دينا غاليفا | منتدى الخليج الدولي – ترجمة الخليج الجديد-
على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، التقى أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" مع العاهل البحريني الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" للمرة الأولى منذ إنهاء السعودية ومصر والإمارات والبحرين حصارهم لقطر. وبالرغم من انتهاء الأزمة رسميا في يناير/كانون الثاني 2021، فقد أبقت البحرين مجالها الجوي مغلقًا أمام قطر حتى هذا الاجتماع.
وهناك فرق كبير بين التوترات بين البحرين وقطر والخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وقطر. وخلال الأزمة الخليجية (2017-2021)، ركزت معظم التحليلات على طبيعة العلاقات المعقدة بين قطر والسعودية والإمارات. ومع ذلك، فإن العلاقات بين البحرين وقطر أكثر تعقيدا، وهو ما تجلي في كون البحرين آخر دولة تفتح مجالها الجوي أمام قطر.
ويمكن القول إن الأزمة بين قطر والبحرين تعود جذورها إلى فترة ما قبل الاستعمار والعلاقات بين العائلتين الحاكمتين، "آل خليفة" في البحرين و"آل ثاني" في قطر. وكان يُنظر إلى قطر في البداية على أنها "أخت البحرين الصغيرة"، حيث ظهر تاريخ قطر الحديث عندما هاجرت عائلة "آل خليفة" مع عائلات أخرى من الكويت إلى الساحل الغربي لقطر بالقرب من الزبارة. وفي ذلك الوقت، كانت الدوحة والفويرات والحويلة قرى صيد صغيرة على الساحل الشرقي.
وبعد الاستقرار في قطر عام 1783، غزا "آل خليفة" البحرين وأسسوا سلالة حاكمة جديدة هناك. واستمرت عائلة "آل خليفة" في السيطرة على الزبارة والبلدات الصغيرة في غرب البلاد، بالرغم من أنهم كانوا متمركزين في البحرين حتى هُزموا في حرب دموية ولكن قصيرة في عام 1867 عندما كان "آل خليفة" مدعومين من "آل نهيان" في أبوظبي.
واستمرت المطالبات القطرية والبحرينية المتضاربة بشأن منطقة الزبارة في شبه جزيرة قطر وجزر حوار إلى أن تم حلها من قبل محكمة العدل الدولية في عام 2001 حيث منحت حوار إلى البحرين وأكدت ملكية قطر للزبارة. ويعقّد هذا التاريخ العلاقات الحديثة بين الدولتين حتى اليوم.
وتدهورت العلاقات بشكل أكبر بسبب الصراع على جذب ولاء رجال القبائل. وفي 2014، اتهمت البحرين قطر بمنح بعض العائلات البحرينية الجنسية القطرية مقابل التخلي عن الجنسية البحرينية. ووجه وزير خارجية البحرين اتهامات علنية لقطر بالتورط في "التجنيس الطائفي" لمواطني البلاد. وسهلت الحكومة القطرية تجنيس القبائل البحرينية من خلال تسهيل الإجراءات القانونية التي يمكن من خلالها الحصول على الجنسية القطرية وهي العملية نفسها التي كانت تتطلب في السابق التخلي عن الجنسية البحرينية والإقامة لمدة 3 سنوات في قطر، حيث استُبدلت بـ "قرارات تُتخذ في غضون 24 ساعة فقط".
يشك البحرينيون في أن سياسة التجنيس في قطر تستهدف القبائل السنية البحرينية التي تحظى باحترام كبير والتي تشغل أدوارًا مهمة داخل الحكومة البحرينية وقوات الأمن. ومن أحدث الأمثلة على هذه الظاهرة، ما ذكره المتحدث الرسمي باسم قوة دفاع البحرين في عام 2019 بشأن "ياسر عذبي الجلاهمة"، الذي فر إلى قطر وحصل على الجنسية القطرية.
ولفت انتباه البحرين إلى ذلك بعد أن ظهر في برنامج الجزيرة "ما خفي أعظم". وعلق الناطق باسم قوة دفاع البحرين بالقول: "مزاعم ياسر الجلاهمة، كاذبة تمامًا وتشويشًا للحقائق على الأرض"، واصفًا الاتهامات التي أطلقها بأنها "سلسلة من المؤامرات ضد مملكة البحرين في سياق محاولات تقويض مجلس التعاون الخليجي وإثارة الفتنة بين أعضائه".
ونتيجة لذلك، تبرأت عائلة "الجلاهمة" من "ياسر عذبي الجلاهمة" وأكدت دعمها للقيادة البحرينية. وفي وقت سابق، ذكرت قناة "العربية" التي تسيطر عليها السلطات السعودية أن قطر عرضت أيضًا الجنسية على أفراد آخرين من قبيلة "الجلاهمة" الذين عملوا مع قوة دفاع البحرين، بما في ذلك "صلاح محمد علي الجلاهمة" و"ياسر عتبي شملان الجلاهمة" و"علي راشد الجلاهمة".
يتعلق عرض الجنسية على أفراد قبيلة "الجلاهمة" بمناصبهم في البحرين، فضلاً عن أهمية القبيلة وتاريخها كمنافس لـ"آل خليفة". وفضلا عن النزاعات الحدودية والجانب القبلي للنزاع الثنائي، تساهم هذه المخاوف في العوامل المعقدة التي تدعم التوترات بين البحرين وقطر.
كما أدت تغطية قناة "الجزيرة" لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين إلى تعميق الأزمة بين البحرين وقطر. على سبيل المثال، تم توزيع الفيلم الوثائقي "البحرين.. الصراخ في الظلام"، من إنتاج قناة الجزيرة الإنجليزية، على نطاق واسع على الخطوط الجوية القطرية. واعتبرت البحرين أن هذا السلوك الإعلامي غير مسبوق ومدمر للغاية للعلاقات، وساهم ذلك في تعميق الأزمة الخاصة بين البلدين.
وبالفعل، دفعت هذه البرامج دول الحصار إلى المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المؤسسات الإخبارية التابعة لدولة قطر. وبالرغم من التقدم الذي حققته قمة العلا في يناير/كانون الثاني 2021، ظلت العلاقات بين المنامة والدوحة متوترة. وذهبت قطر إلى حد اتهام البحرين بانتهاك مجالها الجوي ومياهها الإقليمية عدة مرات في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وأدت هذه العوامل إلى إبطاء عملية المصالحة، لكن التواصل الأخير رفيع المستوى بين البلدين قد يبشر بالخير للتقدم في المستقبل.
وبالرغم من استمرار وجود نقاط شائكة، اكتسبت عملية تطبيع العلاقات بين أطراف أزمة 2017 زخماً كبيرا. وزار ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" الدوحة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، بينما التقى الشيخ "تميم" برئيس الإمارات "محمد بن زايد" في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وفي وقت لاحق في مايو/أيار 2022 خلال زيارته إلى أبوظبي لتقديم التعازي في وفاة الرئيس الإماراتي الراحل الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان".
وبالرغم من تحسن العلاقات بين السعودية وقطر، والتي وصفها وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" في 4 أغسطس/آب 2021 بأنها "جيدة جدًا"، ظلت العلاقات بين الإمارات وقطر معقدة. وتبدي أبوظبي والدوحة ثقة محدودة في بعضهما البعض ويتبنى كل منهما رؤى مختلفة جذريًا للمنطقة.
وفيما يخص البحرين، فلا يمكن حل خلافاتها مع قطر في اجتماع واحد رفيع المستوى ظرًا للتاريخ المعقد بينهما. ومع ذلك، نظرًا للديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية المتغيرة، فقد يثبت التعاون أنه مسار عمل أكثر فائدة لكلا الدولتين.
وستستفيد كل من البحرين وقطر من التعاون في سياسة الطاقة، خاصة الصادرات إلى الدول الغربية. وبالرغم أن دول مجلس التعاون الخليجي منفردة لا تمتلك القدرة على حل أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع الروسي الأوكراني بمفردها، إلا أنها تشكل كتلة ذات تأثير قوي ومهم.
وتشترك الدولتان أيضًا في المصالح الأمنية، بالرغم أن رؤيتهما المتباينة للتهديدات الأمنية تمنع التعاون في الوقت الحالي. ويختلف البلدان في رؤيتهما للتهديد الذي تشكله إيران. فمن ناحية، تتخذ البحرين وجهة نظر متشددة تجاه إيران، التي تعتبرها تهديدًا أمنيًا متزايدًا، بينما تنظر قطر إلى طهران بقدر أقل من الشك وانعدام الثقة من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن إقناع قطر بالانخراط مع دول مجلس التعاون الخليجي - بما في ذلك البحرين - في أجندة مواجهة سياسات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
ووسط انشغال القوى العظمى بالصراع بينها، تدرك دول الشرق الأوسط أنه يجب عليها الاعتماد على الدول المجاورة للتعامل مع مخاوفها الأمنية بدلاً من الاعتماد على مساعدة القوى الخارجية. وفي هذا الصدد، فإن فتح المجال الجوي البحريني أمام الرحلات الجوية القطرية سيساعد بشكل أكبر في تطوير الروابط بين البلدين، ومن شأن ذلك تسهيل التعاون في مجموعة من القضايا الأخرى.
كما أن التطورات الجيوسياسية على المستوى الدولي تشجع دول المنطقة، خاصة دول الخليج، على العمل بشكل تعاوني للظهور كـ"كتلة طاقة" للمساعدة في معالجة مخاوف القوى الخارجية. بعبارة أخرى، تشير المصالح الوطنية للأطراف الخليجية إلى إمكانية تحقيق مزيد من المصالحات واتفاق نهائي لإنهاء أزمة الخليج من أجل زيادة قوتهم التفاوضية على الساحة العالمية على الأقل.
واليوم، أدى فشل بعض الدول في الاعتراف بدور الهويات المشتركة في العلاقات الدولية إلى تصعيد العنف في أوروبا. وتشترك دول مجلس التعاون الخليجي الست في "هوية خليجية" فريدة. إنهم يشتركون في الدين واللغة، ويتمتعون بهياكل اجتماعية متشابهة ومعايير قابلة للمقارنة فيما يخص النمو الاقتصادي، وأنظمة حكم مماثلة، وجغرافيا مشتركة، وثقافة جماعية.
وقد أظهرت دراسة الحالة في قطر أنه حتى في ظل الحالة المتوترة في كثير من الأحيان بين دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الهوية الوطنية خدمت وستظل تلعب دورًا رئيسيًا في تطبيع العلاقات.
وبالرغم من دور القوى الخارجية - خاصة واشنطن - لإنهاء الأزمة الخليجية في عام 2021، لعبت الهويات المشتركة دورا مركزيا في الحد من التوترات بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وتتطلب الفرص الاقتصادية والدبلوماسية التي أوجدتها الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة في أوروبا أن تتحد دول مجلس التعاون الخليجي لحماية مصالحها الوطنية، ويتطلب ذلك تطبيع العلاقات وإيجاد حل نهائي لأزمة الخليج.