ذات يوم، وصف وزير الخارجية المصري السابق «نبيل فهمي» الذي شغل منصب سفير بلاده لدى الولايات المتحدة من عام 1999 حتى عام 2008، العلاقات المصرية الأمريكية أنها مثل زواج ناضج. كان ذلك خلال لحظة مزعجة للغاية عندما كانت إدارة «جورج دبليو بوش» في خلاف مع «حسني مبارك» بشأن الإصلاح السياسي. كان من الصعب ألا يلاحظ أحد هذه المشاحنات بين واشنطن والقاهرة، لكن لم يكن هناك تفكك في أي وقت.
التحالفات، مثل الكثير من الزيجات الناجحة، هي نتيجة الكثير من العمل الشاق، وحتى أفضلها تمر بفترات توتر. وكثيرا ما تبدو العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أقل من حقيقتها على سبيل المثال. ويمكن أن يشعر الفرنسيون بالغضب من أن الرئيس الأمريكي السابق «بيل كلينتون» كان يتجنب التعامل مع نظيره الفرنسي «جاك شيراك»، وفي
عام 2016 لم ينفق 23 من أصل 28 عضوا من أعضاء الناتو نسبة الـ2% المقررة للدفاع والأمن.
يثير ذلك غضب صناع القرار الأمريكيين، ولكن من الصحيح أيضا أن البريطانيين قد ذهبوا إلى الحرب مع الولايات المتحدة عندما لم يذهب أحد سواهم، والفرنسيون هو أفضل شركاء لواشنطن في مكافحة الإرهاب، والناتو قوة مضاعفة لا غنى عنها للجيش الأمريكي.
غير أن الشرق الأوسط يختلف كثيرا. تدعم الولايات المتحدة مجموعة من الحلفاء الذين يعدون مصدرا ثابتا للإحباط والمتاعب. من ناحية، صحيح أن مصر والمملكة العربية السعودية والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وتركيا و(إسرائيل) وقطر جعلوا من الأسهل والأقل كلفة بالنسبة للولايات المتحدة أن تسعى لمصالحها في الشرق الأوسط، حيث تشمل علاقات واشنطن مع هذه الدول التعاون الاستخباراتي والأمني والدعم اللوجستي للقوات الأمريكية والتنسيق الدبلوماسي والقواعد العسكرية، ولكن من ناحية أخرى فإن هذا يتطلب احتضان هذه الدول التي لا تتشارك القيم أو المصالح الأمريكية.
أزمة قطر
وبدأت آخر مشكلة قبل أسبوعين بجهود سعودية وإماراتية لعزل قطر بسبب قضايا تتعلق بعلاقتها مع الإخوان المسلمين وحركة حماس وإيران وزعم تمويل الإرهاب. وكانت الخطوة، التي بدأت عندما قطعت خمس دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، بمثابة تحرك لحلفاء أمريكيين ضد حلفاء أمريكيين أيضا. وتعهدت تركيا، على سبيل المثال، بدعم قطر، متحدية التحالف ضدها. وفي السنوات الأخيرة، طور البلدان تقاربا أيديولوجيا أدى بدوره إلى تعميق العلاقات العسكرية والتجارية بينهما. لذا فإن التحركات الأخيرة تتسبب في نوع من الفوضى التي يمكن أن تعرقل رؤية الرئيس «دونالد ترامب» لمنطقة موحدة تعمل على هزيمة الجماعات الإرهابية ودحر النفوذ الإيراني.
هذه هي طبيعة الشرق الأوسط أنه في حين أنه من الصحيح تماما أن القطريين هم شركاء صعبين ويتبعون سياسات غير مواتية إلا أن ذلك لا يجعلهم مختلفين عن أي حلفاء آخرين في الشرق الأوسط بالنسبة لواشنطن. ولدى جميع هذه البلدان سجلات مشكوك فيها بشأن حقوق الإنسان، لذا يجب على الذين يعيشون في بيوت زجاجية عدم رمي الحجارة، إلا أن العكس هو ما يحدث في الشرق الأوسط.
دفعت السعودية إلى معاقبة قطر جزئيا بسبب دعم القيادة القطرية لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية، لكن السعوديين أنفسهم خصصوا حسابات لدعم أسر ضحايا حماس إبان الانتفاضة الثانية. ربما تكون هذه قصة قديمة بالنظر إلى وجود تحالف سعودي إسرائيلي في هذه الأيام، ولكن ماذا عن سجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان؟ إلى جانب الصين وإيران، أعدم السعوديون في عام 2016 أشخاصا أكثر من أي بلد آخر في العالم. وهناك الكثير من النساء السعوديات اللواتي يدخلن سوق العمل، لكنهن ما زلن غير قادرات على السفر دون إذن من أزواجهن أو آبائهن ودون مرافقة من أقربائهن الذكور.
و لئلا ينسى أحد، فإن 11 شخصا من الخاطفين في أحداث سبتمبر/أيلول كانوا من السعوديين. ولأسباب مفهومة، فإن الحكومة السعودية تفضل تناسي هذه الحقيقة.
وهناك أيضا مصر التي حصلت على 80 مليار دولار من المساعدات الأمريكية منذ أوائل الثمانينيات، والتي ظلت لفترة طويلة تعد مصدرا للاستقرار في الشرق الأوسط، ولكن هل هي كذلك حقا؟ حتى ما قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان معظم نجوم «الإرهاب العالمي» من المصريين. في الحقيقة فإن جذور تنظيم القاعدة تعد مصرية أكثر من كونها سعودية حتى عندما كان التنظيم تحت قيادة «أسامة بن لادن»، قبل أن تنتقل القيادة إلى المصري «أيمن الظواهري».
منذ عام 2013، سجن عشرات الآلاف من المصريين بسبب انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين أو معارضة الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، الذي جاء إلى السلطة في انقلاب في يوليو/تموز من ذلك العام. وكانت تلك لحظة دموية خاصة في التاريخ المصري. وعلى الصعيد الإقليمي، انضم المصريون إلى الروس في الصراع الدائر في سوريا، ويدعمون الجنرال «خليفة حفتر» في ليبيا، وكلاهما يتنافى مع السياسة الأمريكية.
التحالف الجديد
وبالنظر إلى هذا الوضع، من الصعب القول إن قطر تمثل حالة خاصة. وبطرق عديدة كانت قطر أكثر فائدة للولايات المتحدة من غيرها، وهي تستضيف قاعدة العديد الجوية التي تعد واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في العالم، والمكان الذي شنت منه القيادة المركزية الأمريكية الحروب في العراق وأفغانستان، وتدار منه حاليا الحملة ضد الدولة الإسلامية. وأصبحت القاعدة أكثر أهمية لمخططي الحرب الأمريكية في عام 2003 عندما طالب السعوديون بسحب العسكريين الأمريكيين.
لا شك في أن القطريين لديهم سجل في العمل ضد المصالح الأمريكية من خلال دعم الإخوان المسلمين وعلى الأخص حركة حماس وحتى تقديرهم بشأن الخطر الذي تمثله إيران. بيد أن الجريمة الحقيقية التي تحاسب عليها قطر اليوم مقاومة الإجماع الإقليمي الذي أقامته السعودية والإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل) والولايات المتحدة تحت قيادة «ترامب».
ستيفن كوك - صالون- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-