علي الصالح- القدس العربي-
في هذا الزمن الرديء الذي تلعب فيه دولة الإمارات «العظمى» بالنار بالتدخل في الشأن الفلسطيني، ومحاولة فرض قيادات بعينها على الشعب الفلسطيني بمالها، وبالتنسيق مع دولة الاحتلال، دون أن تحسب عواقب مغامراتها ومخاطرها عليها، قبل غيرها.
وفي هذا الزمن الذي تسمح فيه الإمارات بتلطيخ السمعة الطيبة لـ«حكيم العرب» الشيخ زايد آل نهيان، وبالاحتماء بشركات الأمن الإسرائيلية، وبمحاولة دخول «نادي الكبار» ظنا منها أنها لعبة. في هذا الزمن العربي الذي يهدر فيه المال العربي العام على حروب خاسرة نقتل فيها بعضنا بعضا. في زمن الانحطاط العربي هذا الذي يقع فيه البعض في فخ الفتنة الطائفية، التي أطلقتها من مكمنها الولايات المتحدة وبريطانيا لتفتيت المفتت في عالمنا العربي.
وفي هذا الزمن الذي تساوت فيه الأنظمة، بما يسمى جزافا المعارضة، وأعني بها جميع المعارضات، لا أستثني منها أحدا، التي تبيع أوطانها وشعوبها بابخس الأثمان وتسترضي العدو الاسرائيلي على امل بلوغ العلا الامريكي. وفي هذا الوقت الذي اختلطت فيه الاوراق، فيصبح عدو الأمس حليف اليوم، دون فهم لأبعاد هذه المقولة وانعكاساتها ومخاطرها.
في هذا الزمن العربي الرديء الذي أصبح فيه نظام «أم الدنيا» يجر أذيال الخيبة وراء حديثي العهد بخفايا السياسة. نحن لسنا ضد التحديث والتجديد وإدخال الدماء الشابة، ولكنْ ثمة فرق بين الدماء الشابة والعقول التي لا تعرف حدود إمكاناتها.
وفي هذا الزمن الذي أصبحنا فيه تحت رحمة حديثي العهد بالسياسة، الذين لا يعرفون أبجديات العمل السياسي ناهيك عن مغامراتهم العسكرية.
وفي هذا الزمن، الذي يصبح فيه الشقيق بين ليلة وضحاها عدوا، ويستقوي عليه أبناء جلدته بقوى خارجية، ويحاولون فرض شروط الإذلال والاستسلام الكامل عليه.
وفي هذا الزمن العربي الرديء الذي يتضارب فيه بعض الأعراب بسيوف اعداء الأمة،
في هذا الزمن أيضا الذي تنتصر فيه العقلية القبلية، على المنطق، وتنتصر فيه المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية العامة. وفي هذا الزمن الذي يتحول فيه الرأي «الراشد» إلى رأي»عكاكيشي» (نسبة لتوفيق عكاشة) في وسائل الاعلام والصحافة العربية.
في هذا الزمن العربي الرديء الذي يلهث البعض وهم قلة، وراء التطبيع المجاني مع اسرائيل، ويطلقون «هاشتاغ» (سعوديون من أجل التطبيع)، بموافقة رسمية ضمنية. وحسب تقارير إعلامية فإن الحملة الجديدة في السعودية موجهة من جهات عليا والغرض منها الدفع نحو التطبيع الشعبي، الذي يسبق التطبيع الرسمي.
ويقوم الناشطون وهم قلة وشخصيات مركزية من أمثال ابو المطبعين الجنرال السابق أنور العشقي، بعد الانقلاب في البلاط الملكي، بصبغ التطبيع بصبغة شرعية ودينية وشعبية، تعود بالفوائد على المملكة برمتها. ويعتبرعشقي في مقابلة مع موقع هيئة الإذاعة الألمانية «دويتشه فيلي»، إن تيران وصنافير تندرجان ضمن معاهدة كامب ديفيد، التي وقعت بين مصر وإسرائيل، وبما أنهما أصبحتا جزءا من السعودية، أصبحت السعودية طرفا في هذه المعاهدة.
نعم في مثل هذا الزمن، الذي يصبح فيه مصير الأمة بيد مقامريها، يجب الا نيأس ولا نشعر بالاحباط، ولا نرفع الرايات البيضاء. فنحن الباقون وهم الزائلون. نحن الأقوياء وهم الضعفاء. نحن الأكثرية الساحقة وهم الأقلية البائسة. وهم الفئة الضالة، وليسوا أكثر من فقاعات سرعان ما تزول، وهم ليسوا إلا نمورا من ورق حتى إن علت أصواتهم.
ونقول لهؤلاء المتأسرلين والمروجين للتطبيع، نقول لهم طبعوا ما شئتم، وهنيئا لكم تطبيعكم، على ألا تقحموا اسم فلسطين، فهي أطهر من الطهارة، وتحملوا نتائج أفعالكم. وتذوقوا ما ذاقه غيركم من دعاة التطبيع بعدما «راحت السكرة وجاءت الفكرة» كما يقول المثل. وبعدما استنفدت الفوائد، وأدوا المهام المطلوبة وصرفت عنهم الانظار بحثا عن قلة اخرى على شاكلتهم كما يحصل معكم الآن.
يتزامن هذا التوجه التطبيعي العربي، مع المزيد من الانتصارات التي تحققها حركة مقاطعة اسرائيل «BDS»، حتى في بريطانيا معقل الحركة الصهيونية، وصاحبة وعد بلفور. وربما يكون الخروج من السرية إلى العلن في التطبيع، محاولة من أنصار اسرائيل العرب لتعويضها عن خسائرها على الساحة الاوروبية.
ففي الأيام الاخيرة حققت «BDS» إنجازا قضائيا كبيرا في بريطانيا، حيث رفضت محكمة القضايا الادارية توجيهات الحكومة البريطانية عام 2016، التي بموجبها تمنع المجالس المحلية من تبني سياسات مقاطعة إسرائيل. واتهمت المحكمة الحكومة بالتصرف على نحو غير قانوني بالسعي لاستخدام قانون التقاعد خدمة لسياساتها الخارجية والدفاعية. واعتبر هذا الإنجاز، نصرا قضائيا غير مسبوق «لفلسطين والديمقراطية وسيادة القانون» وصفعة قوية في وجه الحكومة المحافظة.
وفي بريطانيا ايضا واجهت فرقة «ريديوهيد» الغنائية موجة احتجاجات خلال مهرجان «غلاستونبيري» الغنائي السنوي، الذي يعتبر أكبر مهرجان غنائي في بريطانيا. وردد المحتجون اثناء فاصل فرقة «ريديوهيد» «فلسطين حرة» ولوحوا بأعلام فلسطين في وجه الفرقة، ورفعوا لافتة تقول «اسرائيل دولة فصل عنصري ابرتهايد». «ريديوهيد» لا تحيوا حفلا هناك».
ولا يقف هؤلاء لوحدهم في ساحة المقاطعة، فقد وقع عدد من كبار مشاهير الفن والغناء رسالة يدعون فيها الفرقة لإعادة النظر في حفلها المقرر في تل ابيب في 19 تموز/يوليو الحالي.
ومن الموقعين عليها المخرج السينمائي اليهودي البريطاني المعروف كين لوخ والممثلان ماكسين بيك وجولييت ستيفنسون، وطبعا روجر ووترز من فرقة «بنك فلويدز» الذي يقود حملة مقاطعة اسرائيل في الأوساط الفنية. ودعوا الفرقة لإلغاء الحفل، كجزء من مقاطعة موسيقية لاسرائيل، إلى أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم بما فيها حق العودة وازالة جدار الفصل.
وحرمت «BDS» شركة المواصلات الإسرائيلية «إيغيد» من الفوز بعقد مدته عشر سنوات وبقيمة 190 مليون يورو في هولندا، بعد الحملة التي قادتها ضدها لتورطها مع الاحتلال، وكونها جزءًا من نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.
وفي سويسرا فشلت الحملة التي تخوضها حكومة الاحتلال المدعومة من اللوبي الصهيوني الأوروبي في تمرير قرار في البرلمان السويسري، يجرّم حركة المقاطعة ويحظر التمويل الحكومي عن المنظمات التي تنادي وتدعم نضال وحقوق الشعب الفلسطيني، من خلال استراتيجية المقاطعة.
وفي سابقة تاريخية رفضت الحكومة المركزية الإسبانية، في 27 نيسان/أبريل الماضي طلبا اسرائيليا بتحريم حركة المقاطعة، مؤكدة أن الحق في الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل، والتضامن مع النضال الفلسطيني، محمي بموجب القوانين، التي تكفل حرية التعبير.
وتبنت بلدية بلديموريو في مقاطعة مدريد قراراً بدعم الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، وتماشيا مع القانون الدولي والقانون الإسباني، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقرارات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية.
وتلتزم البلدية بموجبه بعدم عقد أو إقامة أي اتصال سياسي أو مؤسساتي أو تجاري أو زراعي أو تعليمي أو رياضي أو أمني، مع أي منظمة أو مؤسسة إسرائيلية، حتى تقوم الدولة الإسرائيلية باحترام حقوق الإنسان وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاعتراف بحق فلسطينيي 1948 في الداخل، بمعنى إنهاء الفصل العنصري الأبارتهايد، واحترام حق العودة للاجئين المنصوص عليه في القرار 194.
وتلتزم البلدية بعدم عقد أي اتفاق أو تسهيلات تجارية وأكاديمية وثقافية وسياسية، أو رياضية مع المؤسسات أو المنظمات أو الشركات الدولية أو الوطنية الإسبانية، التي ستستفيد مادياُ واقتصادياُ أو سياسياُ من جراء عمليات انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.ولا بد من الإشارة الى أن حركة المقاطعة الدولية كبدت إسرائيل خسائر اقتصادية فادحة، جراء سحب عقود بقيمة 23 بليون دولار.
وأخيرا وبينما أصبح اللعب الآن على المكشوف، ولا مجال للمحاباة، فلا مجال في هذه المعركة للوقوف على الحياد ولم يعد هناك مجال لتبرير المواقف. هناك حالة استقطاب حقيقية في العالم العربي لم يعشها من قبل. فعلينا ان نختار إما ان نكون مع الأكثرية الوطنية الرافضة للاستعمار الجديد، أو نكون إلى جانب الاقلية التي ستزول بزوال المسببات، ولن يطول.