روبرت موغلينسكي - معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
تشير جهود المصالحة الجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى عودة أشكال مألوفة أكثر من المشاركة الاقتصادية الإقليمية. وبالرغم أن الإجراءات التصالحية تقدم لمحة من التفاؤل مع بداية عام 2021، إلا أن هذا يأتي في منطقة تعاني من تحديات اقتصادية خطيرة.
وفي أفضل السيناريوهات سوف تفسح الانكماشات الحادة في اقتصادات الخليج في عام 2020 المجال للنمو البطيء خلال عام 2021. وتقدم المصالحة الخليجية مكاسب اقتصادية متفاوتة للأطراف المشاركة. ويجب تسخير المكاسب الاقتصادية الضيقة والمتفاوتة لمواجهة التحديات الاقتصادية الملحة التي تواجه المنطقة، مثل التمويل الحكومي غير المستدام، والديون المتزايدة، وتعثر ملف التنويع الاقتصادي.
مكاسب غير متكافئة
وسوف تتمتع قطر بفوائد اقتصادية فورية من إعادة فتح الروابط الجوية والبرية والبحرية. ونجت الدولة الصغيرة الغنية بالغاز من عام 2020 في وضع مالي قوي نسبيا، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي يُتوقع أن تسجل ميزانية متوازنة للعام الماضي. وبعد أنباء التسوية، راجع مؤشر "ستاندرد تشارترد" توقعاته للنمو في قطر لعام 2021 من 2.1% إلى 3%.
ويمكن للمشاريع القطرية التي تنطوي على الوصول البري إلى السوق السعودية، مثل منطقة الكراعنة الاقتصادية الخاصة، وغيرها من الأنشطة التجارية بين الأقاليم، استئناف العمليات العادية. وفي الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت إعادة فتح الحدود القطرية السعودية، دخل السعودية 90% من بين 920 مركبة عبرت الحدود في الاتجاهين.
ومع ذلك، لم تكن قطر في أفضل حال. وبلغت نسبة ديون الحكومة القطرية إلى الناتج المحلي الإجمالي 76% في 2020، ارتفاعا من 60% في 2017. وتتوقع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن تسجل قطر عجزا من 2021 إلى 2024. ومن شأن زيادة إنتاج الغاز أن يعزز الإيرادات ويسمح للحكومة بتحقيق فوائض. ومع ذلك، تعتمد الموارد المالية في قطر إلى حد كبير على حالة سوق الغاز الطبيعي المسال غير المؤكدة، حيث حدثت ارتفاعات أخيرة في الأسعار وسط مخاوف من حدوث تخمة في الأسعار على المدى الطويل.
وتعد الفوائد الاقتصادية قصيرة الأجل للسعودية محدودة. وبطبيعة الحال، ترحب الشركات السعودية التي تقدم السلع والخدمات للمستهلكين القطريين بإنهاء المقاطعة. ويمكن الآن لعدد صغير من المواطنين القطريين والمقيمين الأثرياء التطلع إلى الوجهات السياحية وتجار التجزئة في المملكة، وهو الحال أيضا بالنسبة لأماكن مثل دبي. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي المخاوف المستمرة من فيروس كورونا إلى إضعاف الطلب على السفر غير الضروري داخل المنطقة.
ولا تعد قطر شريكا اقتصاديا تابعا للمملكة. ففي عام 2016، شكلت الصادرات السعودية إلى قطر 1% فقط من إجمالي الصادرات. ومن غير المرجح أيضا أن تؤدي حالة العلاقات السعودية القطرية وحدها إلى تغيير جذري في مسار اتجاهات الاستثمار الأجنبي في المملكة. وانخفض صافي التدفقات الوافدة من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية بشكل مطرد لما يقرب من عقد من الزمان قبل حصار قطر عام 2017.
وبدلا من ذلك، تسعى السعودية إلى جني مكاسب طويلة الأجل. ويساعد التقدم الواضح في التكامل الإقليمي الجهود السعودية لتطوير قطاع السياحة فيها وتعزيز مبادرات التنمية البارزة، مثل تلك على طول ساحل البحر الأحمر. وكذلك تسمح المصالحة الخليجية للمسؤولين السعوديين بإبراز حجة أقوى على ضرورة أن تنقل الشركات متعددة الجنسيات مقارها الإقليمية إلى الرياض.
وبعد المصالحة، من المتوقع أن تعوض مراكز التداول في الإمارات بعض الأعمال المفقودة. وخدم "جبل علي" لفترة طويلة كمركز إقليمي لإعادة التصدير للبضائع المشحونة إلى الدوحة، إلى أن حظر الميناء السفن التي ترفع العلم القطري، وواجهت تلك السفن المملوكة لقطريين وشركات الشحن الخارجية عقبات في وصولها إلى المراكز التجارية الإماراتية.
ويمكن استئناف الأنشطة التجارية الأخرى في "جبل علي" والتي تنطوي على مدخلات من قطر، مثل التجزئة أو التكرير البسيط للمكثفات القطرية. وكان الأمر قد استغرق ما يقرب من عام من موانئ رأس الخيمة، التي تشرف على المناطق الحرة البحرية في رأس الخيمة، لاستعادة أحجام التجارة المفقودة بسبب حصار قطر.
وتعني المكاسب التجارية لطرف خسارة أطراف أخرى. واستفادت الموانئ والمطارات والمناطق الحرة العُمانية بشكل كبير من إعادة توجيه البضائع والركاب الذين ينتقلون من قطر وإليها. وبين عامي 2016 و2018، زادت الصادرات العمانية إلى قطر من 389 مليون دولار إلى 1.83 مليار دولار، في حين قفزت الواردات العمانية السنوية من قطر من 228 مليون دولار إلى 1.05 مليار دولار. ومع إزالة القيود التجارية على قطر من دول الخليج الأخرى يصبح من الصعب على عُمان الاحتفاظ بهذا المستوى من التجارة الثنائية.
وكذلك عزز الحصار شراكات قطر الاقتصادية مع تركيا وإيران. ونمت الواردات القطرية من تركيا من 632 مليون دولار إلى 1.23 مليار دولار بين عامي 2017 و2018. وأجبر الحصار الخطوط الجوية القطرية، وهي أحد أعمدة صناعة الطيران في البلاد، والتي شكلت 11% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر في عام 2014، على الاعتماد على المجال الجوي الإيراني ودفع رسوم لذلك.
وفي حين أن الحكومة القطرية لن تسمح على الأرجح لهذه العلاقات التجارية الاستراتيجية بالضمور، فإن التوافر الجديد للترتيبات الاقتصادية البديلة يقلل في النهاية من اعتماد الدوحة على أنقرة وطهران.
ردود أفعال المستثمرين على مستوى الشركات
وتؤثر المصالحة الخليجية بشكل إيجابي على الشركات والمستثمرين العاملين في صناعات محددة، بالرغم أن فيروس "كورونا" يضع سقفا للمكاسب التجارية المحتملة. وقد تحسنت آفاق الخطوط الجوية القطرية بشكل طفيف، ولكن يجب أن تتعامل الشركة مع توقعات قاتمة تواجه صناعة الطيران العالمية.
وتواجه شركات الخدمات اللوجستية الإقليمية تحديات فيما تسعى إلى تلبية زيادة الطلب على التجارة الإلكترونية جنبا إلى جنب مع الاختناقات والاضطرابات في سلاسل التوريد. ويمكن لشركات الاستشارات التي تتخذ من الخليج مقرا لها متابعة العقود في جميع أنحاء المنطقة مع قدر أقل من الخوف من أن المشاركة في بلد ما قد تحد من الفرص في بلدان أخرى. ومع ذلك، فإن التخفيضات واسعة النطاق في الميزانية تعني عددا أقل من المشاريع في المستقبل المنظور.
وقد تحظى المبادرات التجارية الإقليمية باهتمام متجدد وسط جهود المصالحة الخليجية. ويتطلب مشروع سكك حديد مجلس التعاون الخليجي والذي تبلغ تكلفته 15 مليار دولار، دعما ماليا ثابتا. ويمكن أن يساعد تداول الطاقة الأكثر كفاءة من خلال شبكة الطاقة الخليجية في تقليل استهلاك الطاقة. وقد تصبح قطر والإمارات وعُمان أعضاء في منظمة التعاون الرقمي، التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من قبل السعودية والكويت والبحرين والأردن وباكستان لتعزيز التعاون متعدد الأطراف في الاقتصاد الرقمي.
وربما يؤدي التعاون الأكبر في الأحداث الكبرى، مثل "إكسبو 2020 دبي"، الذي تم تأجيله إلى عام 2021، وكأس العالم لكرة القدم "قطر 2022"، إلى توزيع الفوائد الاقتصادية للسياحة الوافدة بشكل أفضل عبر المنطقة.
وبالرغم من التفاؤل الأولي المحيط بجهود المصالحة، فلا تزال هناك مخاطر سياسية مرتبطة بالمشاريع والمبادرات التي قد تتأثر إذا ما تجددت التوترات. ولن تنسى الحكومات والشركات والمستثمرون الإقليميون بسهولة الاضطرابات التي بدأت في عام 2017. وستكون الشكوك الاقتصادية المرتبطة بفيروس كورونا بمثابة مكابح تعمل على تهدئة طموحات رجال الأعمال والمستثمرين المتحمسين لإحياء الأنشطة العابرة للحدود التي كانت قد تأثرت بالأزمة الخليجية.
ومع ذلك، يظل الوباء العالمي وما تلاه من تداعيات اقتصادية بمثابة تذكير مهم بفوائد التعاون.