كمال صالح - الخليج أونلاين-
مضت أشهر طويلة لم تتوقف خلالها وسائل إعلام غربية وعربية عن الحديث عن خلافات متصاعدة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، خاصة في ظل اللقاءات النادرة بالأشهر الأخيرة بين الزعيمين.
وشكلت قضية النزاع الحدودي حول محمية "الياسات" البحرية وقوداً جديداً للحديث عن الخلاف بين الدولتين، الذي لطالما نفته الجهات الرسمية وأكدت متانة العلاقات بين الرياض وأبوظبي.
ولكن جاء اللقاء الأخير بين بن سلمان وبن زايد في السعودية، في 17 مايو الجاري، ليحسم الجدل الإعلامي المتصاعد في جميع هذه القضايا، ويؤكد قوة العلاقات بين الدولتين الخليجيتين.
محمية "الياسات"
ظهر الخلاف حول محمية "الياسات" على السطح عندما أرسلت الإمارات وثيقة في 13 مارس الماضي إلى الأمم المتحدة، ونشرتها وسائل إعلام أمريكية، حددت فيها حدودها بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 35 لسنة 2022 "استناداً للفقرة 2 من المادة 16 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".
الخارجية الإماراتية أكدت في الوثيقة "أن خطوط الأساس المستقيمة التي أودعتها لدى الأمين العام للأمم المتحدة، تترتب عليها كافة الآثار القانونية المكفولة لها في مناطقها البحرية، بموجب القانون الدولي للبحار".
لكن السعودية ردت في وثيقة مماثلة للأمم المتحدة أيضاً، في 18 مارس الماضي، مؤكدة أنها "لا تعتد ولا تعترف بأي أثر قانوني" لإعلان الإمارات أن الياسات منطقة بحرية محمية قبالة الساحل السعودي.
وأضافت أن المملكة "تتمسك بكافة حقوقها ومصالحها، وفقاً لاتفاقية الحدود المبرمة بين البلدين في 21 أغسطس 1974 الملزمة للطرفين وفقاً للقانون الدولي العام".
لقاء يحسم الجدل
وبقي الخلاف بشأن الحدود بانتظار أن تحسمه الأمم المتحدة، حيث لم تعلق عليه الدولتان ببيانات رسمية.
ولكن كان هناك حدث آخر حسم الجدل بشأن تطور الخلافات، ففي 17 مايو الجاري، استقبل ولي العهد السعودي رئيس الإمارات في قصر العزيزية بمدينة الخُبر.
ونشر بدر العساكر، مدير المكتب الخاص بولي العهد السعودي، صورة للقاء بن سلمان وبن زايد عبر حسابه على منصة "إكس"، وعلق قائلاً: "سمو ولي العهد يلتقي بأخيه سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بقصر العزيزية بالمنطقة الشرقية"، دون مزيد من التفاصيل.
وجاء لقاء بن سلمان وبن زايد بعد مدة طويلة من آخر لقاء جمعهما في سبتمبر الماضي، خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الهند.
وكان اللقاء خلال قمة العشرين الأول أيضاً منذ نحو 6 أشهر بين الزعيمين الخليجيين، وهو ما أثار حينها جدلاً حول توتر العلاقات بين الدولتين ولكن سرعان ما نفاه مسؤولو البلدين.
وتعليقاً على اللقاء الأخير، قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات على حسابه بمنصة "إكس": إن زيارة بن زايد "تؤكد أن التواصل والتعاون والتكامل مع السعودية الشقيقة هو السبيل إلى ازدهار واستقرار المنطقة وأمنها"، مضيفاً أن "لقاءات قائدي التنمية والتحديث فيها الخير لشعوبنا وأوطاننا".
نفي رسمي متكرر
وسبق هذا اللقاء تأكيدات كثيرة من مسؤولين في الإمارات والسعودية على متانة العلاقات بين الرياض وأبوظبي.
ففي 3 يناير 2024، أدلى رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق الأمير تركي الفيصل، ومستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش، بتصريح مشترك في جلسة حوارية في دبي، فنّدا فيه مزاعم وجود خلافات بين البلدين.
ووجه الأمير السعودي سؤاله لمستشار رئيس الإمارات قائلاً: "أخ أنور هل بيننا خلاف؟"، ليرد عليه قرقاش قائلاً: "كل إلي يصير في السعودية إيجابي للإمارات، والي يصير في الإمارات إيجابي للسعودية، والي حاصل في المنطقة تعزيز لموقع العرب".
في حين قال الفيصل إن "عدد الرحلات الجوية بين السعودية والإمارات، واكتظاظ هذه الطائرات يعكس الواقع"، وذلك في إشارة إلى واقع العلاقات المستقرة بين البلدين، إضافة إلى أن "المواطن الإماراتي يعتبر سعودياً والمواطن السعودي يعتبر إماراتياً".
مبالغة في الدراما
وقبل هذا، في مارس 2023، كان وزير الخارجية السعودي قد وصف الأنباء عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية بأنها "مبالغة في الدراما"، مؤكداً وجود "شراكة قوية للغاية مع الإمارات".
وفي يوليو 2023، نفى قرقاش ما تضمنه تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، حول وجود خلافات بين بلاده والسعودية، كما وصف، في سبتمبر 2023، "نجاح السعودية هو نجاح للإمارات والمنطقة"، وأنه "يجمعنا المصير الواحد والمستقبل الواعد".
تنافس جيواقتصادي
ورغم تلك التصريحات النافية، فإن الإعلام الغربي يصر على التطرق إلى "التنافس أو الخلاف" بين البلدين.
وفي 25 يناير الماضي، نشرت مجلة "فورين بوليسي" تحليلاً حول "التنافس الخفي بين السعودية والإمارات"، تحدثت فيه عن شيء ما يدور في الخفاء، يناقض المعلن في العلاقة بين البلدين.
المجلة في تحليلها أشارت إلى أن هناك "صراعاً هادئاً"، وتنافساً على "قيادة العالم العربي"، و"منافسة جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة".
وكانت وكالة "فرانس برس" نقلت، في وقتٍ سابق، عن خبراء قولهم إن "التنافس الاقتصادي في طليعة أسباب التباين بين الدولتين"، ولعل الخطط الطموحة للأمير محمد بن سلمان، ورؤية 2030، وما تلاها من إجراءات تتعلق باجتذاب الاستثمارات، وتوفير التسهيلات، وسعي الرياض لتكون قبلة المستثمرين والشركات الكبرى، هو ما غذّى مزاعم وجود خلافات عميقة، بين البلدين.
وتعود جذور الخلاف الاقتصادي بين البلدين إلى عام 2009، حينما اعترضت الإمارات على استضافة الرياض لمقر البنك المركزي لمجلس التعاون الخليجي، وانسحابها من اتفاق الوحدة النقدية الخليجية، وهو ما أدى لتعطيل مشروع إصدار عملة خليجية موحدة، وبنك مركزي تابع للمجلس، وفق تحليل "فورين بوليسي".
أوبك بلس
ويبدو أن يوليو من العام 2021، كان موعداً لأول تباين اقتصادي معلن بين البلدين، إذ رفضت الإمارات طلباً سعودياً لتخفيض إنتاج دول منظمة "أوبك بلس"، وهو ما اعتبره وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، حينها "اقتراحاً غير عادل، من شأنه أن يكبد بلاده خسائر كبيرة".
وفي ديسمبر 2022، فرضت الرياض جملة من الإجراءات لإجبار الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات على إقامة مقار لها في المملكة ضمن البرنامج السعودي لجذب المقار الإقليمية للشركات العالمية، وهو مبادرة مشتركة بين وزارة الاستثمار والهيئة الملكية لمدينة الرياض، ودخل القرار حيز التنفيذ مع بداية هذا العام.
وحتى يناير الماضي، أصدرت المملكة أكثر من 180 ترخيصاً لشركات عالمية من أجل نقل مقارها إلى الرياض، وهو ما اعتُبر، وفق تحليلات اقتصادية، "سحباً للبساط من تحت أقدام دبي"، التي كانت طيلة 20 عاماً قبلة للشركات العملاقة متعددة الجنسيات.
وفي مطلع يناير الجاري، أطلقت السعودية خمسة أنواع من الإقامات الجديدة المميزة، هدفها تسهيل وصول الأجانب، خصوصاً المستثمرين والمؤثرين والنخب في مختلف المجالات، إلى المملكة.
هذا الإجراء عدته وسائل إعلام مقربة من الإمارات "استنساخاً للنموذج الإماراتي في مجال الأعمال"، خصوصاً أنه جاء بعد إقرار أبوظبي تسهيلات مماثلة فيما يتعلق بالدخول والإقامة للأجانب في أبريل 2022.
علاقات راسخة
ومن وجهة نظر عبد الله آل هتيلة، مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن العلاقات السعودية الإماراتية ثابتة وراسخة، بل وتاريخية بكل ما تعنيه الكلمة.
واستدل آل هتيلة، في تصريح سابق لـ"الخليج أونلاين"، على تلك العلاقة الوثيقة بالإشارة إلى أن "ما يحدث في العالم من حروب وصراعات، ومتغيرات سياسية واقتصادية لم يؤثر على هذه العلاقات العميقة".
ولفت إلى أن تلك "العلاقة الطيبة بين قيادة البلدين، يضاف إليها العلاقات الأخوية بين الشعبين السعودي والإماراتي اللذين يربطهما الجوار والمصير المشترك والآمال والتطلعات الواحدة".
وشدد آل هتيلة على أنه "لا يمكن الحكم على هذه العلاقات من أمنيات من لا يريدون الخير للبلدين، الذين ينسجون من خيالاتهم قصصاً وحكايات عن خلافات بين البلدين".
تطابق في المواقف
ويقول آل هتيلة: "لعل المتابع اليوم في خضم هذه الأحداث المتسارعة وخاصة ما يعنينا في إقليمنا الملتهب، يلحظ أن هناك تطابقاً سعودياً إماراتياً في المواقف، وهو ما يؤكد أن لا وجود لخلافات بين البلدين إلا في عقليات من لا يتمنون الخير للدولتين والشعبين الشقيقين".
وفيما يتعلق بـ"التنافس الاقتصادي"، قال مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ": "أعتقد أنه ليس بهذا المعنى، ولكنه سعي من قبل كل دولة لأن يكون لها الحضور العالمي الذي يمكنها من تطوير أدواتها لخلق بيئة جاذبة من شأنها تحسين وضعها الاقتصادي".
واستدل على ذلك بكون العالم "ينظر إلى السعودية والإمارات على أنهما دولتان استطاعتا تسجيل حضور عالمي لافت على المستوى الاقتصادي، بدليل ما تشهدانه من حراك سياحي وفني وثقافي لفت الأنظار وجذب الملايين من السياح من مختلف أنحاء العالم".
وشدد آل هتيلة على ضرورة "مراعاة كثير من الجوانب عند الحديث عما تشهده السعودية من تطور، لكونه يأتي وفق رؤية 2030، التي تعتمد على عوامل جذب قد لا تكون متوفرة في كثير من الدول، خاصة وهي تجمع بين السياحة البحرية والصحراوية والجبلية، مدعومة بإرث حضاري وتاريخي وثقافي".