علاقات » اسرائيلي

لاعبون كبار يقاطعون بطولة الشطرنج بالسعودية .. وإسرائيليون يشاركون

في 2017/11/20

 الخليج الجديد-

ما بين مشاركة إسرائيلية مرتقبة، ومخاوف أمنية، وفتوى سابقة بتحريم اللعبة، وتهديدات بالمقاطعة بسبب الملابس، ورغبة ملكية باستغلال دبلوماسية الشطرنج لمآرب أخرى، باتت البطولة العالمية التي ستستضيفها المملكة، الشهر المقبل، على صفيح ساخن، وسط ترقب سياسي ورياضي كبيرين.

وستجري البطولة التي سميت باسم «الملك سلمان» بمشاركة 400 لاعب من مختلف أنحاء العالم، ويبلغ مجموع جوائزها مليوني دولار، من 26 وحتى 30 من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وأعلن بعض كبار اللعبة في العالم، مقاطعتهم لبطولة العالم للشطرنج، التي منح الاتحاد الدولي للشطرنج «Fide» السعودية حق تنظيمها العام الجاري.

وتعكف الهيئة العامة للرياضة في المملكة، على إكمال الاستعدادات والترتيبات لإقامة البطولة لأول مرة في السعودية، إذ تعد هذه البطولة العالمية المرتقبة من ثمار اتفاقية التعاون المشترك التي أبرمها مؤخراً رئيس الهيئة العامة للرياضة «تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ»، مع رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج «كيرسان ايليومجينوف»، في العاصمة البريطانية لندن، وتضمنت استضافة المملكة لبطولة العالم للشطرنج لفئاتها الثلاث «السريعة - المتوسطة – المفتوحة».

مصير الحريري

الأوضاع السياسية الملتهبة في المملكة، ألقت بظلاها على البطولة قبل أن تبدأ، خاصة توالي أنباء القبض على عشرات المسؤولين من أعلى المراتب في حملةِ تطهيرٍ ضد الفساد، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» في الرياض، قبل أن يسافر بعد 16 يوما من مكوثه في الرياض إلى باريس.

جمعية محترفي الشطرنج، عبرت عن قلقها تجاه الحدث المُقام لـ4 أيام، قائلة من خلال رئيسها «إميل سوتوفسكي»، على «فيسبوك»: «بالتأكيد، ستساعد ميزانية الأرقام القياسية زعماء الاتحاد على تجاهل حقيقة أنَّه لن يُسمَح للَّاعبين الإسرائيليين، والإيرانيين، والقطريين بالدخول».

وأضاف: «علينا تعوُّد هذا الأمر. وعلينا الترحيب بالرعاة الأثرياء الجدد بالطبع. قد يكونون لطفاءً كفاية ألا يطالبوا اللاعبات بارتداء النقاب».

ثم قال أخيراً: «ربما سيجعلونهن يرتدين وشاح رأسٍ فقط. إنَّهم يتغيَّرون بالفعل، ألا ترون! والشطرنج يساعد على بناء الجسور. ثم يأتون أولاً للإسرائيليين..».

من بين كبار اللاعبين الذين سيقاطعون البطولة الأوكرانية «آنا موزيتشوك»، حاملة لقب بطولة النساء مرتين، والأستاذ الدولي الكبير في اللعبة الأمريكي «هيكارو ناكامورا».

وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية، إن اللاعبين الذين سيقاطعون الدورة أشاروا إلى أن منافسيهم من (إسرائيل) وإيران وقطر لن يتمكنوا من الحضور إلى السعودية للمشاركة.

وتنوعت أسباب المقاطعة بين القيود المفروضة على الملابس والمخاوف الأمنية وحقوق الإنسان.

وقالت الأوكرانية «آنا موزيشوك»، وهي من بطلات الشطرنج السريع والخاطف، في حسابها على «فيسبوك»: «في البداية إيران واليوم السعودية، فرغم الجائزة المالية لن ألعب هناك، أن تخاطر بحياتك، وأن ترتدي العباءة طول الوقت، لكل شيء حدوده، كان ارتداء الحجاب في إيران أكثر من كاف».

وقال الأمريكي من أصل ياباني «هيكارو ناكامورا»، الفائز بالبطولة الأمريكية للشطرنج 4 مرات: «إنه أمر مريع أن تنظم دورة شطرنج في بلاد لا قيمة فيها لحقوق الإنسان الأساسية».

 

 

وسأل رئيس الاتحاد الأوروبي السابق للعبة «سيلفيو دانيلوف»، الاتحاد الدولي: «بعد إيران والسعودية.. أين ستحصل البطولة القادمة في كوريا الشمالية؟».

مأزق كبير

وفي الوقت الذي أعلن فيه لاعبون كبار عن نيتهم مقاطعة البطولة، يستعد 11 لاعب شطرنج إسرائيلي، لتقديم طلب للحصول على تأشيرة دخول إلى السعودية، ما يعتبر تحديا للتقارب بين البلدين، الذين يزداد يوما بعد يوم.

وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية، إن مشاركة اللاعبين الإسرائيليين لا تمتحن العلاقات بين الدولتين فحسب، بل إنها تختبر كذلك ولي العهد السعودي الشاب، «محمد بن سلمان»، الذي يقود في هذه الأيام تغييرات، وصفتها الصحيفة بـ«بالدراماتيكية».

البطولة وضعت السلطات السعودية في مأزق كبير، يمكن أن يتسبب في خسارتها الكثير، سواء في حالة استضافة البطولة، أو قررت إلغائها، الأولى نظرا لقدوم لاعبين من (إسرائيل) لأول مرة في تاريخ المملكة، ليكونوا بذلك أول أشخاص يدخلون البلاد بجنسيتهم بشكل علني، والثانية سحب البطولة منها حال رفض إدخالهم، إذ أن الاتحاد الدولي سيعزو ذلك حينها لانتهاك شروط الاستضافة.

فتوى تحريم

يفاقم مأزق المملكة إزاء استضافة البطولة، فتوى صدرت العام الماضي عن مفتي المملكة العربية السعودية، الشيخ «عبد العزيز آل شيخ»، تقضي بتحريم لعبة الشطرنج، واعتبارها من الميسر، ومشغلة للوقت ومنفقة للمال.

لكن مسؤول رياضي سعودي، أكد أن «هناك الكثير من الإشاعات والأخبار الخاطئة تنتشر في الإعلام... ننتظركم للترحيب بكم ونريكم أننا مختلفون عن الصورة التي تقدم عنا في الإعلام».

وقال الرئيس الأسبق للجنة القوانين باتحاد الشطرنج السعودي «موسى بن ثايلي»: «يجرى الآن تناقل الكثير من الشائعات والأخبار الكاذبة، وهذا ليس أمراً لطيفاً، هذا يجرحُ المنظِّمين والشعب السعودي».

وفي خطابٍ للاعبين، قال: «سنحب أن نراكم في الرياض ونريد أن نريكم عكس ما تعتقدونه، نريد أن نريكم أنَّنا مختلفون عمَّا تظنون».

وعلَّقت لاعبة الشطرنج كارلا هيريديا على الفيديو الذي نشره المسؤول السعودي على مواقع التواصل، قائلة: «دعني أسألك سؤالاً مهماً واحداً: هل قد تسمح السعودية بحضور لاعبين إسرائيليين، أو تترك النساء يلعبن دون وشاح رأس، وكذلك تسمح بوجود لاعبين من المثليين أو غيريّي التوجه الجنسي دول أن يُقتلوا في أثناء زيارتهم للسعودية؟».

ربما توظف الرياض البطولة لصالحها لكسب نقاط تعزز علاقتها بالغرب، وتقدم صورة جديدة عنها تحت قيادة الأمير «بن سلمان» الذي يسير بخطى متسارعة نحو التطبيع مع تل أبيب.

وبإمكان السعودية، إحياء ما يعرف بـ«دبلوماسية البينغ بونغ» في العام 1971، حين تم إحداث تغييرا أساسيا في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، من خلال دعوة فريق البينغ- بونغ (كرة الطاولة) الأمريكي إلى بكين للقاء نظيره الصيني، وهو ما أنهى توترا بين البلدين دام عشرات السنين.

وكان فريق الجودو الإسرائيلي قد اضطر الشهر الماضي، للمشاركة في بطولة العالم في أبو ظبي بدون رموزه الإسرائيلية، ولعب تحت علم الاتحاد الدولي وعُزف نشيد الاتحاد الدولي كذلك حين فاز لاعبوه بالميداليات.

واعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الحصول على الميدالية الذهبية ليس فوزا رياضيا فقط، بل هو فوز سياسي بامتياز، إذ أن اللاعب الفائز، الذي منع من رفع العلم الإسرائيلي، أو أي شيء آخر يدل على أنه من (إسرائيل)، تحدى المنظمين، عندما تسلم الجائزة، حيث عزف نشيد الاتحاد العالمي للجودو.

واضطرت السعودية لإزالة القيود على لباس المشاركات في البطولة، بعد تهديد بعضهن بمقاطعة البطولة إذا ما اشترطت المملكة المحافظة عليهن ارتداء «العباءة» لتغطية أجسامهن كلَّها حتى القدمين.

وتُلزم الاتحادات الدولية الاتحادات المحلية الراغبة في استضافة بطولات عالمية بعدم رفض استضافة أي فريق يتأهل إلى هذه البطولات، شرطاً لقبول الاستضافة، حتى لو لم ترتبط الدولة المستضيفة بعلاقات دبلوماسية مع الدولة المتأهلة، أو كانت في حالة حرب معها.

الناطق بلسان الاتحاد الإسرائيلي للشطرنج، «ليئور إيزنبرغ»، ألمح إلى توظيف الشطرنج كجسر لتطوير العلاقات الدافئة بين الدول أيضا، مؤكدا أن موضوع مشاركة اللاعبين الإسرائيليين في البطولة التي ستستضيفها المملكة، كان على جدول أعمال المباحثات التي جرت بين الاتحاد الإسرائيلي والدولي قبل فترة.

والشهور الأخيرة شهدت تسارعا في وتيرة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، بشكل علني، حيث بدأ الأمر بالزيارات السرية المتبادلة لمسؤولين من البلدين، مرورا بفتوى مفتي عام السعودية ورئيس «هيئة كبار العلماء» في المملكة، الشيخ «عبدالعزيز آل الشيخ»، بعدم جواز قتال (إسرائيل).

وتعد مقابلة رئيس الأركان الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، عبر منير إعلامي سعودي (صحيفة إيلاف)، أمرا ذا دلالة، دفع الجنرال «غادي إيزنكوت»، للتعبير عن سروره بهذه الفرصة للتحدث عبر الإعلام العربي عن (إسرائيل) عسكرياً وسياسياً.