محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-
ترتبط الدولة السعودية بالولايات المتحدة بعلاقات مميزة تعود جذورها إلى المرحلة الأولى من تأسيس المملكة في ثلاثينيات القرن الماضي عندما حلت بالملك عبد العزيز- رحمه الله- ضائقة مالية وأحجمت بريطانيا حينها عن تقديم مساعدة مالية إلا في حدود ضيقة جدا رغم أنها الحليف الرئيسي لبريطانيا في مواجهة العثمانيين.
ولم يجد من يمد يد العون له بسخاء إلا أمريكا في ذلك الزمان. احتفظ الملك عبد العزيز بالجميل لها وكانت الأولى بمنحها عقودا لاكتشاف البترول في السعودية «آرامكو»، ومن هنا كانت الحظوة لامريكا منذ ذلك العهد مرورا بالملك سعود ومن بعده فيصل وخالد وفهد وعبد الله وأخيرا سلمان على التوالي.
ورغم العلاقات السعودية الامريكية المتميزة، إلا أن قضية فلسطين كانت تحظي باهتمام ملوك السعودية على التوالي، ولم يتجرأ أي من منهم على المجاهرة باي علاقة تربط بينهم وبين إسرائيل تحت الضغوط الأمريكية.
وكان الملك عبد العزيز المؤسس للمملكة يجاهر بمعاداة إسرائيل وعدم السماح لامريكا بان تمارس عليه اي ضغوط، من اعتراف صريح باسرائيل او التعامل معها بطريقة غير مباشرة أو السكوت عن المطالبة بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني. السعودية اشتركت في حرب فلسطين بقوات رمزية عام 1948، ووقفت ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
عندما وقع العدوان الثلاثي «إسرائيل، فرنسا، بريطانيا» على مصر صرح الملك سعود- رحمه الله- لجريدة البلاد السعودية قائلا: « لقد عاش آبائي وأجدادي عشرات السنين يركبون الجمال والخيل ويأكلون التمر.
وفي سبيل العروبة نحن مستعدون للتضحية بكل شيء حتى لو أدى ذلك الى العودة الى الصحراء على الخيل والجمال، فالعزة والشرف مع الجوع خير من الرفاه مع الذل. وأمر الملك سعود بقطع البترول عن فرنسا وبريطانيا، ومنع وصول البترول السعودي الى هاتين الدولتين بأي وسيلة كانت.
وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي تقدم الملك فهد بمبادرة لحل الصراع العربي الاسرائيلي «القضية الفلسطينية» امام مؤتمر القمة العربي في المغرب (قمة فاس) عام (1981)، وسار على طريقه الملك عبد الله وقدم مبادرة لذات الشان لمؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002.
ولم تستجب اسرائيل لاي من تلك المبادرات السعودية والتي جرى تبنيها عربيا بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية. ما أردت قوله هنا، أن الدولة السعودية كانت تحرص على ايجاد حلول للقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي ترضى الشعب الفلسطيني، وكذلك اجماع عربي على مستوى القمة.
ولعلم القارئ فإن السعودية رسميا لم تعلن انهاء حالة الحرب مع اسرائيل التي اعلنتها عام 1948،ولم تعترف بها رسميا.
في عهد الملك سلمان آل سعود وولي عهده ابنه محمد تكاثرت اللقاءات السعودية الاسرائيلية، الجنرال أنور عشقي يقود مجموعة من رجال الاعلام والمال لزيارة اسرائيل جهارا نهارا، ولم يصدر بيان سعودي يرحب او يدين تلك الزيارة.
الأمير تركي الفيصل كثرت لقاءاته وحواراته مع رموز الكيان الصهيوني ولم يعترض عليها او يؤيدها احد، لكن الصمت في هذه الحالة تأييد ومباركة لما فعل.
وينسب إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه عراب «صفقة القرن» أي ما يعني انهاء المسألة الفلسطينية نهائيا وإلى الأبد، وضمنا باركت السعودية انتقال السفارة الامريكية الى مدينة القدس التي تعتبر بموجب قرارات الامم المتحدة مدينة محتلة بالقوة المسلحة من قبل اسرائيل منذ عام 1967.
كما ينسب الى الامير محمد في أبريل 2018 قوله امام تجمع لليهود في مدينة نيويورك «أن على الفلسطينيين ان يقبلوا مقترح السلام أو يخرسوا».
في نوفمبر 2017 زار المدينة المنورة الصحفي الاسرائيلي «بن تزيون» ومن داخل الحرم النبوي الشريف وبالقرب من مرقد الرسول عليه الصلاة والسلام اخذ الصحفي الاسرائيلي مجموعة صور مع مواطنين ومواطنات سعوديين وسعوديات رغم علمهم بانه اسرائيلي يهودي.
ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل تطالب السعودية بحقوق تدعي انها ليهود هاجروا من المدينة عند انتشار الاسلام فيها. وفي عهد الملك سلمان وولي عهده أصبح المجال الجوي السعودي مفتوحا للطائرات الاسرائيلية المتجهة من اسرائيل الى قارة آسيا وإليها.
ولن اتحدث عن التنسيق الامني بين اسرائيل والسعودية في عهد الملك سلمان ولا مشتريات السلاح ومعدات التجسس فذلك يحتاج الى صفحات لا مجال لها هنا.
عندما نتحدث عن السعودية ومواقفها التي تمس الامن القومي العربي والاسلامي، ليس من منطلق الكراهية والحقد بقدر ما هو غيرة على سمعة هذه الدولة التي يحمل ملوكها واحدا تلو الآخر لقب «خادم الحرمين»، فعلى مر عهود ملوك السعودية لم يتجرأ احدهم على اللقاء ولو سرا باي مسؤول او صحفي إسرائيلي.
ولكي اكون ناصحا أمينا للنظام السياسي القائم اليوم في الرياض بقيادة الملك سلمان وابنه محمد أقول إنه لا إسرائيل ولا أمريكا ضامنان لبقاء الدولة السعودية قائمة.
وتجارب التاريخ وعبره تبدي لنا ذلك: شاه إيران محمد رضا بهلوي كان اكثر قربا لأمريكا وإسرائيل، وكذلك هيلا سيلاسي، وماركوس في الفلبين وانور السادات في مصر وغيرهم كثير في امريكا اللاتينية وافريقيا، كلهم أكثر قربا ثقافيا وحضاريا اوعرقيا من آل سعود الى امريكا.
وتاكدوا بانه لا عاصم لكم من غضب الشعب والامة العربية والاسلامية الا بالرجوع الى الحق والارتباط بأمتكم وشعبكم ومحيطكم العربي.
ولا عاصم لكم من غضب الله إلا باطلاق سراح جميع المعتقلين أصحاب الفكر والرأي السديد.
إن دبلوماسية الاسترضاء التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان لامريكا واسرائيل تصب في خانة الخسارة الوطنية والقيم التي تربى عليها الشعب العربي وخسارة النظام السياسي جملة وتفصيلا في السعودية.
ان الهرولة نحو التطبيع مع اسرائيل غير مجد للدولة السعودية، وان التنازلات التي يقدمها الأمير محمد للادارة الامريكية سواء في زيادة انتاج البترول لتخفيض أسعاره ليصل البرميل إلى 54$ بدلا من 82$ أو مشتريات السلاح سيشكل كارثة اقتصادية على السعودية.
لقد أهانكم يا سمو الأمير محمد إهانة كبرى وعلى شاشات التلفزة الامريكية عندما عرض لوحة بها سلع عسكرية وأسعار تلك الاسلحة، كما انه شوه سمعتكم أمام الرأي العربي والاسلامي عندما قال:
«انه لولا السعودية لكانت اسرائيل في ورطة كبيرة» وقال ايضا على التلفاز «ان السعودية ساعدتنا في دعم اسرائيل، وقال الكثير مساً بمكانة حكام الخليج قبل 30 عاما في مقابلة مع المذيعة الأمريكية «أوبرا ينفري».
◄ آخر القول:
يقول الرئيس ترامب إن أمريكا مديونة بـ 19 تريليون دولار، على دول الخليج دفعها بدون تردد، إنهم لا شيء، وبدوننا لن يستطيعوا الحياة.
هل ستقبلون أن تكونوا خدماً لأمريكا طيلة أعماركم لتسددوا ديونها؟!