إسماعيل عزام- DW- عربية-
أكبر ما ضمنته إسرائيل من جيرانها العرب هو تخليهم عن منطق المواجهة العسكرية واستعداد جلّهم للتعايش معها. لكن العرب لم يضمنوا إلى حد الآن موافقة إسرائيلية على قيام دولة فلسطينية بما ينهي النزاع الذي دخل عامه السبعين.
سبعون عاماً يمرّ على إعلان إسرائيل، محطات كثيرة مرت على هذا التاريخ في إطار نزاع بدأ عربياً - إسرائيلياً وبدأ يتحوّل في العقود الأخيرة إلى صراع فلسطيني -إسرائيلي. لم يصل النزاع إلى حل، لكن المطالب الفلسطينية - العربية (على المستوى الرسمي) تغيّرت مع الزمن، فمن رفض مطلق لأيّ اعتراف بإسرائيل ومن ثمة الدخول في مواجهات مسلّحة معها، إلى تبنيّ فكرة الدولتين والمطالبة باعتراف دولي بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
تعدّ العلاقات العربية - الإسرائيلية مجالاً خصباً للدراسة، فليس العرب على قلب رجل واحد في نظرتهم إلى تل أبيب رغم إصدار الجامعة العربية لبيانات ختامية تتكرّر فيها الدعوة إلى السلام والتنديد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ويمكن تقسيم الدول العربية في علاقاتها مع إسرائيل إلى ثلاثة محاور:
تطبيع رسمي للعلاقات: بدأت مصر هذا المسار منذ اتفاقية كامب دافيد عام 1978 بأن كانت أول دولة عربية تعترف رسمياً بإسرائيل، وهو ما كلفها تجميد عضويتها بالجامعة العربية لسنوات. لكن الموقف العربي صار أكثر ليوناً لاحقاً، خاصة بعد محادثات أوسلو عام 1993 التي اعترفت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، ثم جاء الموقف الأردني بعدها بسنة ليعلن الاعتراف عبر اتفاقية وادي عربة.
دول لا تزال تنظر إلى إسرائيل "عدواً": لم يتخذ كل جيران الموقف المصري - الأردني نفسه، فسوريا لا تزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل. والتوتر لا يزال على أشده بين لبنان وإسرائيل، خاصة مع استمرار الحضور القوي لحزب الله في الجنوب اللبناني، ومع نشاط الحكومة اللبنانية في برامج مقاطعة إسرائيل. بعيداً عن الجيران، توجد دول أخرى لديها موقف متشدد حيال إسرائيل، خاصة العراق الذي لم يعدل لهجتها تجاه تل أبيب منذ عهد صدام حسين، والجزائر التي ترفض أيّ تقارب مع إسرائيل.
دول بمواقف مرنة: كل الدول العربية المتبقية لا تقيم حالياً علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، لكن مسؤولين منها التقوا رسمياً بمسؤولين إسرائيليين كما جرى بالمغرب وتونس، كما أن منها من ترتبط بعلاقات تجارية معها كقطر، وهناك تقارير عن علاقات متعددة غير رسمية بين إسرائيل وجلّ الدول العربية. ثم جاء الموقف السعودي مؤخراً بالدفاع عن حق إسرائيل في الأرض ليؤكد التطور الحاصل في نظرة دول عربية متعددة إلى تل أبيب.
هل تتطوّر المواقف أكثر؟
بعد مرحلة الرفض والمواجهة العسكرية، ثم مرحلة محاولة التفاوض التي بدأت مع زيارة أنور السادات للقدس، وصلت الدول العربية في علاقتها مع إسرائيل إلى المرحلة الثالثة حسب رأي الكاتب الفلسطيني حسن خضر، وهي مرحلة طويلة الأمد عنوانها شبه قبول لإسرائيل من لدن الغالبية العظمى من الدول العربية، ممّا يعني تفاوضاً حول سبل التعايش. ويتابع خضر في تصريحات لـDW عربية أن حتى الدول العربية المحسوبة على معسكر الممانعة، لا تتبنى مواقف الإنكار المطلق لإسرائيل، فـ"لا أحد منها يدعو إلى شنّ الحرب على إسرائيل، وخلافها معها يتجسد في آفاق الحل وليس موقفا مبدئياً في رفض التفاوض".
يتفق جمال عبد الجواد، مستشار في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن المبادئ ليست هي من تحدّد علاقة الدول العربية بإسرائيل، لكنه يشير إلى أمر آخر هو المصالح، إذ يقول لـDW عربية إن الدول العربية التي أقامت علاقات رسمية وغير رسمية مع تل أبيب فعلت ذلك لأجل مصالح معيّنة وليس لأجل دعم القضية الفلسطينية، متابعاً أن حتى "دول الممانعة" قد تغيّر مواقفها نتيجة المصالح أو التغيّرات الإقليمية كـ"خروج سوريا وإيران والعراق من الفلك الإيراني، وتغيّر موازين القوى في لبنان لصالح قوى لا تمانع تحقيق التقارب مع إسرائيل".
هل استفادت إسرائيل أمنياً؟
في عصر المواجهة العربية - الإسرائيلية، كانت إسرائيل تتهيّب من أيّ إعلان جديد للحرب عليها من قبل الدول العربية، لكن بعد 1973 لم تقع أيّ مواجهات تجمع تحالفاً عربياً موسعاً ضد إسرائيل رغم وقوع تطوّرات خطيرة كاجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان 1982 - بل إن القمة العربية في فاس التي أعقبت الاجتياح أقرّت أول مشروع سلام إقليمي مع إسرائيل - وكذلك الأمر في حرب لبنان 2006 والحرب في غزة. كلها قرائن جعلت إسرائيل تستفيد أمنياً من تبني العرب للخيار الدبلوماسي وقبولهم المبدئي بوجودها، خاصة وأن السعودية وحلفاءها، باتوا يرون في إيران عدوهم الأول بالمنطقة، بما يجعلهم يتقاسمون الهدف ذاته مع تل أبيب.
غير أن جمال عبد الجواد يشير إلى أن تحوّلات المواقف العربية لم تعد تعني شيئاً لأمن إسرائيل: "لو صدرت التحوّلات العربية نهاية السبعينيات، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إسرائيل لشرعية عربية، لكان ذلك مفيداً لهذه الأخيرة. أما الآن، فقد ضمنت إسرائيل أمنها تماماً، ولا توجد أيّ تهديدات من دول الجوار، والاستفادة الوحيدة للدول العربية من تطوّر مواقفها، كالذي صدر عن السعودية، هو تعزيز مصالحها مع الولايات المتحدة"، يقول الخبير.
أيّ انعكاس على تأسيس الدولة الفلسطينية؟
منذ إعلان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين عام 1988 – ثاني إعلان فلسطيني بعد 1948- واعتراف الكثير من الدول بها يتوالى، لكن أقصى ما قدمته الأمم المتحدة لفلسطين هو صفة دولة مراقب غير عضو عام 2012، وهو ما اعتبره الفلسطينيون نصرا حوّل بلدهم من "كيان" إلى دولة. اليوم تبدو العلاقات العربية - الإسرائيلية في حالة جيدة، فهل يسرّع ذلك اعترافاً إسرائيلياً بدولة فلسطينية، خاصة وأن هذا الاعتراف من شأنه أن يذيب العراقيل المتبقية التي تتيح للمنتظم الدولي الإشارة إلى "الدولة الفلسطينية" بدل "السلطة الفلسطينية" المعمول بها حالياً؟
يجيب جمال عبد الجواد أن العرب أهدروا كل الفرص الممكنة لدفع إسرائيل نحو القبول بدولة فلسطينية وفق الشروط الحالية: "اتهموا الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بالخيانة لما دعا إلى حلّ الدولتين عام 1965، والآن يطلبون ما هو أقّل بكثير ممّا كان ممكناً سابقاً. الحالة الآن تقترب من اليأس في تعديل الوضع" يقول عبد الجواد، لافتاً أن المبادرات العربية الحالية للتقارب مع إسرائيل "خجولة"، ولا تصل مثلاً إلى المبادرة التي قام بها أنور السادات عام 1977 بزيارته القدس، وبالتالي لن تدفع بإسرائيل، حسب رأيه، إلى تبنّي موقف مساندٍ لقيام دولة فلسطينية، على الأقل على المستوى القريب.
غير أن حسن خضر يحمّل المسؤولية إلى إسرائيل في هذا الصدد: "لا توجد رغبة من تل أبيب باستثمار ما يبديه العرب من رغبة في التعاون والتعايش. إسرائيل لا تدرك أهمية الدخول في علاقات جادة مع العالم العربي، وهناك رفض إسرائيلي مسبق للاتفاقيات التي تضمن قيام دولة فلسطين"، يقول الخضر، مبرزاً أن هناك تراجعاً إسرائيلياً عن مواقف سابقة كانت تساند قيام دولة فلسطينية، وأن هناك صعوداً غير مسبوق لليمين القومي الديني داخل إسرائيل، وما يشجعه على تبني خطابات متشددة، هو علاقاته القوية مع الولايات المتحدة، حسب رأي خضر.