صحيفة الغارديان-
قال مراسل صحيفة “الغارديان” في الشرق الأوسط، مارتن شولوف، إن المصالحة الخليجية كانت تعبيرا عن تعب وليس تنازلا. وأشار إلى إن الحديث عن العلاقات الأخوية كان الطابع الذي اتسمت به القمة الخليجية في منطقة العلا بالسعودية وليس التعلم من دروس الماضي.
وقال الكاتب إن لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، نُظر إليه على أنه اختراق في الأزمة التي جمعت طرفين مستعدين لحل الخلافات بينهما. وفي الوقت الذي اجتمع فيه قادة مجلس التعاون الخليجي لم يكن هناك حديث عن تنازلات أو إنذارات جديدة مثل تلك التي قادت للصدع في العلاقات، مما يعني أن التقارب كان نتيجة للإجهاد وليس التنازلات.
ولم يكن الحديث عن العلاقات الأخوية وإنهاء هذا الملف إلا من أجل التحضير للإدارة الأمريكية القادمة وليس عن الواقعية السياسية. وأضاف أن المكاسب من ثلاثة أعوام حصار فرضته السعودية وعدد من دول الخليج لطرد قطر من التحالف الخليجي وسط مطالب لم تتحقق من الصعب رؤيتها. ولا يتعلق الأمر بالتكلفة الاقتصادية والسياسية، حيث تحملت قطر كلفة الأول، أما السعودية فتحملت الثاني.
وعندما قام وريث العرش السعودي محمد بن سلمان الطامح مع حاكم الإمارات محمد بن زايد بالتحرك ضد قطر عام 2017 كانت قائمة الاتهامات ضد الدول الخليجية الصغيرة طويلة. وقاما مع البحرين ومصر أيضا باتهام الجارة بدعم طموحات إيران ومساعدة الجماعات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين، التي تعتبر هوسا إماراتيا.
ونُظر للتحالف المتزايد بين قطر وتركيا على أنه تهديد، وكان إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر من ضمن المطالب. وضمن حسابات الرياض، كان يمكن تركيع جارتها المتمردة وستعرف المنطقة أن السعودية تديرها إدارة جديدة لا تخاف من تأكيد نفسها بحسم وبوضوح. باستثناء أن هذه اللعبة لم تنجح كما هو مخطط لها.
فقطر هي دولة خليجية صغيرة، ولكنها الأكثر ثراء بناء على معدل دخل الفرد، وطالما حاولت لعب دور الوسيط في القضايا الإقليمية، وكبلد يمكن أن يخدم كل الأطراف بدون أن يكون مدينا لأي منها. وناقشت قطر أن علاقتها مع إيران وجماعة الإخوان المسلمين يجب النظر إليها من خلال هذا المنظور، وتمسكت بموقفها، في وقت خرجت فيه الاتهامات من أبو ظبي والرياض. ولديها الإحتياطي المالي الذي يمكن استخدامه، وأصدقاء في أنقرة يمكنها الاستعانة بهم لو أرادت، وهو ما فعلته.
وأصبحت قطر والحكومة الميالة للإسلاميين بقيادة رجب طيب أردوغان أكثر قربا خلال السنوات الثلاث الماضية. وأصبحا مع بقايا الإخوان المنفيين في تركيا محورا رئيسيا ضد الأمير محمد في الرياض، ومحمد بن زايد في أبو ظبي، والزعيم المصري عبد الفتاح السيسي.
وساعد الإعلام في الرياض وأبو ظبي والدوحة على تعميق خطوط الصدع والعداء الذي حل محل المصالحة. وتحديدا بعد المواجهة التركية- السعودية في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018 وأشرف عليه ونفذه مقربون من البلاط السعودي.
وخلال العام الماضي قادت السعودية جهودا لإذابة الجليد، حيث استقبلت وزير الخارجية القطري وفريق كرة القدم. لكن جهود البحث عن اختراق للأزمة تزايدت مع الإطاحة بدونالد ترامب من البيت الأبيض والذي كان داعما قويا للرياض، وقدوم إدارة جوزيف بايدن الذي يخشى قادة دول مجلس التعاون الخليجي بأنه سيعود إلى الاتفاق النووي ويحيي المفاوضات مع العدوة طهران.
وبعد انتخاب بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر، أصبح حل الأزمة الخليجية أولوية. ويمكن النظر إلى الحل على أنه محاولة لبناء الثقة مع الرئيس المقبل وورقة يمكن جلبها إلى الطاولة عندما يتحول الحديث عن إيران التي تشاجر معها ترامب بشكل مستمر.
وتحضّر قطر لاستضافة مباريات كأس العالم في 2022 ويمكنها مواصلة العمل بدون مزيد من الصداع، وستنتفع من عملية إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية. وكان شرطها الوحيد في عملية التقارب هو ألا تظهر بمظهر من تنازلت.
وفي الوقت الذي تحول فيه الحديث بالعُلا إلى العلاقات الأخوية والعدو المشترك، لم تكن هناك محاولات من الطرفين للتفاخر. وغيّر الإعلام الرسمي في قطر من لهجته، حيث ركزت قناة الجزيرة على مديح العاصمة السعودية ودورها في الوحدة.
وتم توقيع اتفاق التعاون في جلسة سرية، على خلاف اتفاق الشجب في 2017.
ويقول الكاتب: “ستظل الجراح قائمة وسيرى إن كان الحشد ضد العدو المشترك- إيران كافيا لتجاوز الخلاف الذي نظر إليه في داخل عدد من الدوائر الإقليمية والدولية على أنه عبثي ومضر. ولكن المخاوف تظل قائمة من أن عملية التقارب ما هي إلا محاولة للتغطية على خطوط الصدع التي تعمقت خلال ثلاث سنوات ولم يكن هناك أي داع لها”.