أندرياس كريج/ ميدل ايست اي - ترجمة الخليج الجديد-
تعد الزيارة المفاجئة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي "طحنون بن زايد آل نهيان" إلى قطر أهم زيارة يقوم بها مسؤول إماراتي رفيع للدوحة، منذ أن أدى الربيع العربي لتصادم البلدين الخليجيين في الرؤى والسرديات الأيديولوجية.
وبقدر أهمية هذه الزيارة للأمن والاستقرار الإقليميين ينبغي رؤيتها في سياق بيئة أمنية إقليمية ديناميكية بشكل غير مسبوق بفعل انسحاب القيادة الأمريكية من الشرق الأوسط.
رسالة من أفغانستان
أرسلت التطورات الأخيرة في أفغانستان رسالة إلى أبوظبي مفادها هشاشة النظام الإقليمي الأوسع.
وأدت صور القوة العظمى المهزومة وهي تحاول بيأس السيطرة على آخر خط عبور لها في كابول إلى إقناع "طحنون" -العقل الاستراتيجي لأبوظبي- بأن البحث عن الأمن القومي وأمن النظام لا يمكن أن يعتمد فقط على الدعم من واشنطن.
وبدلا من ذلك، يتطلب الأمر من الإمارات أن تصبح أكثر واقعية في تكوين الشبكات والعلاقات في جميع أنحاء المنطقة إذا لزم الأمر، حتى مع الخصوم الأيديولوجيين في الدوحة وأنقرة.
العقلية الصفرية الإماراتية
تراجعت أهمية أبوظبي في المنطقة منذ اتفاق العلا (الذي تفاوضت عليه السعودية مع قطر في المقام الأول)؛ حيث وضع نهاية لأزمة الخليج.
كما تمكنت قطر من إصلاح العلاقات مع مصر والسعودية بشكل تجاوز في بعض الأحيان كونه مجرد سلام بارد.
وسمح ذلك للدوحة بالتعاون مع القاهرة لتسهيل وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" في الوقت الذي جرى فيه تهميش أبوظبي التي فشلت في الوفاء بوعدها بالاستفادة من اتفاقيات أبراهام لتعزيز عملية السلام.
وفي الوقت نفسه، ناقشت السعودية وقطر التعاون الأوثق في مجموعة من الملفات، الذي بلغ ذروته في إنشاء مجلس التعاون السعودي القطري، في وقت انتقلت فيه العلاقات الثنائية بين أبوظبي والرياض من مرحلة شهر العسل كما كان عام 2017 إلى التصادمية أكثر في عام 2021.
وفي حين شارك "طحنون" في تدبير حصار قطر، الذي كان يهدف لعزل الدوحة إقليميا ودوليا، فقد خرجت قطر منه بروابط أوثق مع واشنطن، وتم الاعتراف بها كشريك ووسيط موثوق به في المنطقة.
وظهر تناقض صارخ بين العقلية الصفرية لأبوظبي وبين عودة قطر كوسيط في فلسطين وأفغانستان والقرن الأفريقي وإيران من بين أماكن أخرى.
حملة الثورة المضادة
وخلال العقد الماضي، ظلت أجندة أبوظبي متأثرة بحملتها المناهضة للثورات.
كما إن حملتها الناجحة لدعم الانقلاب في مصر في عام 2013، عززت اعتقادا لدى "آل نهيان" بأن الإمارات يمكن أن تنتقل من كونها دولة صغيرة إلى قوة إقليمية بين عشية وضحاها، ليس باستخدام القوة الناعمة فقط، وإنما القوة الخشنة أيضا، والأهم من ذلك القوة الذكية التي تساعدها على تحقيق أهدافها.
وأدى سلوك الإمارات العدائي المدفوع بالخوف الوجودي من الإسلام السياسي وثورات الشعوب إلى جعل الإمارات تتدخل عسكريا في ليبيا واليمن لتشكيل بيئة ما بعد الثورة هناك؛ مما كلفها ثمنا باهظا وخسائر في سمعتها.
أما بالنسبة لتونس، فإن نجاح الإمارات في تعبئة وتوجيه المظالم العامة في تونس لتشجيع الرئيس "قيس سعيد" على تعطيل البرلمان وقمع الإسلاميين، أظهر أن أبوظبي كان بإمكانها تحقيق ما هو أكثر بتكلفة أقل.
وبالتالي ربما تكون القوة الذكية والدبلوماسية في الوقت الحالي مميزات أكثر فعالية للإمارات التي ترى نفسها قوة إقليمية.
ويمكن لبناء شبكات العلاقات وتحقيق مواقف يستفيد منها الطرفان أن يحافظ على المصالح الإقليمية للإمارات بشكل أكثر فعالية من العقلية الصفرية الأكثر عنفا.
وبالنظر إلى الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأمريكي، فلا يمكن لأبوظبي تجاهل المنافسين والخصوم من أصحاب المصالح المتنافسة.
البراجماتية الجيوسياسية
مثلما أظهرت أبوظبي سلوكا براجماتيا من خلال الحوار مع إيران عام 2019 في خضم هجمات إيرانية على البنية التحتية البحرية في الخليج، يبدو أن "طحنون" وشقيقه "محمد بن زايد" يتبعون الآن شعار: "إذا كنت لا تستطيع التغلب عليهم، انضم إليهم".
وهكذا، ففي حين أنه من المبالغة اعتبار زيارة "طحنون "إلى قطر قبولا متأخرا بالهزيمة، إلا إنه من المهم التغلب مؤقتا على الاختلافات الإيديولوجية مع أنقرة وقطر لتأمين المصالح الجيوسياسية للإمارات.
ومع ذلك، فإن هذه البراجماتية الجيوسياسية ستكون مؤقتة؛ حيث تظل الاختلافات الأيديولوجية أساس المنافسة الإقليمية بين الدوحة وأبوظبي.
وفي حين أن ذلك قد يخلق هدوءا مهما في بيئة المنطقة المشحونة، إلا إن استمراره سيكون محكوما فقط بتفوق نفعه على المواجهة المباشرة.
وفي الوقت نفسه، سيوفر هذا الهدوء مساحة كافية لأبوظبي والدوحة ليتنافسا بوسائل بديلة؛ حيث ستستمر سردية كل منهما في الاشتباك مع الأخرى، ويتوقع أن يكون الاشتباك القادم للسرديات قريبا جدا مع تحرك ليبيا نحو الانتخابات.