عماد حرب/المركز العربي واشنطن دي سي -
يبدو أن مجلس التعاون الخليجي يقترب من خلاف آخر غير مرحب به، وهذه المرة بين أكثر أعضائه نفوذا وتأثيرا، السعودية والإمارات، بعد أن لعبا دورا أساسيا في حصار قطر الذي استمر 3 أعوام ونصف؛ ما ألحق الضرر بصورة مجلس التعاون الخليجي.
وتم رفع الحصار عن قطر خلال القمة الـ41 لمجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني الماضي في مدينة العلا السعودية، بالرغم أن العلاقات مع قطر لم تعد إلى وضعها الطبيعي بعد.
ومثل ذاك الخلاف، فإن الخلاف بين السعودية والإمارات الآن قد يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه لمجلس التعاون الخليجي، الذي يواجه تحديات اقتصادية وجيوسياسية خطيرة لا يمكن معالجتها دون الوحدة والتنسيق والتعاون.
وخلال الأيام القليلة الماضية، وجدت السعودية والإمارات نفسيهما على خلاف على جبهتين اقتصاديتين رئيسيتين. وأعلنت السعودية، الإثنين، عن تغيير في القواعد الخاصة بالواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وهي سياسة من شأنها أن تؤثر بشكل خطير على السلع التي تنتجها الشركات العاملة في المناطق الاقتصادية الحرة، أو المنتجات التي تحتوي على مكونات إسرائيلية.
وتشير حقيقة أن الإمارات هي الشريك التجاري الثاني للسعودية بعد الصين إلى أن المملكة جادة في تحدي جدول الأعمال الاقتصادي الإماراتي الصاعد في المنطقة، بينما تنتقد أيضا علاقات أبوظبي مع إسرائيل بلا مواربة.
وقدمت السعودية والإمارات وجهات نظر متباينة خلال الاجتماع الافتراضي الأخير لـ"أوبك+"، لتنظيم إنتاج النفط وتسعيره للأشهر الـ6 المقبلة حتى عام 2022. وقادت السعودية الدول الأعضاء للموافقة على اقتراح لزيادة إنتاج النفط بدءا من أغسطس/آب بدفعات شهرية قدرها 400 ألف برميل في اليوم، للوصول إلى زيادة قدرها 2 مليون برميل يوميا بحلول نهاية 2021.
واعترضت الإمارات على الاقتراح، حيث قال وزير الطاقة والبنية التحتية "سهيل المزروعي" إن الاتفاق لم يكن مرضيا، وأصر على زيادة حصة بلاده من إنتاج النفط. وانهار الاجتماع دون اتفاق، بما في ذلك موعد انعقاده مرة أخرى.
وبالنظر إلى السجل الحديث للإمارات في اتخاذ القرارات بشكل منفرد، فليس من الصعب تخيل أن الخلاف مع السعودية بشأن إنتاج النفط يمكن أن يؤدي إلى خروج الإمارات من "أوبك"، وبالتالي إبعاد نفسها عن المصالح المشتركة المزعومة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وسيكون رحيل الإمارات مختلفا عن رحيل قطر في بداية عام 2019 عندما كانت الدوحة تحت الحصار؛ حيث كانت قطر تنتج فقط نحو 600 ألف برميل يوميا، وأرادت التركيز على إنتاج الغاز. ولم يؤثر قرار الدوحة بمغادرة "أوبك" على سياسات المنظمة أو إنتاجها.
في المقابل، بلغت حصة الإمارات 3.6 ملايين برميل في اليوم اعتبارا من مارس/آذار 2021، وبالتالي فإن رحيلها سيكون له عواقب وخيمة.
وللخلاف السعودي الإماراتي حول القضايا الاقتصادية ميزة سياسية واستراتيجية. وعلى مدى الأعوام الـ3 الماضية، لم تتردد الإمارات في اتخاذ مسار منفرد يعتمد علي مصلحتها الذاتية، لا سيما في اليمن، الذي تعتبره السعودية فنائها الخلفي.
ودعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وتشارك أيضا في إنشاء قواعد اقتصادية وعسكرية في جزيرتي "سقطرى" و"ميون" على مضيق باب المندب.
إضافة إلى ذلك، تعمل الإمارات على توسيع نفوذها ليشمل القرن الأفريقي من خلال بناء تحالفات وعلاقات اقتصادية من شأنها التأثير على المصالح السعودية في المنطقة.
وفي الآونة الأخيرة، حققت الإمارات نجاحات مع الدولتين الانفصاليتين في الصومال، أرض الصومال وبونتلاند، في عملية تهدف لتفكيك الدولة الصومالية الفيدرالية.
وبالرغم من المظاهر التي تشير إلى عكس ذلك، فإن السعودية ترى في الإمارات منافسا في الجوار يجب معالجة تجاوزاته عاجلا أم آجلا.
فهل يؤدي الخلاف الأحدث في مجلس التعاون الخليجي، وهذه المرة بين أعضائه الأكثر نفوذا، إلى شقاق خطير شبيه بالذي نشأ بعد حصار قطر في يونيو/حزيران 2017؟
حسنا، مع وجود قادة طموحين وأقوياء مثل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، قد يكون هذا الصدع عميقا جدا وصعب التعافي.
ويجب أن تدرك السعودية والإمارات مخاطر السماح للمصالح الذاتية أن تؤثر على المصالح المشتركة لمجلس التعاون الخليجي الذي احتفل الشهر الماضي فقط بمرور 40 عاما على تأسيسه.