علاقات » اسرائيلي

«بن سلمان» و«نتنياهو» و«كوشنر».. الصفقة المستحيلة للتطبيع السعودي الإسرائيلي

في 2017/11/30

إيميل نخله - لوبيلوج-

بدأت العلاقات السعودية الإسرائيلية، خاصة بين أجهزة الاستخبارات، منذ عدة أعوام، تحت إشراف «بندر بن سلطان»، السفير السعودي السابق لدى واشنطن والمدير السابق لمجلس الأمن القومي السعودي.

ومع ذلك، تسارعت هذه العلاقات بشكل ملحوظ خلال مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، خاصة منذ أصبح «محمد بن سلمان» هو الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية.

وقد انضمت السعودية و(إسرائيل) إلى حملة ضغط مشتركة نشطة في واشنطن لإحباط الاتفاق النووي، ولكن دون جدوى.

وعلى الرغم من ذلك الفشل، فإنهما تعاونا منذ ذلك الحين عن كثب لتقويض الاتفاق وشيطنة إيران، ولم يعترف المراقبون الدوليون أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمزاعمهما حول انتهاك إيران للشروط المفروضة عليها بموجب الاتفاق.

ومع صعود «بن سلمان» إلى السلطة، وموقفه العدواني تجاه إيران، ومؤخرا حزب الله، إلى جانب الحرب الفاشلة في اليمن، واستيلائه على السلطة في المملكة تحت ستار مكافحة الفساد، انضمت المملكة مرة أخرى إلى الإسرائيليين في جهود وقف انتشار «الهلال الشيعي» في الشرق الأوسط.

ويعتقد «بن سلمان» بشكل ساذج أن «الهلال السني» هو البديل المناسب لتقييد مكانة إيران الإقليمية ونفوذها، وأنه سيكون أكثر استساغة لدى الجمهور الغربي وصناع القرار، بما في ذلك الحكومة اليمينية في (إسرائيل).

وقد رحبت (إسرائيل) بحملة ولي العهد السعودي المناهضة لإيران، خاصة أن «بن سلمان» قد وسع جبهة المعاداة للشيعة لتشمل حزب الله ولبنان.

ومن خلال اتهام لبنان، ذلك البلد الصغير، بإعلان الحرب على المملكة - وهو ادعاء مثير للسخرية - يأمل «بن سلمان» في تعزيز علاقاته مع الإسرائيليين، لأنهم يعتبرون لبنان فناءهم الخلفي، وحزب الله عدوهم اللدود.

وتشكل الاتصالات الاستخباراتية السعودية مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) جزءا من توسيع العلاقات بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ودول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا البحرين والإمارات العربية المتحدة.

الاستخبارات السعودية الإسرائيلية

وقد بدأ تبادل المعلومات الاستخباراتية بين السعودية و(إسرائيل) على نحو متردد وخفي في التسعينات، ولكنه توسع بشكل كبير وأصبح أكثر علنا ​​منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.

وواصل كلا البلدين التعاون من أجل المصلحة الذاتية، وكان الإرهاب ومكافحته، ولا سيما فيما يتعلق بمدى انتشار القاعدة وتنظيماتها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، هي الشواغل الرئيسية.

وركزت (إسرائيل) على حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان والخليج، وقد تشاركت الدولتان في مواجهة المد المتصاعد للتطرف والقتال، ومكافحة الجماعات «الإرهابية».

وكان «محمد بن نايف»، ولي العهد السعودي السابق وزير الداخلية السابق، قد قاد معركة المملكة ضد التطرف والإرهاب، خاصة بين الشباب السعودي.

وكتب «جورج تينيت»، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ما يلي في كتاب «مركز العاصفة»:

«أصبح محمد بن نايف أهم محاورنا، وفي عمر الشباب نسبيا، كان هو الشخص الذي وضعنا فيه قدرا كبيرا من الثقة والاحترام، وكانت الكثير من النجاحات في دحر تنظيم القاعدة في المملكة نتيجة لجهوده الشجاعة».

وكنت قد عقدت لقاء مع «بن نايف» في قصره في الرياض، قبل عدة أعوام، لمناقشة برنامجه لمكافحة الإرهاب، كما أنني أعجبت بالتزامه بمكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ومع اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية بالجهود السعودية لمكافحة الإرهاب، بدأت في تقديم المعلومات إلى «بن نايف» عبر «بندر بن سلطان آل سعود»، السفير السعودي لدى واشنطن آنذاك.

وظهر «بندر» كقناة حاسمة في التعاون الاستخباراتي السعودي  الإسرائيلي المتنامي، الذي ركز في البداية على مكافحة الجماعات السنية في شمال لبنان.

ثم تحول التركيز لاحقا إلى حزب الله والتحالف الثلاثي بين إيران و«الأسد» وحزب الله، وتباطأ التعاون خلال حرب لبنان عام 2006، وبرز حزب الله من الحرب على أنه البطل الفائز لدى الشارع العربي، وهو الأمر الذي، بطبيعة الحال، أفزع (إسرائيل) والسعودية والدول السنية الأخرى.

وقد انتشرت صور «حسن نصر الله»، الأمين العام لحزب الله، في جميع أنحاء العالم العربي، وقال لي مصري في ذلك الوقت: «أصبحت صور حسن نصر الله في مصر أكثر من صور حسني مبارك».

العلاقات السياسية السعودية الإسرائيلية

وعلى الرغم من أنه لا يزال ناشئا، فإن ما يسمى بـ«التحالف» السعودي الإسرائيلي الناشئ يعد أحد المصالح الملائمة والمشتركة، ويبدو أن كلا من الرياض وتل أبيب يتبعان القول: «عدو عدوي هو صديقي»، وقد تجلى ذلك بالطبع في تحالف «ونستون تشرشل» في الحرب العالمية الثانية مع «ستالين» ضد «هتلر».

وقد بدأ ولي العهد السعودي سياسة خارجية نشطة تضع الرياض ضد طهران وحلفائها في المنطقة، وخلافا للسياسة الخارجية الهادئة التي تتبعها المملكة منذ تأسيسها، يعمل «بن سلمان» على سياسة خارجية جديدة وغير مسبوقة تستهدف بشكل علني وقوي وبشدة استهداف نفوذ إيران المنتشر في العالم العربي.

وفي مسعى لتقويض الممر الإيراني الفارسي الشيعي الذي يمتد من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر الأبيض المتوسط، شكل «بن سلمان» تحالفات مع الدول السنية التقليدية ومع (إسرائيل) وإدارة «ترامب».

ولكي نكون واضحين، تهدف استراتيجية بناء التحالفات هذه فقط وبشكل أساسي لخدمة مصالح السعودية، وليس الأمة الإسلامية كلها، وليس القومية العربية، وبالتأكيد ليست القضية الفلسطينية.

وتعد هذه الاستراتيجية المتمثلة في التقارب مع الدولة اليهودية محفوفة أيضا بالعديد من التحديات التي لا يمكن التغلب عليها.

فلا يمكن استمرار التقارب المتصور مع (إسرائيل) إلا إذا عمل هو وشريكه الأمريكي، «جاريد كوشنر»، على إبرام اتفاق سلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين.

وسوف تتأثر مصداقية «بن سلمان» في العالم العربي والعالم الإسلامي الأوسع بشكل كبير ما لم يقنع حكومة «نتنياهو» بإنهاء احتلال الضفة الغربية - بما فيها القدس الشرقية - وتوفير حل عادل لهذا الصراع المستعصي.

والسؤال الرئيسي هو، ما الذي سيحدث لهذا التقارب إذا تم اتهام رئيس الوزراء «نتنياهو» بتهمة الفساد وأرغم على ترك منصبه؟ هل سيتبع الزعيم الجديد نفس المواجهة تجاه إيران؟

وعلى افتراض نجاة «نتنياهو» من مشاكله القانونية المستمرة، فما هي طبيعة التفاهم الشامل، الذي يتوقع «كوشنر» الوصول إليه مع «بن سلمان»، لإقناع أصدقائه الإسرائيليين بتسوية الصراع؟

وتعد نقطة الضعف القاتلة في استراتيجية «بن سلمان» المعادية لإيران هو أنه يعتمد على الخيار العسكري، وليس على الدبلوماسية.

ومع ذلك، ما لم تكن طهران ترى تهديدا وشيكا بحرب ثلاثية، أمريكية سعودية إسرائيلية، في الأفق، فإنها لن تنظر بجدية في تغيير حساباتها الاستراتيجية الإقليمية.

وعلى الرغم من أن الرئيس «ترامب» و«جاريد كوشنر» يؤيدان علنا ​​الإجراءات الصارمة التي يقوم بها «بن سلمان»، بما في ذلك حربه الكارثية في اليمن، وعلى الرغم من أن السياسيين الإسرائيليين يطالبون بتحالف عام مع السعوديين، فإن واشنطن وتل أبيب لا يقبلان حربا أخرى في المنطقة.

وأصبحت أجهزة الاستخبارات في كلا البلدين أكثر حذرا من تهور «بن سلمان».

وما يزيد من تعقيد هذا الوضع غياب الدبلوماسية الأمريكية، ولا يعمل وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون»، ولا أي دبلوماسي أمريكي كبير آخر، على نزع فتيل الحرب في الخليج، بل على النقيض من ذلك، يبدو أن فك الارتباط الدبلوماسي الأمريكي يشجع «محمد بن سلمان» ومستشاريه في شهيتهم للحرب مع إيران.

ولم تنظر إيران أبدا للمملكة كعقبة أمام طموحاتها، ولن تفعل ذلك فقط لأن ولي العهد الشاب يقول إنه ينبغي عليها ذلك، وستعاني المملكة في ملفي النفط والماء وغير ذلك من مكونات البنية التحتية السعودية أشد المعاناة إذا اندلعت الحرب بين الخصمين.

وسيواجه العالم الإسلامي تقلبات طائفية غير مسبوقة، وربما لا يمكن إصلاحها، بين الإسلام السني والشيعي، ومن شأن هذا التطور أن يسبب ضررا لا يوصف للأمن والمصالح الوطنية الأمريكية في المنطقة.

وتحضرني أسئلة مهمة أخرى: ماذا لو أخفق «بن سلمان» في صراع السلطة داخل أسرة «آل سعود»؟ وماذا لو أتت الاعتقالات والأصول التي صودرت بأمره من مئات السعوديين الأثرياء باسم مكافحة الفساد بنتائج عكسية، ولم يعتل العرش؟

وإذا سقط «جاريد كوشنر» في تحقيقات التدخل الروسي وترك البيت الأبيض، ماذا سيحدث لاستراتيجية «بن سلمان» تجاه إيران؟

وبينما تدرس أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية قبضة ولي العهد الضعيفة على السلطة، فمن الآمن أن تفكر في تحضير سياسة خاصة لاتخاذ موقف أكثر حذرا تجاه شجاعته التي لا حدود لها على ما يبدو، في إطار الحديث عن حرب إقليمية أخرى.

وسواء في الخليج أو على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإن أمريكا والعالم لا يستطيعان تحمل حرب أخرى في الشرق الأوسط.