الخليج أونلاين-
على الرغم من أن الدول الخليجية أنشأت منظمة إقليمية سياسية واقتصادية للتعاون فيما بينها، وأطلقت عليها اسم "مجلس التعاون الخليجي"، فإن خلافات كبيرة كادت أن تودي بهذا الكيان وتنهيه، قبل أن تتدخل جهود واسعة لاحتوائها تحت مظلة المجلس.
ولم يكن من المستغرب أن يطغى التوتر والتنافس على العلاقات بين أعضاء المنظمة، لكن الأمر تجاوز كل ذلك، في منتصف عام 2017، حينما شهدت مقاطعة خليجية بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، واستمرت حتى مطلع يناير 2021.
وعلى الرغم من تلك الأزمة فلم يكن ثمة ما يؤكد انهياراً كاملاً لمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبدا أن هذه المنظومة قادرة على الاستمرار، ولكن بفاعلية ضعيفة في الأداء، أو التأثير في العلاقات البينية بين الدول الست الأعضاء، وسط أصوات تطالب بإعادة إصلاح المجلس وتشكيله.
جهود لبقاء المجلس
شهدت منظومة مجلس التعاون الخليجي انقسامات حادة منذ الأزمة الخليجية، في يونيو 2017، شكلت "عقبة" في الوصول إلى مشتركات مجمع عليها بين الدول الست التي تباينت مواقفها خلال الأزمة.
وخلال ثلاثة أعوام ونصف العام، بذلت الكويت بقيادة أميرها الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأميرها الحالي الشيخ نواف الأحمد، جهوداً كبيرة لإنهاء أزمة كبيرة كادت أن تنهي المجلس الذي تأسس قبل أكثر من 40 عاماً.
وأثمرت التحركات الكويتية في الوصول إلى اتفاقٍ علني بإنهاء الأزمة والمقاطعة بين الدول الأربع (قطر، والسعودية، والإمارات، والبحرين)، وإعادة العلاقات تدريجياً وصولاً إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.
وكانت الخطوة الكبرى لإنهاء الأزمة بعقد القمة الخليجية الـ41 في مدينة العُلا السعودية، بعدما نقلت من المنامة حيث كان مقرراً إقامتها، وإعلان المبادئ التي تم التوقيع عليها في القمة؛ ومنها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون بعضها الداخلية، واحترام السياسات الخارجية للأعضاء.
إصلاح المنظومة الخليجية
قبيل القمة الخليجية التي عقدت مطلع يناير 2020، كانت قطر تؤكد على لسان وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن، أن أي نوع من التسويات للأزمة "ينبغي أن يكون شاملاً ويحفظ وحدة الخليج، وأنه يأمل أن تتحرك الأمور في الاتجاه الصحيح".
ولم يكن هذا هو التصريح الأول لـ"آل ثاني"، فقد قال في ديسمبر 2018، إن مجلس التعاون الخليجي بحاجة لتطبيق قواعده بشكل أفضل، مشيراً إلى أن إصلاح التحالف قد يساعد في إنهاء الأزمة الخليجية.
وفي مايو 2020، قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف: إن "الخلاف الخليجي يشكل تحدياً لمسيرة التعاون، ويمثل هماً مشتركاً لجميع دول المجلس".
وفي حديثه المتزامن مع الذكرى الـ39 لتأسيس المجلس، أكد الحجرف، الذي عُين في منصب الأمين العام للمجلس، في أبريل الماضي، أهمية المجلس وضرورة "ديمومته"، معرباً عن ثقته بقدرة المجلس على تجاوز التحديات.
آليات جديدة
يرى المحلل السياسي والصحفي العُماني عوض بن سعيد باقوير، أن المصالحة الخليجية التي تمت خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في السعودية "تمثل إنجازاً سياسياً واختراقاً لأزمة معقدة تواصلت على مدى أكثر من ثلاث سنوات".
ويؤكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" ضرورة أن تُعطي هذه المصالحة "آليات جديدة في فض الخلافات بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون، من خلال وجود آلية لفض النزاعات كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي".
كما أكد ضرورة أن تشهد منظومة مجلس التعاون "تغييرات هيكلية بحيث يمنع تكرار ما حدث"، مشيراً إلى أن الجميع "كان خاسراً في الأزمة، خاصة شعوب المنطقة".
وأضاف: "على قيادات دول الخليج أن تدرك أن هناك تحديات خطيرة تواجه المنطقة، ومن هنا فإن المصالحة الخليجية ينبغي أن تغير مسار التوجهات السياسية والمشروعات الاستراتيجية غير المنضبطة".
وتابع: "كما أن مجلس التعاون أمامه تحديات اقتصادية وأمنية وإعادة الثقة، ووقف الحملات الإعلامية القاسية التي زرعت الكراهية بين شعوب دول الخليج"، مجدداً تأكيده ضرورة القيام بـ"خطوات أساسية في المجلس، وتبادل الزيارات، ونشر ثقافة الحوار، واحترام سيادة الدول وخياراتها".
إصلاحات مهمة
ويشارك الباحث نجيب السماوي ما ذكره "باقوير" حول ضرورة أن يبدأ المجلس إصلاحات عاجلة في سبيل إنجاح المصالحة الحالية، "وإلغاء التحالفات الثنائية بين الأعضاء في الدول الست، التي يُنظر إليها في أحيان كثيرة على أنها بديل عن العمل المشترك داخل مجلس التعاون الخليجي، وتعزز الانقسامات بشكل أكبر".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يعتقد أن المجلس سيستمر "كهيكل قائم يعقد اجتماعاته الدورية على مستوى القمة أو مستويات أدنى، دون تحقيق اختراق كبير ما لم يتم إجراء إصلاحات جذرية تعزز العمل الموحد فيما بين دول الخليج".
وتابع: "يجب تطوير أداء مجلس التعاون إلى تحالف فعال عبر التوفيق بين الدول الأعضاء بما تمتلك من أوراق ضغط على كل دولة من دوله وعلى الدول الست مجتمعة".
وأضاف: "المبادئ التي تم التوقيع عليها في القمة الأخيرة، ومنها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون بعضها الداخلية، مطلوب العمل عليها؛ لأن أبرز أسباب الأزمة الخليجية هو غياب احترام تلك المبادئ بحجج ومسوّغات متنوعة".
تفرق رغم التهديدات
وبالعودة إلى دعوات الوحدة التي بدأت منذ عهد طويل، سجّل التاريخ دعوة العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والتي لاقت تقبُّلاً خليجياً، واعتبرته الدول الست قوة لها.
العديد من الأسباب دعمت موقف الوحدة الخليجية على مرّ الزمان، وكان أبرزها التهديدات الأمنية بعد زيادة تدخلات إيران في المنطقة، والتي بدأت بالثمانينيات، حتى تغلغلت في العراق وسوريا واليمن.
السعودية تبنّت هذه الدعوات منذ عام 2011، تحت وطأة التمدد الإيراني، وسعت منذ اللحظة الأولى إلى ترسيخ معانٍ واضحة لتعزيز فكرة "الاتحاد الخليجي"؛ أهمها يتمثل في تكوين صورة واضحة للمنطقة الخليجية تحمل هوية وقيادة مركزية واحدة.
ولا تزال الرياض تؤكد تلك الدعوات حتى اليوم، خصوصاً أن خطاب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد أكد ضرورة العمل لوقف التهديد الإيراني لدول الخليج.
كما تَعززت فكرة الاتحاد بفعل عوامل عديدة؛ كالعامل الاقتصادي، والتعليمي، والصحي، والتنموي، خاصةً أن الخليجيين يتربعون على أحد أكبر التكتلات الاقتصادية العالمية، بما يتجاوز 1.6 تريليون دولار.