الخليج أونلاين-
على رمال العُلا طويت صفحة الخلاف الخليجي، في يناير الماضي، والذي استمر أكثر من ثلاث سنوات، وفتحت صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الخليجية، لتبدأ بعدها جولات ماراثونية بين أطرف الأزمة لتطبيع العلاقات، لا سيما بين الرياض والدوحة.
ووصلت ذروة هذا التقارب إلى دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لزيارة الرياض، وفي حال لقائهما فإنه سيكون الأول منذ منتصف عام 2017.
وقالت وكالة "قنا" القطرية الرسمية، إن وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحث يوم الاثنين 26 أبريل، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مستجدات الوضع في المنطقة، ومسيرة التعاون الخليجي، قبل أن يلتقي الأخير بأمير قطر ويسلمه رسالة من الملك سلمان.
خطوات نحو تطبيع العلاقات
هذه الدعوة سبقها العديد من خطوات تطبيع العلاقات؛ ففي فبراير الماضي، أكد الشيخ تميم، في أول اتصال هاتفي بعد المصالحة مع الملك سلمان، دعمه لاستقرار وسيادة السعودية.
وفي مارس الماضي، تلقى أمير قطر رسالة من العاهل السعودي نقلها بن فرحان خلال زيارة كانت الأولى له إلى الدوحة منذ إعلان المصالحة الخليجية.
ومطلع أبريل الجاري، ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن لجنة المتابعة السعودية القطرية بدأت أعمال اجتماعها الأول في ديوان وزارة الخارجية بالرياض في إطار المصالحة الخليجية.
وأوضحت "واس" أن "اجتماعات اللجنة تأتي تنفيذاً لإرادة قيادتي البلدين الشقيقين، وما تضمنه بيان العلا، وتجسيداً للروابط الأخوية بين البلدين".
ومنتصف الشهر، أجرى القائم بالأعمال القطري بالإنابة لدى السعودية، حسن بن منصور الخاطر، مباحثات مع وكيل وزارة الخارجية السعودية المكلف بشؤون المراسم، مشاري بن نحيت، هو الأول له بعد المصالحة.
وفي اليوم التالي اجتمع الخاطر مع وكيل وزارة الخارجية السعودية تميم الدوسري، بمقر السفارة القطرية في العاصمة الرياض؛ لـ "استعراض علاقات التعاون الثنائي بين البلدين".
وفي مارس الماضي، بحث الأمين العام لوزارة الخارجية القطرية أحمد الحمادي، مع القائم بأعمال سفارة السعودية لدى الدوحة علي القحطاني، العلاقات الثنائية بين البلدين في الدوحة، في ثاني لقاء يجمع القحطاني مع مسؤول قطري رفيع منذ إعلان المصالحة الخليجية.
وخلال الشهر نفسه أجرى وزير الداخلية القطري خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني، أول اتصال هاتفي مع نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود آل سعود، بحثا فيه سبل تطوير التعاون الأمني بين البلدين.
رئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية (قياس)، د. ماجد الأنصاري، يقول إنه في حال تمت زيارة الشيخ تميم للرياض فمن المتوقع أن تشهد لقاء مع العاهل السعودي.
وأشار في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الأسابيع الماضية شهدت تنسيقاً بين البلدين حول عدد من الملفات الإقليمية، وإن لم تتضح ملامح هذا التنسيق حتى الآن.
الوساطة مع إيران
وتسعى قطر والمملكة إلى الاستفادة بشكل كبير من مكسب المصالحة، لينعكس على العلاقات الإقليمية وإصلاحها، والتي تضررت بشكل كبير خلال سنوات الأزمة.
إحدى أهم هذه العلاقات هي العلاقة مع طهران، التي ترتبط معها الدوحة بعلاقات متميزة، في حين وصلت إلى مرحلة العداء مع المملكة.
وسبق أن أعربت قطر بالفعل عن استعدادها لتسهيل الحوار مع إيران بشأن الأمن الإقليمي، فعقب أيام من المصالحة، وتحديداً في 19 يناير الماضي، قال وزير خارجية قطر لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية: إن "الوقت قد حان كي تبدأ دول الخليج العربية المحادثات مع إيران الآن"، مشيراً إلى "احتمال إجراء محادثات بين الولايات المتحدة وإيران".
وبيّن "آل ثاني" أن بلاده تأمل في "عقد قمة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي الستة وإيران، وهذه أيضاً رغبة تشاركها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى".
وكان لافتاً أن دعوة العاهل السعودي لأمير قطر لزيارة المملكة جاءت بالتزامن مع تسلم أمير دولة قطر رسالة شفوية من الرئيس الإيراني حسن روحاني، نقلها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن الرسالة "تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها والقضايا ذات الاهتمام المشترك".
وتأتي زيارة رئيس الدبلوماسية الإيرانية بعد أيام من تقارير صحفية غربية تحدثت عن استضافة بغداد لقاء بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين، في 9 أبريل الجاري، سبقه عرض قطري للوساطة بين دول الخليج وإيران، رحبت فيه الأخيرة.
وحول احتمالية قيام قطر بدور في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، قال الأنصاري لـ"الخليج أونلاين": إنه "لا توجد معلومات بشأن تنسيق مباشر بخصوص قضايا ساخنة كقضية إيران"، مضيفاً: "لا شك أن قضايا مثل إيران وليبيا واليمن ستطرح خلال لقاء الزعيمين".
إصلاح العلاقات مع تركيا
الملف الثاني الأكثر تضرراً من الأزمة الخليجية كان العلاقات السعودية التركية، فمع بدء الأزمة الخليجية عام 2017، لم تقف تركيا موقف المتفرج، ولم تكن على الحياد، بل ساندت قطر منذ اللحظة الأولى، وأرسلت لها مساعدات غذائية مستعجلة عبر جسر جوي، ودعت الدول الأربع، وعلى رأسها السعودية (التي كانت على صلة وثيقة بها)، لإنهاء الخلاف عبر الحوار، إلا أن ذلك لم يحدث حينها.
وما أزم العلاقات أكثر بين الرياض وأنقرة كان اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وإصرار تركيا على تسليم الجناة، كما انتقدت في أكثر من مناسبة على لسان كبار مسؤوليها المحاكمة التي أجرتها الرياض لقتلة خاشقجي.
لكن ومع المصالحة سارعت أنقرة للترحيب بها، حيث قال بيان للخارجية التركية: إن "تركيا شريك استراتيجي لمجلس التعاون الخليجي، وتولي أهمية كبيرة لأمن منطقة الخليج واستقرارها"، مشدداً على أن حل الأزمة الخليجية ينعكس إيجاباً على علاقات أنقرة مع تلك الدول، خصوصاً الاقتصادية منها.
وكان وقت الدعوة لافتاً أيضاً؛ حيث تزامن مع إعلان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أن أنقرة تبحث تحسين العلاقات مع السعودية وحليفتها مصر، مؤكداً احترام بلاده لقرار المحكمة السعودية بشأن مقتل خاشقجي، في خطوة كبيرة تسجل تراجعاً عن مواقف أنقرة المشددة من الجريمة.
وأضاف في حديث مع وكالة "رويترز": "إننا نبحث سبل إصلاح العلاقات مع السعودية بأجندة أكثر إيجابية"، مبيناً بخصوص محاكمة قتلة خاشقجي: "لديهم محكمة أجرت محاكمات، اتخذوا قراراً، ومن ثم فنحن نحترم ذلك القرار".
وفيما يتعلق بالتقارب التركي السعودي يرى الأنصاري أنه "يجري بشكل مباشر ولا يحتاج لوساطة"، مشيراً إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انفراجة كبيرة بين البلدين، خاصة أن العلاقات قبل 2017 كانت وثيقة جداً.