وورلد بوليتيك ريفيو- ثاناسيس كامبانيس - ترجمة الخليج الجديد-
الحوار أمر جيد، لكن إلى أي مدى يجب أن تُرفع التوقعات والآمال الآن بأن الخصوم في الشرق الأوسط يتحدثون من دون أن يضعوا بالضرورة حدا لنزاعاتهم؟
فقد شهد يوم 17 سبتمبر/أيلول الجاري "استعراضا دبلوماسيا علنيا" جديدا على المنطقة عندما قام أحد مساعدي ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بنشر صورة، عبر حسابه على "تويتر"، تظهر 3 سياسيين ذوي ثقل، وهم يقضون وقتا على البحر الأحمر، ويرتدون ما يبدو أنها ملابس بحر.
ويظهر في الصورة مبتسما كل من "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للسعودية، والشيخ "طحنون بن زايد آل نهيان" مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، والشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" أمير قطر.
يبدو أن التصاعد الدبلوماسي الأخير يدعم حجة المسؤولين بالمنطقة، إضافة إلى العديد من المراقبين الخارجيين، لا سيما في الولايات المتحدة، أنه إذا تراجعت واشنطن والقوى الأجنبية الأخرى ببساطة فإن حكومات الشرق الأوسط ستتقدم، وستقوم بدور أكثر فاعلية تجاه حل خلافاتها.
على سبيل المثال، وفقا لـ"تريتا بارسي"، من معهد "كوينسي للحكم الرشيد" بواشنطن، فإن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة بالمنطقة، من دون الحواجز التي تأتي من ضمانات أمنية أمريكية مفتوحة، يختارون التفاوض مع خصومهم، بدلا من السعي وراء أجندات متطرفة وإشعال فتيل النزاعات المسلحة.
لكن، لسوء الحظ، لا يبدو أن السياق التاريخي يدعم مثل هذه الرؤية المتفائلة.
فالدبلوماسية بالطبع هي الأفضل دائما على النزوع للحرب، ومن الإيجابي رؤية حكومات الشرق الأوسط تتحدث بدلا من القتال. لكننا قد نخالف حكم التاريخ، وسنكون ذاتيين قليلا، إذا استنتجنا أن الحكومات الإقليمية تتحدث فقط بسبب شيء فعلته الولايات المتحدة أو لم تفعله.
ومن غير الواقعي أن نعتقد أن الحوار بحد ذاته سينهي الخلافات الرئيسية التي تفرق بين اللاعبين الإقليميين، الذين كانوا أهم محركات الصراع وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الكبير.
فالتقارب الحقيقي لن يتحقق إلا إذا قامت أقوى الحكومات في المنطقة -السعودية والإمارات وإيران وتركيا وإسرائيل- بإعادة تقييم بعض مصالحها غير المتوافقة حاليا.
لقد بدأ الفعل تغيير جدي على بعض الجبهات، وإن لم يكن بالضرورة بشكل يؤدي إلى تهدئة التوترات الإقليمية.
فقد انتهى الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني 2021؛ حيث تمت استعادة العلاقات رسميا بين قطر ومنتقديها البارزين، السعودية والإمارات. وكانت صورة "بن سلمان" و"طحنون" و"تميم" دليلا على هذا الذوبان في الخلاف.
لكن لن يتحقق التقارب الحقيقي إلا عندما تعيد أقوى الحكومات في المنطقة تقييم بعض مصالحها غير المتوافقة حاليا.
لقد مر أكثر من عام على "اتفاقيات إبراهيم"، اتفاقيات التعاون التاريخية بين حكومات إسرائيل والعديد من جيرانها العرب.
ومثلت تلك الاتفاقات تغييرا جذريا رسميا في سياسة دول عربية تعد من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، والتي اختارت تنحية قضية الحقوق الفلسطينية جانبا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما يشمل تعميق الشراكات الأمنية التي كانت خفية سابقا، وحدث ذلك رغم غياب أي تسوية نهائية -أو حتى تقدم في حل- الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما تم فتح قنوات جديدة أخرى للدبلوماسية الإقليمية، بما في ذلك المحادثات بين إيران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، والتواصل التركي مع الحكومات العربية -بما في ذلك مصر والإمارات- والتي كانت على جفاء بسبب اختلاف وجهات النظر حول الثورات العربية.
كل هذا الحوار مرحب به، لكن هل سيسفر بالفعل عن نتائج مثمرة تستحق الاحتفال؟
يرى "بارسي" أن "انسحاب بايدن الوشيك من المنطقة فتح بشكل متوقع إمكانات غير مستغلة للاعبين في الشرق الأوسط لحل مشاكلهم بأنفسهم ومحاولة بناء الهياكل اللازمة لضمان منطقة أكثر سلاما واستقرارا".
في الواقع، تعد الدبلوماسية الجارية، في أغلبها، نوعا من المناورة وإعادة الاصطفاف من أجل مزيد من الصراع.
فدول مجلس التعاون الخليجي غارقة في شراء السلاح، وأغلبه من الولايات المتحدة، وتبحث عن طرق لمواجهة إيران؛ والتوجه الأخير كان عاملا رئيسيا في حل الخلاف الخليجي، والدخول في شراكة مفتوحة مع إسرائيل.
في غضون ذلك، تواصل إيران بسط نفوذها بالمنطقة من خلال تدخلاتها السياسية والعسكرية الخرقاء في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
كما تظل الاختلافات الاستراتيجية العميقة الأخرى دون حل، ومن المحتمل أن تكون مزعزعة للاستقرار، كما كانت دائما.
لقد قامت دول الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى ببناء قدراتها العسكرية وتستخدمها للتدخل في النزاعات الإقليمية.
إن خريطة اللاعبين والتدخلات شاسعة وفوضوية، ولا تقع حكومات المنطقة في معسكرات واضحة، حتى لو كانت هناك بعض الاصطفافات الاستراتيجية إلى حد كبير، على غرار المؤيدين والمعارضين للإسلاميين، والمؤيدين والمعارضين لإيران، والمؤيدين والمناهضين للاستبداد.
اليوم، يمكن القول إن المنطقة بأكملها تضم 4 دول فقط تحتوي على عناصر من الحكم الديمقراطي هي إسرائيل وتركيا والعراق ولبنان، والأخيرة بالكاد.
يتمتع القادة الاستبداديون في المنطقة بسجل ثابت من الحكم السيئ، واتخاذ خيارات سياسية سيئة، واستخدام القوة لمتابعة أجندات متطرفة، مدركين أنهم إذا فشلوا ، فقد يعاني رعاياهم، لكنهم سيبقون في السلطة.
لقد لعبت الولايات المتحدة بالتأكيد دورا في إثارة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم الديكتاتوريات بهذه المنطقة.
فقد زرع التدخل الأمريكي الفوضى في العراق وفاقم الوضع في العديد من مناطق الصراع الأخرى.
لكن منذ عام 2010 على الأقل، كان المستبدون بالمنطقة المسؤولين الأساسيين عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
إن غياب المساءلة على السلوك الاستبدادي، وليس المظلة الأمنية للولايات المتحدة، هو الخطر الأخلاقي النهائي الذي يحاصر المنطقة في دائرة من العنف والحكم السيئ.
وبالتأكيد لن تجعل الدبلوماسية الإقليمية الأمور أسوأ، بل قد تحل بعض الخلافات.
لكن طالما أن المنطقة يسيطر عليها سلطويون، فلن ينهي أي نوع من الحوار الصراع وعدم الاستقرار المتنفاقم بها.