نحو 25% من مبيعاتها في اليوم الأول للأزمة، بحسب "إيكونومست".
وقالت المجلة إن هذه الشركات تكبّدت خسائر بمليارات الدولارات، لكنها لم تعلن عنها لأسباب سياسية.
ويحمل فتح الحدود الحالية انفراجة على السوق الخليجية المشتركة التي تعطل العديد من أهدافها ورؤاها الاستراتيجية خلال الأزمة الخليجية، رغم استمرار عمل لجانها تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن عودة افتتاح الحدود ستمكنها من تحقيق "المواطنة الاقتصادية" التي أقرها المجلس منذ عام 2001.
وفي سياق متصل سيعود مواطنو دول الخليج إلى السفر إلى قطر براً أو جواً أو بحراً بغرض التجارة أو السياحة أو الإقامة، بعد العوائق التي فرضتها الأزمة الخليجية، وهو ما سيفعله القطريون أيضاً.
قطر.. توفير نفقات
وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الخاطر، فإن المستفيد من المصالحة اقتصادياً هو دول المقاطعة، "حيث إن قطر كونت محركات اقتصادية بالاعتماد على الذات والاكتفاء الغذائي".
وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين": "تملك قطر علاقات استراتيجية مع القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران"، معتبراً أن "بلدان المنطقة بحاجة لعلاقات استراتيجية في حال كان هناك سعي لتأمين السلم والأمن للخليج؛ مع تركيا وإيران.. فدول الخليج تحتاج العلاقات القطرية الاستراتيجية للتوصل لاتفاق إقليمي لإحلال السلم والأمن في المنطقة"، في إشارة لارتباط الحركة الاقتصادية بالأمن والاستقرار في المنطقة.
ويؤكد بالمقابل أن قطر ستستفيد من فتح الحدود البرية والبحرية وفتح الأجواء، لكن في المقابل ستستفيد الدول المقاطعة من فتح السوق القطري.
الباحث الاقتصادي محمد رمضان أكد في حديث مقتضب لـ"الخليج أونلاين" أن المصالحة الخليجية سيكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد القطري خلال الفترة القادمة، "ولكن لن يكون كبيراً؛ لكون الدول الخليجية لا تعتمد كثيراً على التبادل التجاري".
وبداية الأزمة تكبدت دولة قطر، بحسب وكالات "إيكونومست" و"بلومبيرغ"، خسائر اقتصادية كبيرة تمثلت في انخفاض أسعار العقارات، وخسائر طالت شركة طيرانها الوطنية.
كما فقدت الدوحة مصادر هامة للغذاء والمواد الأولية كانت تحصل عليها من دول المقاطعة، بيد أنها -وبعد فترة وجيزة- أقامت طرقاً جديدة للتجارة لتحل محل الشركاء الخليجيين السابقين.
وفي أواخر 2017، افتتحت ميناء حمد بقيمة 7.4 مليارات دولار، وصُمم ليصبح مركزاً للنقل البحري الإقليمي.
وبعد عامين من جلب آلاف الأبقار المدرّة للحليب من أجل التغلّب على الحظر التجاري أصبحت شركة "بلدنا" القطرية لإنتاج الألبان تصدر للخارج للمرة الأولى.
وقال المسؤولون القطريون إن التوسع السريع لشركة "بلدنا" أظهر أن المقاطعة جعلت الاقتصاد القطري أشد قوة من ذي قبل، حيث يتمثل هدفهم في تشجيع المنتجين المحليين.
لكن قطاعات أخرى في الاقتصاد القطري تعاني؛ فقد تضرر قطاعا العقارات والبيع بالتجزئة، وأصبحت مراكز التسوق والفنادق التي كانت تعجّ أحياناً بالسائحين السعوديين والإماراتيين شبه خالية.
كما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد؛ وسط تخمة المعروض في الفترة التي تسبق استضافة قطر لكأس العالم عام 2022.
وفي مارس 2019، أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن خسائر سنوية للعام الثاني توالياً؛ فبعد أن منعتها دول المقاطعة من استخدام مجالها الجوي اضطرت الشركة لتغيير مسارات وإعادة توجيه كثير من الرحلات الجوية، ما أدى إلى زيادة المدة والكلفة.
وبحسب الإدارة الأمريكية فإن إجبار الطيران القطري على استخدام المجال الجوي الإيراني أفاد خزينة طهران بـ100 مليون دولار سنوياً، وهو رقم ستحصل عليه دول المقاطعة حال عودة الطيران القطري للتحليق أجوائها.
واستقر الاقتصاد القطري، بل إنه واصل النمو، وحقق فائضاً وصل لنحو 6% في ظل جائحة كورونا، بحسب ما نشرته "بلومبيرغ"، في مايو 2020.