لم تعد دول «الاعتدال العربي» تخجل من الجلوس علناً مع العدو الإسرائيلي لمناقشة «التهديد النووي الإيراني». فبعد المناورات المشتركة بين سلاحي الجو الإسرائيلي والإماراتي في الولايات المتحدة، الشهر الماضي، وزيارة اللواء السعودي المتقاعد أنور العشقي لتل أبيب ولقائه أعضاءً في الكنيست، التقى سفراء وممثلو دول خليجية وباحثون لبنانيون مع شخصيات إسرائيلية معروفة خلال ندوة في نيويورك، أول من أمس، دعت إليها منظمة «موحدون ضد إيران النووية» (UANI)، وذلك لبحث «خطر طهران» على دولهم.
ورشة العمل، التي دعت إليها المنظمة، ضمت الوزيرة الإسرائيلية السابقة والوجه البارز في «المعسكر الصهيوني»، تسيبي ليفني، مع السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، وسفيرة البحرين في فرنسا سابقاً، هيا راشد آل خليفة، بالإضافة إلى «الباحث غير المقيم» في «مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلنطي» في واشنطن، السعودي محمد خالد اليحيى، والباحث اللبناني في «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، طوني بدران، بالإضافة إلى سياسيين أميركيين وأوروبيين.
وعلى مدى يوم كامل، جلس «عرب الاعتدال» مع ليفني للتباحث في كيفية مواجهة إيران، فيما افتتح الحلقة الأولى من النقاش، السفير الإماراتي العتيبة، قائلاً في جلسة عُنونت بـ«عام على الاتفاقية النووية الإيرانية: رؤية الإمارات العربية»، إن «إيران دولة لا تريد علاقات طبيعية مع دول المنطقة، ولو تصرفت طهران بشكل معقول ومدروس يمكنها أن تكون عامل استقرار في الإقليم».
ورأى العتيبة أن «الظروف في إيران غير ملائمة لإنشاء أعمال استثمارية فيها، ولا أعرف أي بنك إماراتي قرر التوجه إلى طهران للعمل هناك»، مضيفاً: «خطة العمل المشتركة» (الاتفاق النووي) ستكون جيدة لتركيز جهودنا لمراقبة تصرفات إيران في المنطقة». من ثمّ تمنى رؤية «إيران عقلانية مثل كوريا الجنوبية، كذلك أتمنى أن أرى كوريا الشمالية بعقلانية كوريا الجنوبية».
وتطرق السفير الإماراتي إلى الوضع الداخلي الإيراني بالقول: «هناك أصوات معتدلة في إيران، لكن الأصوليين هم الأقوى»، معتبراً أنه يجب تعزيز «أصوات المعتدلين»، لكن ذلك «يجب إحرازه من الداخل الإيراني». وأعاد العتيبة تكرار لازمة إعلام الخليج بأن طهران تسعى «إلى إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية»، مضيفاً: «تتصرف إيران كأنها الفاتيكان للشيعة، ونحن في الشرق الأوسط ننظر إليها على أنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحلّ، وهي تسعى بأقصى ما يمكنها إلى نشر سيطرتها وتأثيرها في المنطقة». وختم العتيبة بأن «الإمارات المتحدة تريد علاقة أفضل مع إيران، لكن تصرفاتها بعد توقيع الاتفاقية النووية أصبحت أسوأ».
في الجلسة الثانية، التي عُنونت بـ«دور إيران في زعزعة الشرق الأوسط» وأدارها مدير «المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي» مايكل ماكوفسكي (شعار المعهد حماية أميركا، تقوية إسرائيل)، قال الباحث اللبناني بدران، إن «روسيا تسيطر على الأجواء الغربية لسوريا، بينما تسيطر إيران على الأرض». وانتقد بدران سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مشيراً إلى أن «مشكلة أوباما أنه وضع سياسة منع إسقاط الدولة في سوريا».
في الجلسة نفسها، رأى «الباحث غير المقيم» في «مركز الحريري»، اليحيى، أن إيران هي المسؤولة عن الحرب في اليمن، قائلاً إن «٣٩ صاروخاً أُطلقت على السعودية، وهي إيرانية الصنع من نوع زلزال».
أما في جلسة بعد الظهر، فكانت المستشارة القانونية لآل خليفة الشيخة هيا راشد جنباً لجنب مع عضو الكنيست تسيبي ليفني، وعلى الطاولة نفسها، من أجل بحث «عام على توقيع الاتفاقية النووية: هل تغيرت تصرفات إيران». بالطبع، بالنسبة إلى الاثنتين، إن إيران هي العدو الأول، فيما نسيت حفيدة مؤسس المملكة البحرينية، أن ليفني الجالسة معها قتلت من الغزيين خلال حرب عام 2008 ما يزيد على ألف شهيد. لكن كل ذلك يمكن التغاضي عنه لأن الخطر بالنسبة إلى «الاعتدال العربي» حالياً هو طهران وليس العدو الإسرائيلي.
وقالت ليفني إنه توجد «فرصة لإنشاء حلف إقليمي ضد إيران ممنوع علينا إضاعتها»، مضيفة أن «من المدهش رؤية كيف أن دول العالم خفضت معاييرها حول إيران... حتى بعد الاتفاق فإن إيران تمثل مشكلة إقليمية، وهي دولة متطرفة تصدر الإرهاب، وهذا يجب أن نوقفه، والطريق لذلك هو عقد تحالف إقليمي ضدها».
أما «الشيخة» هيا، فانتقدت انفتاح الولايات المتحدة على إيران، فيما الأخيرة «لا تزال تقول إن أميركا هي الشيطان الأكبر». واعتبرت سفيرة آل خليفة أن «إيران سعت إلى تحويل البحرين إلى دولة إسلامية والمملكة تعاني يومياً من أعمال إيران الإرهابية».
هكذا، تقدّم دول «الاعتدال» يوماً بعد يوم تنازلات لإسرائيل من دون أي مقابل. وما كان يُعَدّ من ضمن الملفات المطروحة لمفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين (تطبيع العلاقات مع العدو)، نالته إسرائيل دون أي ثمن.
قاسم س. قاسم -الاخبار اللبنانية-