ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق في النشاط العسكري من جانب التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية. وشنت القوات السعودية حملة من الضربات الجوية في محاولة لإخضاع المتمردين الحوثيين في اليمن، ولكن الحوثيين، استمروا في ممارسة السيطرة والتحكم مع تأثير امتد إلى الحدود السعودية. وعلى الرغم من تكثيف العمل العسكري السعودي ضد الحوثيين، فقد أدى الأمر في النهاية إلى تحقيق القليل من النجاحات وتسبب في كارثة سياسية وإنسانية أودت في نهاية المطاف بحياة 2300 شخص.
الحرب الأهلية اليمنية، التي بدأت هذا العام، هي صراع بين فصيلين يدعي كل منهما أحقيته بالسيطرة على الحكومة اليمنية. يتكون أحد الجانبين من الانفصاليين الجنوبيين والموالين للرئيس «عبدربه منصور هادي». ويتكون الطرف الآخر من القوات الموالية للرئيس السابق «علي عبدالله صالح» والحوثيين، الجماعة الزيدية الشيعية اليمنية المتمردة التي نشأت في القرن الثامن وتسمى باسمها نسبة إلى «زيد بن علي» حفيد «الحسين بن علي». قامت القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم «الدولة الإسلامية» أيضا بشن العديد من الهجمات، فضلا عن قيام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالسيطرة على مساحات من الأراضي في المناطق النائية وعلى طول امتداد الساحل. (الخريطة: الضربات الجوية للتحالف السعودي في اليمن)
وبالنظر إلى النكسات العسكرية والاجتماعية في اليمن، فإن ذلك من شأنه أن يخبرنا أنه ربما كان يجدر بالحكومة السعودية أن تتشارك مع الأطراف المتحاربة في مناقشة بدلا من بداية الحرب التي ألهبت المشاعر المعادية للسعودية، وخلقت مستنقعا سياسيا وعسكريا للحكومة السعودية. ومع ذلك، فإن محاولات إيجاد حل دبلوماسي وجلب الحملة الدموية إلى نهايتها قد أحبطت بسبب اشتداد المعارك البرية والغارات الجوية. على سبيل المثال، بعد ساعات فقط من إعلان التحالف السعودي في اليمن خفض حملته في 22 أبريل/نيسان 2015، فقد استمر استهداف المتمردين عبر الهجمات البرية والغارات الجوية. ومع ذلك، فإن مساعي التحالف السعودي لإعادة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» إلى السلطة قد فشلت كما فشل في فرض تراجع كبير على ميليشيا أنصار الله في اليمن. وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار التي صار عليها الوضع في اليمن، فإن الأمور تشير إلى اتجاه الحكومة السعودية نحو النظر في طرق بديلة لتخليص نفسها من التدخل العسكري الذي يبدو غير ناجح حتى الآن.
البحث عن حلول سياسية
النهج السعودي يتركز في المقام الأول على إنهاء العمليات العسكرية في اليمن مع قليل من التأثير على اقتصاد البلاد. الرد العسكري المكثف قد وضع اليمن في أتون أزمة اقتصادية، وقد امتدت تأثيراتها إلى أسواق الخليج العربي. في حال تسبب القتال في إغلاق مضيق باب المندب، المضيق الذي يفصل بين اليمن وجيبوتي ويمر من خلاله نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، فإن الآثار الاقتصادية ستكون وخيمة.
ومما يجعل الأمور أكثر سوءا، فقد أسفرت العمليات العسكرية السعودية في اليمن عن صراع داخلي على السلطة يزيد من تقسيم المنطقة. أكبر كارثة إنسانية تلوح الآن في أعقاب هذا الصراع. وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الأمور سوف تتفاقم داعية إلى تسهيل المحادثات بين الفصائل المتحاربة لتسريع عملية الإصلاح السياسي.
إن التوجه الأمثل يشمل التركيز على المباحثات الرامية إلى توحيد الفصائل اليمنية. مما لا شك فيه، أن المفاوضات السلمية قد تخفف من الحرب وتسهم في التوصل إلى حلول طويلة الأمد للخلافات السياسية والاجتماعية التس سلبت السلام من اليمن. مثال واحد على هذه الحلول الدبلوماسية مكن العثور عليه في خطة النقاط السبع التي اقترحتها سلطنة عمان، النظام الملكي الوحيد في المنطقة المتاخمة لليمن التي لم تنضم للتحالف السعودي. عمان، التي لديها تاريخ من العمل كوسيط بين إيران والولايات المتحدة، يمكنها أيضا أن تكون مسؤولة عن تسهيل عملية وقف إطلاق النار في اليمن.
وتشمل المبادرة العمانية لحل الأزمة في اليمن النقاط الآتية:
(1) انسحاب الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» من جميع المدن اليمنية وإعادة المعدات العسكرية والذخائر المصادرة من الجيش اليمني.
(2) عودة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» وحكومة «خالد بحاح».
(3) انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
(4) اتفاق سلام توقع عليه جميع الأطراف اليمنية.
(5) تحويل جماعة أنصار الله إلى حزب سياسي.
(6) مؤتمر دولي للمساعدات بحضور الدول المانحة.
(7) انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي
«محمد عبد السلام»، الناطق باسم الحوثيين، ذكر أن جماعته بإمكانها العودة إلى المباحثات فقط في حال أوقف التحالف عملياته العسكرية. من الواضح، قبل بداية العمليات، أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد دشنت مباحثات لإنهاء الأعمال العدائية، إلا أن هذه الجهود كان يمكن أن يكتب لها النجاح فقط إذا لم تكن المملكة العربية السعودية قد استخدمت القوة العسكرية في قمع التمرد المدني المستمر منذ فترة طويلة.
كان النهج الدبلوماسي الذي اتبعته الحكومة التركية، وأعلنت إيران تأييدها له، بالبحث عن حلول سياسية لإنهاء الحرب أكثر جاذبية بالنسبة للمتمردين من الهجمات الجوية المتهورة التي تقوم بها قوات التحالف التي تقودها السعودية. هذا الشكل من أشكال تسوية المنازعات غالبا ما يسفر عن حلول أكثر ودية ويمكن من سماع مظالم جميع الأطراف المتحاربة. كما الرئيس الإيراني «حسن روحاني» قد صرح مؤخرا حول هذا الموضوع بالقول: «التاريخ قد أثبت أن التدخل العسكري ليس الاستجابة المناسبة لهذه الأزمات وبدلا من ذلك يؤدي إلى تفاقم الأوضاع» [ملاحظة المترجم: وهو ما لا يبدو أن إيران تلتزم حرفيا به في سوريا أو العراق أو حتى في اليمن] . الأهم من ذلك، أن جميع البلدان المشاركة في بعثة تقصي السلام يجب أن تعمل في المقام الأول لاستعادة النظام في اليمن، وليس مجرد متابعة مصالحهم الفردية.
مخاطر النهج العسكري
وفي مقابلة مع الدكتور «عبيد الوسمي»، أستاذ القانون في جامعة الكويت وعضو سابق في البرلمان الكويتي، أكد أن حل الأزمة اليمنية لا يمكن أن يكون عسكريا في طبيعته، لأن معاناة الشعب اليمني الناجمة عن التدخل العسكري ليست فقد سببا في الاضطراب السياسي، وإنما تتسبب في صعوبات اقتصادية واجتماعية أيضا، واصفا العمل العسكري السعودي أنه «بلا فكرة» وأن »الحرب الحالية في اليمن ليس لديها أهداف واضحة».
وأكد «الوسمي» أن تشكيل لجنة دولية تحت إشراف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ستكون الطريقة الأكثر منطقية للبدء في إصلاح المشكلة. من خلال هذه اللجنة، يمكن لمجلس الأمن الحفر في سبب الأزمة وضمان امتثال الأطراف المعنية مع عمليات سياسية محددة. (الرسم: الخسائر المدنية للضربات السعودية)
وفي نفس السياق، يمكن للعمليات العسكرية في اليمن أن يثير هجمات انتقامية من المتطرفين، وهو ما يشكل تهديدا ليس للمملكة العربية السعودية فحسب وإنما للأمن الأمريكي الإقليمي. وقد أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية أن الحرب في اليمن تسببت في تعزيز نفوذ القاعدة هناك. الآن، وبعد بشعة أشهر من النشاط العسكري، فإن المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب يتطلعون إلى عدن. وليس هناك شك في أن المتمردين اليمنيين يرون نجاحات الحكومة السعودية بمثابة تهديد لنجاحاتهم، ونتيجة لذلك فإنهم سوف يشنون هجمات متفرقة على أهداف سهلة لمعاقبة السلطات السعودية.
الرد العسكري على الاضطرابات المدنية وغيرها من أشكال الأزمة يتسبب في عواقب كارثية. هذه العمليات غالبا ما تشعل معارك من أجل التفوق بين القوى الأجنبية وتسمح للوضع في البلد المحاصر بالتدهور. في حالة اليمن، فإن العمليات العسكرية تسبب في زيادة الركود الاقتصادي وتعميق الاقتتال المحلي. المملكة العربية السعودية قد فقدت أيضا الجنود في المعركة وتواجه خطر تزايد الهجمات الانتقامية. لتجنب المزيد من إراقة الدماء، قد يكون من الحكمة بالنسبة للمملكة العربية السعودية النظر في استخدام الدبلوماسية بدلا من مواجهة الحوثيين وجها لوجه في أرض المعركة.