القدس العربي-
«تسامح» أبوظبي الحقيقي هو تسامح مع الاحتلال الصهيوني وليس مع الشعب الفلسطيني الواقع تحت ظلمه.
زيارة البابا وشيخ الأزهر والحاخام «كرنفال ديني» يجري استغلاله لـ«تبييض» صفحة أبو ظبي الممتلئة بالسواد!
الإمارات دولة أمنية تجسسية تستهدف المسلمين ومتهمة بالفساد وتبييض الأموال وتمويل وإدارة الثورات المضادة للديمقراطية.
أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة على الانترنت بعنوان «إسرائيل في الخليج» واصفة إياها بـ«السفارة الافتراضية» بين إسرائيل و«دول الخليج»، لكنّ «السفارة»، على ما يبدو، مهتمة بدولة من «دول الخليج» تلك أكثر من غيرها.
في تبريرها لهذه السفارة قالت الصفحة إن الحاخام اليهودي مارك شناير استغلّ الزيارة التاريخية لبابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس إلى الإمارات ليلتقي أبناء «الجالية اليهودية» في دبي مبشراً إياهم بأن اعتراف الإمارات بالجالية اليهودية «سيفسح المجال أمام بناء كنيس هناك»، وأن من المتوقع أن تشهد الجالية ازدهارا في «إطار عام للتسامح في البلاد».
وحسب الصفحة فإن بعض المغردين الخليجيين رحبوا بالخطوة وقال أحدهم: «نحن مع السلام. أهلا بأي خطوة تدعو إلى التقارب ونبذ الحروب، فمن حق البشر العيش في رخاء اقتصادي واجتماعي وثقافي»، فيما قال آخر معلقا على زيارة الحاخام إلى دبي: «بيتكم وداركم الإمارات والخليج. أهل السلام والتعايش والتسامح. حياكم الله».
كانت زيارة البابا للإمارات إذن الحدث الرئيسي الذي وجهت عليه الأضواء وقد أضاف عليها مخرجو عرض «التسامح والسلام ونبذ الحروب» وجود شيخ الأزهر أحمد الطيب حيث تم وضع حجر أساس كنيسة باسم الأول ومسجد باسم الثاني!
وهو الأمر الذي دفع الحاخام شناير لمتابعة منطق «التسامح» الإماراتي إلى آخره بافتراض أن كنيسا يهودياً سيبنى، حتى لو لم يعلن عنه، وعلى الأغلب أن يسمّى أيضاً باسم شناير فتكتمل بذلك دائرة الحبّ الأخويّ ويعم الوئام والسلام بين الأديان السماوية الثلاثة!
من النافل القول إن الشعوب العربيّة، وليس شعب الإمارات وحده، تتطلع إلى سيادة أجواء التسامح الديني ونبذ الحروب وانتشار السلام، ولكنّ الحقيقة التي يعلمها الجميع أن زيارة البابا وشيخ الأزهر والحاخام ما كانت إلا «استعراض» آخر من الفعاليات المبهرجة والمترفة التي اعتادت الإمارات على تقديمها للعالم.
وأن هذا «الكرنفال الديني» المهيب يجري استغلاله لـ«تبييض» صفحة أبو ظبي الممتلئة بالسواد، ففي داخل حدودها تحولت الإمارات إلى دولة أمنية وتجسسية فظيعة بأجندة مشوّهة لدولة مسلمة تجعل المسلمين هدف مراقبتها الرئيسي.
وتصبح هدفا لاتهامات الفساد وتبييض الأموال في العالم، أما في الخارج فتصبح رأس الحربة في تمويل وإدارة الثورات المضادة وفي التآمر على الشعوب العربية ومناهضة تطلعاتها في الديمقراطية والخلاص من الاستبداد والاحتلال.
يفترض «التسامح بين الأديان» وجود صراع دينيّ إقليمي أو عالمي وهذه أيضاً إحدى «الألعاب» التي تقوم الإمارات وأنظمة أخرى بتسويقها لإخفاء العناصر السياسيّة للصراعات:
الاستبداد، في وضع الأنظمة العربية، والاحتلال، في الوضع الإسرائيلي، وبذلك يتم تحويل نضال الشعوب للديمقراطية والحرية وحكم القانون وإنهاء الاحتلال إلى نزاعات يمكن أن تحلّ باجتماع البابا وشيخ الأزهر وحاخامات اليهود.
من المؤسف حقا أن البابا، الذي اشتهر بمواقفه الليبرالية وتأييده للمظلومين ولقضايا العدالة الاجتماعية، يسمح لدولة بهذا السجلّ المخيف من الانتهاكات والتدخلات العسكرية والأمنية في العالم أن تقوم باستغلاله لتسويق نفسها.
ولعلّنا لا نعتب على شيخ الأزهر فلا هو معروف بمواقف سياسية جريئة، ولا هو قادر على مواجهة ضغوط النظام المصريّ ومهرجيه من إعلاميين.
أما زيارة شناير، و«الاعتراف» بالجالية اليهودية، فمفهوم تماماً، ويقوم الطرفان، الإماراتي والإسرائيلي، باستخدامه لتعزيز خطوات التطبيع الجارية بأشكال عديدة مع الكيان الصهيوني، وهذا بالأحرى هو «التسامح» الحقيقي الذي تسعى إليه الإمارات، وهو تسامح مع نظام الاحتلال وليس مع الشعب الفلسطيني الواقع تحت الظلم.