في حين كانت السعودية قبل ثلاثة أشهر تخسر حلفاءها بوتيرة سريعة، يبدو اليوم أنها تكتسب بعض الزخم. ويثبت هذا البحر من التغيير كيف يمكن أن ينقلب الواقع الجيوسياسي سريعًا. وكان المحفّز هنا هو انتخاب «دونالد ترامب» رئيسًا للولايات المتّحدة. ويبدو أنّ التحوّل يسير باتّجاه تقويم استراتيجية «أوباما» تجاه الشرق الأوسط بما في ذلك السعودية و(إسرائيل) ومصر.
ويبدو أنّ الغرب قد أدرك أنّ السعودية لا تزال حليفًا حيويًا محتملًا وسوقا أساسيا. وقد دافعت حكومة «ترودو» الكندية الليبرالية عن صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية بشدّة أمام قاضي المحكمة الفيدرالية بمونتريال. وزار وزير الدفاع الألماني مؤخرًا المملكة لإبرام اتفاق تدريب لضباط الجيش السعودي. وتساعد الولايات المتّحدة السعودية لتعزيز أمنها الحدودي وتقوم بتدريب القوات الجوية السعودية في أمور تتعلق بالاستهداف.
وكانت المملكة المتّحدة مصرّة على استمرار بيع الأسلحة إلى السعودية. ولقد قال وزير الخارجية البريطاني، «بوريس جونسون»، أنّه لم تتم تجاوزات في اليمن حتّى الآن قد تسبّب توقّف بيع الأسلحة. وأضاف بأسلوبٍ فظٍ للغاية أنّه «إن لم نبع السلاح للسعودية، فسيفعل شخصٌ آخر». وحتّى رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماي»، قد كررت حديث سلفها «ديفيد كاميرون»، وقالت أنّ المعلومات الاستخباراتية القادمة من السعودية قد حمت بريطانيا من عدد كبير من الهجمات الإرهابية.
ويبدو أنّ العلاقات السعودية مع الدول المسلمة قد تحسنت أيضًا. أولًا، لم يحمل الرئيس الشيشاني أية ضغينة تجاه المملكة حين زارها، وتمّ استقباله بحفاوة من قبل ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». وجاء ذلك بعد استضافة الشيشان لمؤتمر عالمي ضمّ شخصيات إسلامية سنّية بارزة انتقدت الوهابية، في أغسطس/آب.
ولم ترغب تونس في هز العلاقة مع السعودية، فقامت بإقالة وزير الشؤون الدينية بسبب «التعدّي على أسس الدبلوماسية» بعد انتقاده اللاذع للوهابية السعودية.
ويغازل رئيس لبنان الجديد المدعوم من حزب الله، «ميشيل عون»، السعودية، في محاولة لاستعادة المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات التي كانت تقدّمها المملكة للبنان قبل أن تتوقف نتيجة السيطرة المتزايدة من إيران على لبنان. وخلال الحديث مع الرئيس «عون»، شدّد الملك «سلمان» على أنّ تعزيز الروابط يضمن الاستقرار. ومصر التي كانت تشهد شدًّا وجذبًا مع السعودية، قامت بجهود لتخفيف حدّة التوترات مع المملكة، رغم أن التوترات مرشحة للعودة بعدم قرار المحكمة المصرية الأخيرة الذي يمنع تسليم جزيرتين استراتيجيتين إلى السعودية.
وعمان في الأخير، التي توسّطت في الاتفاق النووي الإيراني والتي تتمتّع بعلاقات طيبة للغاية مع طهران، انضمّت حديثًا للائتلاف الذي تقوده السعودية للحرب على الإرهاب في إشارة واضحة لدفء العلاقات مع الرياضو تجري عمان مشاورات لتلقّي ودائع مالية بمليارات الدولارات من مجلس التعاون الخليجي.
وفي حين كانت إيران على رأس اهتمام العالم قبل أشهر قليلة فقط حيت انتصرت في حرب العلاقات العامة على السعودية، أدركت طهران والمجتمع الدولي أنّ الإدارة الجديدة في البيت الأبيض لن توفر لهم الحليف الذي كانت عليه إدارة أوباما. وتشير بيانات إيران وتعيينات ترامب في إدارته إلى انعكاس كبير في السياسة الخارجية تجاه طهران. وقد لاحظت المؤسسات والدول ذلك. وفي الواقع، اختارت بريتش بتروليوم أن تكون في طليعة الموجة الأولى من اتفاقيات تنمية احتياطيات النفط والغاز في إيران بعد رفع العقوبات الدولية. ومن المثير للاهتمام، أنّ دولتين كانتا لوقتٍ طويل حلفاء لإيران، أصبحتا الآنن في تقارب كبير مع السعودية العدوانية تجاه إيران. الأولى إيطاليا، الشريك التاريخي لإيران، التي قرّرت إنعاش اتفاقية أمنية كانت خاملة منذ عام 2007 مع المملكة. والأخرى والأكثر مفاجأة هي الجزائر. وبدأ دفء العلاقة منذ عطلة استغرقت وقتًا طويلًا جدًا لولي العهد الأمير «محمد بن نايف» في الجزائر. وعادةً، يقضي أعضاء الأسرة المالكة السعودية معظم أوقات الراحة في المغرب، لكنّ ولي العهج قضى معظم الوقت هذه المرّة في جارتها الجزائر.
وتاريخيًا، كانت الجزائر واحدة من بين الدول السنّية القليلة التي وقفت إلى جانب إيران، لكنّها الآن تبدو مستعدّة للتفاوض مع السعودية. ويبدو أنّ الاقتصاد الجزائري، الذي يعتمد في معظمه على الطاقة، والذي يعاني آثارًا وخيمة بسبب ركود سوق الطاقة، قد دفع الجزائر للتحوّل باتّجاه المملكة لطلب المساعدة المالية.
وتعتبر السعودية الرئيس «أوباما» هو الرئيس الأسوأ للولايات المتّحدة ولا تطيق انتظار مغادرته للبيت الأبيض. في حين يبقى أن نرى ما ستكون عليه سياسة إدارة «ترامب» الجديدة تجاه السعودية، وقد تجني السعودية الكثير من المكاسب مع موقفه الواضح المعادي لإيران. وعلى الرغم من أنّ اليمن وسوريا ما زالتا شوكة في خصر الرياض، إلّا أنّ الموقف الدبلوماسي للمملكة قد تحسّن كثيرًا في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
ذا أوبزرفر- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-