القدس العربي-
يمكن اختصار العناصر الأربعة في العنوان الآنف بمعادلة رياضية طرفاها اثنان: يقوم الأول منها على تمويل إماراتي لشركة يديرها إسرائيلي ـ هنغاري، ويعمل فيها مرتزقة أمريكيون، بينما يتمثل الجزء الثاني منها في خصوم سياسيين لأبوظبي في اليمن وفي بلدان أخرى بـ"الشرق الأوسط" (يجب التخلّص منهم بالاغتيال).
هناك عنصر خامس في المعادلة يجب ذكره، وهو محمد دحلان، مسؤول الأمن السابق في السلطة الوطنية الفلسطينية.
كشف هذه المعلومات مؤخرا موقع "بزفيد" الإخباري البريطاني وحدّد موقعا جغرافيا وزماناً لإحدى العمليات، كما كشف اسم "الشركة" واسم مديرها (أبراهام غولان)، والتقى بعض من شاركوا في العمليات.
ومنهم من عمل في وحدات "كوماندوز" رفيعة التدريب في الجيش الأمريكي، وحدد إحدى الشخصيات السياسية التي كان مطلوبا تنفيذ اغتيالات ضدها (إنصاف علي مايو زعيم حزب "الإصلاح" في عدن).
وحسب التقرير فإن المهمة كانت واضحة: "استهداف قادة حزب الإصلاح لا اعتقالهم أو سجنهم"، والسبب المزعوم هو أن الحزب فرع من "الإخوان المسلمين" الذين تعتبرهم الإمارات "منظمة إرهابية".
مجيء هذا التقرير في وقت تغلي فيه المنطقة العربية والعالم على وقع كشف التفاصيل المرعبة لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي مما يدفع بالضرورة إلى حكّ المفارقات الكبيرة التي تجمع هذه الوقائع.
بدءاً من التحوّل المريع للسلطات العربية من الانشغال ببروتوكولات السياسة المعتادة التي تعني، في غيرها من بلدان العالم، الانشغال بتدبير شؤون حياة مواطنيها اقتصادا واجتماعا وتنمية، إلى توظيف الأموال لإدارة عمليات الاغتيال العابرة للحدود لخصوم مفترضين لا يحملون عليهم سلاحا ولا يقودون حروبا ولا يشكلون خطرا فعليا.
إضافة إلى إعادة تصريف السياسة وتحويلها إلى أفعال اغتيال شائنة لشخصيات سياسية فإن الإمارات قامت بسبق ابتكاريّ على حليفتها السعودية.
فعكس الرياض التي أرسلت، حسب كل ما تشير إليه الأنباء، فريقاً "محلّياً" من الهواة الذين تركوا وراءهم مجموعة كبيرة من الآثار الفاضحة الدالة على جريمة اغتيالهم لخاشقجي، فإن أبو ظبي استفادت من تجربتها كعاصمة بلاد تجارية يشترى ويباع فيها كل شيءّ،.
فقامت بما يسمونه في عالم الأعمال (Outsourcing) أي تكليف خبراء أجانب بتنفيذ الأعمال "القذرة" التي يمكن للمال أن يشتريها (في الحالة المذكورة كان الاتفاق على 1.5 مليون دولار في الشهر)، وبذلك توفّر عليها فضائح وتبعات مساوئ وأخطاء المنفذين المحلّيين على الطريقة السعودية!
لا ندري ما هي الأمثولة التي ارتأتها أبوظبي في اختيارها السيّد دحلان لدور الوسيط مع شركة مرتزقة أمريكيين يديرها إسرائيلي؟
وهل هذا من باب نشر ثقافة التسامح والسلام والترويج للتسوية؟
كما لا نعرف إن كانت "إسرائيلية" مدير الشركة مطلوبة بحد ذاتها باعتبار أن الإسرائيليين متفوقون في صناعة القتل والاغتيال؟
أم لأن الخصم المستهدف عربيّ وبالتالي سيجد المنفذ الإسرائيلي والأمريكي مبررا إضافياً للقتل السياسي حين يجد نظاماً عربيّا ينقده مبالغ طائلة لقتل أشخاص من قوميتهم نفسها ودينهم نفسه؟
هناك مقارنة أخرى مفيدة بين الجنود الأمريكيين الذين ينفذون عمليات الاغتيال لصالح الإمارات، ويتلخص موقفهم بأنهم مستعدون لقتل من يشاء ممولوهم، وموقف الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترامب والتي كانت واضحة في أنها لن تلغي صفقات السلاح مع السعودية حتى لو ثبتت مسؤوليتها عن اغتيال خاشقجي.
الموقفان بصراحة متشابهان أما الباقي فتفاصيل.