الخليج أونلاين
أحدثت الأزمة الخليجية خلال ثلاث سنوات ونصف شرخاً كبيراً في العلاقات بين دول الخليج، إلا أنها حافظت على مستوى جيد من التنسيق في قطاعات مهمة بما يضمن استقرار جميع الدول.
فقد استطاعت دول الخليج أن تضع الخلاف جانباً في ملفات الأمن والدفاع والاستخبارات، على طول شهور الأزمة، باعتبار أن هذه القضايا لا يمكن التساهل فيها، ومواصلتها ضرورة تحتم على الجميع المشاركة والتعاون فيها، وإن كانت بمستوى أقل مما سبق الأزمة.
وجاءت المصالحة الخليجية، في 5 يناير 2021، لتنهي أكبر أزمة داخلية أصابت مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي.
أمن الخليج وسط التحديات
وفي القمة الخليجية الـ 41 التي عُقدت في مدينة العلا بالسعودية، بحضور زعماء الدول الخليجية وممثليهم، خرج البيان الختامي ليطوي سنوات الأزمة الخليجية، ويؤكد ثوابت أساسية يقوم عليها مجلس التعاون وفي مقدمتها التعاون الأمني.
وشدد بيان القمة على ضرورة تفعيل العمل الخليجي المشترك، وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني، واعتبار أمن دول المجلس رافداً أساسياً من روافد الأمن القومي العربي.
وبالرغم من الاستقرار الملموس الذي تعيشه دول الخليج، فإنها تحيط بها تحديات جمة، خصوصاً من ناحية الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب.
وتعيش منطقة الشرق الأوسط صراعات ونزاعات واسعة، والتفاف مجلس التعاون أمنياً، يساعد على تجنب وصول آثار تلك الأزمات إلى الأراضي الخليجية.
وبعد تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم عام 2017، ازداد التوتر مع إيران، وانسحبت واشنطن من الاتفاق النووي المنعقد مع إيران عام 2018، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية موسعة، وضيق الخناق عليها بشكل كبير، ما زاد من التصعيد بين الدولتين.
وانتقل التوتر إلى مياه الخليج عام 2019، حيث حركت الولايات المتحدة حاملات الطائرات إلى مياه الخليج، وتعرضت تجارة النفط للتهديد على إثر الاعتداء والهجوم على ناقلات النفط، ثم اغتالت واشنطن، بداية 2020، الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق، ما دفع إيران لرد محدود على قواعد عراقية فيها قوات أمريكية، دون حدوث أي ضرر يذكر.
كل تلك الأحداث أبقت الخليج أمام حالة مستمرة من الاستعدادات الأمنية للحفاظ على حالة الاستقرار التي تعيشها، ومحاولة المواصلة بتأمين النفط والطاقة لدول العالم.
وخلال سنوات الأزمة عُقدت اجتماعات أمنية عالية المستوى بين ممثلي دول الخليج، تحت رعاية مجلس التعاون، تضم وزراء الداخلية والدفاع ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية للتنسيق وتطوير التعاون فيما بينها، إلا أنها بحجم أقل من المعتاد قبل أزمة يونيو 2017.
ونظم مجلس التعاون اجتماعات اللجنة الأمنية أكثر من مرة، بحضور مديري هيئات الاستخبارات والأمن في القوات المسلحة بدول المجلس، وممثل عن القيادة العسكرية الموحدة، لبحث ومتابعة عدد من مواضيع العمل العسكري الخليجي المشترك.
واستمر وزراء داخلية الخليج في عقد اجتماعاتهم الدورية ذات الأهمية البالغة، تخللتها لقاءات استخباراتية، ومع حصول جائحة كورونا كثفت الدول من لقاءاتها بمختلف المجالات.
وقبل عقد المصالحة الخليجية بنحو شهرين اجتمع وزراء الداخلية الخليجيون، نهاية أكتوبر 2020، وناقشوا القضايا المتعلقة بتعزيز التعاون الأمني المشترك بين دول المجلس، إضافة إلى أبرز المستجدات الأمنية الإقليمية والدولية في ظل وباء كورونا.
وأوضح البيان الختامي أن "الاجتماع اتخذ القرارات التي من شأنها تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك، وتوحيد الجهود الخليجية المبذولة لمكافحة الجرائم والأعمال الإرهابية حفاظاً على أمن وسلامة مواطني دول المجلس والمقيمين على أراضيها".
غاب التنسيق العلني الدفاعي بداية الأزمة إلا أنه عاد في أكتوبر 2019، وفي نوفمبر 2020، حيث أجريت اجتماعات بين وزراء الدفاع الخليجيين، بهدف تعزيز العمل العسكري المشترك، واعتماد استراتيجية عسكرية لدول مجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك وتفعيل القيادة العسكرية الموحدة.
توافق أمني خليجي
مجلس التعاون الخليجي الذي يعد أقوى تكتل عربي موجود بين الدول العربية، ساهم منذ تأسيسه عام 1981، بالعمل على بناء منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية، وكانت التداعيات الأمنية هي السبب الأول في تشكيل هذا المكون الممتد على مساحة تقدر بأكثر من 2.6 مليون كيلومتر مربع.
واستطاعت دول المجلس أن تتوصل إلى العديد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية على مدار نحو 40 عاماً من التأسيس، إلا أن تحديات الأزمة الخليجية، والتوترات مع دول الجوار، وأزمات المنطقة، دفع بالحكومات الخليجية لإقرار "الاتفاقية الأمنية"، وبناء قيادة عسكرية مشتركة.
ووقعت الاتفاقية الأمنية بين دول الخليج عام 2012، تنص على التنسيق الأمني وضبط الحدود، والتعاون في مجال الإنقاذ، والالتزامات المتعلقة بتسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها الموجه إليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها.
وتنص مواد في الاتفاقية على أن تتبادل الحكومات المعلومات المتعلقة بالمواطنين والمقيمين، وعلى سبيل المثال تنص المادة الرابعة على أن تتعاون كل دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى عند الطلب بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة أو المقيمين بها، في مجالات اختصاصات وزارات الداخلية.
كما أسس مجلس التعاون القيادة العسكرية المشتركة، عام 2013، رغبة في الوصول إلى التعاون والتنسيق في مجالي الأمن والدفاع، والمحافظة على الاستقرار بدول المجلس، وتحقيق الدفاع الذاتي انطلاقاً من مبدأ الأمن الجماعي، ووقعت اتفاقية إنشاء مقر القيادة بالعاصمة السعودية الرياض عام 2019.
التعاون الأمني يفيد الخليج
وبعد المصالحة الخليجية من المتوقع أن يزداد التنسيق الأمني والاستخباري الخليجي لدرجات أكبر، في ظل انتهاء الخلاف الذي كان يقلل من التنسيق والاجتماعات إلى حدها الأدنى وسط التحديات الكبرى التي تواجه المنطقة.
ويعتقد المحلل السياسي نظير الكندوري، أن التنسيق الأمني بين الدول الخليجية المتخاصمة، لم يكن بأفضل حالاته خلال الأزمة الخليجية، بل إن هناك تقاطعات أمنية كبيرة بين قطر وبين باقي دول الحصار، فضلاً عن التقاطعات السياسية، وفي أكثر من ملف".
وقال، في حديث مع "الخليج أونلاين": "لم تكن ملامح التعاون الأمني الخليجي خلال فترة الأزمة الخليجية واضحة، بل ما حصل هو العكس، واستفاد من هذا الخلل الأمني دولة مثل إيران لتفرض حضورها في مياه الخليج، والولايات المتحدة التي استفادت من ترويج صفقات تسليحية ضخمة للدول الخليجية المتنازعة".
ويعتقد أن المصالحة الخليجية الحالية هشة، ولا يبدو أنها قد تسمح بالارتقاء بعلاقاتها إلى مستوى تعاون أمني وثيق، فما زال الوقت مبكراً للحديث عن مثل هذا التعاون، وإذا نظرنا بعين التفاؤل فيمكننا أن نتوقع في الفترة القريبة القادمة أن تهدأ الساحات التي كان فيها الصراع الأمني محتدماً بين الطرفين، كالساحة اليمنية والساحة الليبية، بالإضافة للقضية الفلسطينية.
وأشار الكندوري إلى أنه "لا أحد يستطيع أن يقول إن التعاون الاستخباراتي والعسكري بين دول الخليج لا يصب في خدمة تلك الدول وتوفير الأمن والطمأنينة لشعوبها، وأن الخلاف الذي دام أكثر من ثلاث سنوات قوض كثيراً من أمن دول الخليج وأصبح مسرحاً لعدد من الدول الكبرى ودول الإقليم، لتستعرض قوتها فيه".
وبين أن مواجهة السعودية لقدرات إيران العسكرية في الخليج تقوضت كثيراً في الوقت الذي كانت تستنفد جهودها بخصومتها غير المبررة لقطر، واستنزاف قوتها في حرب اليمن، وتشتيت قدراتها وقدرات دول الخليج على منازعات جانبية لا تصب في خدمة دولها".
وأكّد أنه "إذا ما أرادت دول الخليج، وبالذات السعودية، أن تعيد لدول الخليج هيبتها وسيطرتها على أمن دولها وأمن الخليج، فمن الضروري أن تساهم بشكل فاعل في حل الإشكالات المفتعلة بين دول الخليج، وتجاوز هذه الخلافات التي لم تستفد منها أية دولة خليجية، وسيكون وضعها الأمني هشاً بشكل كبير".