يوسي ميلمان - جيروزاليم بوست - ترجمة وتحرير شادي خليفة -
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا مقالا عن "محمد بن زايد"، ولي العهد والحاكم الفعلي لأبوظبي. وتتباين صورة "بن زايد" بشكل صارخ مع صورة "محمد بن سلمان" ولي عهد المملكة العربية السعودية، سيء السمعة والمثير للجدل.
وفي هذا المقال، تم ذكر (إسرائيل) في فقرة قصيرة فقط تتعلق بقيام (إسرائيل) ببيع معدات استخباراتية إلى الإمارات، وتحديث طائرات "إف-16".
ومع ذلك، لم يكشف مقال "التايمز" سوى عن جزء بسيط من العالم السري للعلاقات الإماراتية الإسرائيلية. وجنبا إلى جنب مع القصص السابقة، يلقي التقرير الضوء على مدى وعمق وطبيعة العلاقات السرية بين (إسرائيل) وأبوظبي. لكنه يوفر أيضا منظورا أوسع حول العلاقات الخاصة النامية بين (إسرائيل) والدول السنية الأخرى.
ويزعم المقال أنه خلال الربع الأخير من القرن، حول الأمير، البالغ من العمر 58 عاما، إمارته الصغيرة إلى قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، ولكنها أصبحت أيضا مصدرا لإثارة عدم الاستقرار في المنطقة.
وينبثق أساس التعاون الإسرائيلي مع أبوظبي من مجموعتين من المصالح المشتركة، الأولى هي العداء تجاه إيران، والثانية هي الكراهية والخوف من جماعة "الإخوان المسلمون".
ولتحقيق أهدافه، اشترى "بن زايد" على مر السنين أسلحة ومعدات عسكرية تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، معظمها من الولايات المتحدة، ومن (إسرائيل) أيضا.
ويعد "بن زايد" خصما مريرا لقطر وتركيا، حيث يدعم قادتها فروع جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي. لكنه صديق للبحرين ومصر والأردن، وبدرجة أقل المملكة العربية السعودية، وكلها تعارض جماعة "الإخوان المسلمون".
ويعتبر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" حليفا قويا. وبهذا المعنى، فإنه حليف لـ(إسرائيل) أيضا.
ترقية الطائرات
ولم تذكر قصة "التايمز" أي شركة إسرائيلية تلك التي قامت بتحديث الطائرات المقاتلة من طراز "إف-16" لصالح أبوظبي، حيث تشارك كل من "إسرائيل لصناعات الفضاء"، و"إلبيت سيستمز"، بنشاط في تطوير الطائرات الحربية الروسية والأمريكية.
وفي الماضي، شهد التنافس بين الشركتين استخدام حملات تشويه متبادلة خلال جهودهما للحصول على عطاءات دولية. ومن خلال القيام بذلك، قلل كل منهم من فرصه في الفوز بالعقود. وبعد وقوع حادث أثناء محاولة لترقية مقاتلات كولومبية، تدخلت وزارة الدفاع الإسرائيلية وأجبرتهما على العمل سويا، والتعاون في بعض الحالات الحساسة، مثل بيع الأسلحة إلى الدول العربية والإسلامية، مما يجعل هذا النوع من صفقات الأسلحة أقل خصوصية، ويصبح بشكل متزايد تجارة ثنائية من حكومة إلى حكومة.
ويمكن للمرء أن يفترض أن ترقية طائرات من طراز "إف-16" في أبوظبي تعد حالة مماثلة، لم توافق عليها وزارة الدفاع فحسب، بل فرضت أيضا فيها مشروعا مشتركا بين الشركتين. ولا شك في أن الصفقة يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل الحكومة الأمريكية. وفي كل صفقة تتضمن أنظمة عسكرية أمريكية الصنع، تحتاج (إسرائيل) إلى الحصول على ترخيص من البنتاغون والبيت الأبيض. وفي حالة أبوظبي، كان من السهل الحصول على موافقة، لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وخاصة رئاسة "دونالد ترامب"، تنظر إلى الإمارات وأبوظبي، و"بن زايد" على وجه الخصوص، كأصدقاء وحلفاء.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الاستخباراتية، فقد تم في الماضي ذكر أن "NSO" و"فيرنت"، وهما شركتان مقرهما في "هرتسليا"، وسبق أن باعتا أنظمتهما إلى أبوظبي. وتقوم شركة "فيرنت"، التي تعرف نفسها على أنها "رائدة في مجال الاستخبارات العملية"، بتصنيع وبيع برامج لأجهزة التنصت لاعتراض مكالمات الهاتف والفاكس والاتصالات اللاسلكية وأجهزة الكمبيوتر، بالإضافة إلى تحليل البيانات التي تم الحصول عليها.
بيع التكنولوجيا
وقد باعت "NSO" برنامج "بيغاسوس" الشهير إلى "بن زايد". ويمكّن البرنامج مشغليه من التسلل بطريقة سرية إلى جميع أنواع الهواتف الذكية، وسرقة البيانات، ووضع المستخدم تحت مراقبة مستمرة، دون أن يلاحظ ذلك. وقد انتقدت جماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم "بن زايد" وحكومته والشرطة وأجهزة الأمن في البلاد لاستخدامها المعدات إسرائيلية الصنع للتجسس على المعارضين السياسيين ومضايقة نشطاء حقوق الإنسان وإساءة معاملة المعارضين.
وارتبط اسم "NSO" مرارا وتكرارا، بالحرب السيبرانية العدوانية، عن طريق بيع "بيغاسوس" للعديد من الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الأنظمة المستبدة في بلاد مثل "ميانمار"، وتمكينها من اضطهاد نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
وفي المكسيك، كان اسم البرنامج مرتبطا بوفاة صحفي تحقيقات محلي. ومع ذلك، على الرغم من أن "NSO" ألحقت الضرر بصورة (إسرائيل) المتدهورة بالفعل كمورد للأسلحة الفتاكة للدول الاستبدادية، تواصل وزارة الدفاع دعمها بالموافقة على طلباتها للحصول على تراخيص التصدير.
وبدأت الشركة علاقاتها مع أبوظبي مستفيدة من الجهود الحثيثة التي بذلتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لإخفاء تلك العلاقات ومنع نشرها في وسائل الإعلام. وكان "ماتي كوتشافي"، رجل الأعمال الإسرائيلي، هو من فتح أبواب نقل التكنولوجيا والمنتجات العسكرية الإسرائيلية للإمارات. وقد كشف "كوتشافي"، في خطاب ألقاه في سنغافورة قبل أكثر من عقد من الزمان، أنه كان يبيع الأجهزة والبرامج الإسرائيلية إلى أبوظبي.
ومن خلال شركته التي تتخذ من سويسرا مقرا لها، وشركته الإسرائيلية المحلية، "لوجيك"، باع "كوتشافي" معدات الأمن الداخلي لحماية منشآت الغاز والنفط البحرية للإمارة.
وقام "كوتشافي" بتعيين خبراء عسكريين إسرائيليين بارزين ورؤساء سابقين للمخابرات مثل الجنرال "عاموس مالكا"، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية، والجنرال "إيتان بن إلياهو"، القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي.
وفي هذا المشروع، قام "كوتشافي" باستئجار طائرة ركاب خاصة، ونقل العشرات من الخبراء الإسرائيليين من تل أبيب بشكل دائري عبر قبرص، لإخفاء تعاملاته مع أبوظبي. وبقي موظفوه في حي فخم منعزل، وعملوا في نوبات دورية من أسبوع إلى أسبوعين.
وفيعام 2012، بدأ سحر "كوتشافي" وحظه ينفدان. وببطء ولكن بثبات، تضاءلت أعماله ونفوذه. ودخل "آفي ليومي"، المؤسس المثير للجدل والرئيس التنفيذي لشركة "إيه دي إس"، وهي مصنّع إسرائيلي للطائرات بدون طيار، ليملأ الفراغ الذي تركه "كوتشافي".
دور الموساد
وعمل "ليومي" مع "كوتشافي"، لكن على الرغم من أن مؤسسة الأمن في أبوظبي لم تكن راضية عن أداء طائراته بدون طيار، إلا أنه تمكن بطريقة ما من البقاء في اللعبة. وهددت الأزمة المهنية والمالية بين الدولتين بتدمير تعاونهما الاستراتيجي ضد إيران وجماعة الإخوان المسلمين. وتحرك الموساد، وكالة التجسس الأجنبي الإسرائيلية، لإنقاذ العلاقات.
وكانت إحدى المهام التقليدية للموساد هي العمل كوزارة خارجية بديلة لإدارة العلاقات السرية بين الدولة اليهودية والعالم العربي والإسلامي.
ويعد "تيفل"، أو دائرة الاتصال مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، هو قسم الموساد الخاص المسؤول عن هذه المهمة. وفي ذلك الوقت، كان رئيس "تيفل" هو "ديفيد ميدان". وفي الوقت الحاضر يمثل هو و"ليومي"، الذي نقل شركته إلى قبرص، شريكان يمثلان عدد من شركات الإنتاج الأمني الإسرائيلية في الإمارات.
ومن النتائج الأخرى للعلاقات الخاصة بين (إسرائيل) وأبوظبي، والتي لم تكن صدفة، أن طائرات "إف-16" الإماراتية، إلى جانب نظيراتها المصرية، قد قصفت مواقع "تنظيم الدولة" في شبه جزيرة سيناء.
ويشارك الجيش الإسرائيلي أيضا في هذه "الحرب على الإرهاب"، وفقا للعديد من التقارير، من خلال تزويد الجيش المصري وحلفائه ببيانات استخباراتية، فضلا عن إرسال قواته الجوية للمشاركة في العمليات.
وإلى الشرق، تعمل القوات الجوية الإماراتية أيضا مع مصر في الحرب الأهلية في ليبيا، لمساعدة قوات الجنرال "خليفة حفتر"، الذي يحاول السيطرة على البلاد بأكملها، ويحظى بدعم الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
وسبق أن ذكرت دورية "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية بضعة أشهر أن ممثلي المخابرات الإسرائيلية قد التقوا بالجنرال "حفتر".
ويتباهى "نتنياهو" مرارا وتكرارا بأن (إسرائيل) تمكنت من تشكيل تحالف معادٍ لإيران مع بعض الدول العربية المعروفةوعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر والمغرب والأردن.
وتعد المساهمة الإسرائيلية في التحالف هي بيع أجهزة الاستخبارات والأجهزة العسكرية الأخرى لدول التحالف. لكن فرص أن تصبح تلك العلاقات يوما ما مفتوحة تبقى ضئيلة جدا، طالما لا توجد حركة على مستوى السلام مع الفلسطينيين. ويبقى مثل هذا الاحتمال ضئيلا للغاية، طالما بقي "نتنياهو" في السلطة.
ومع ذلك، يتعين على المرء أن يعترف بأن العلاقات السرية مع أبوظبي والدول السنية الأخرى قد أعطت "نتنياهو" مكسبا مهما واحدا على الأقل، لنفسه ولأيديولوجيته. وفي مقابل التكنولوجيا والمعدات العسكرية الإسرائيلية، تغاضت الدول السنية عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وأهملت القضية الفلسطينية، ومنحت (إسرائيل) عمليا بكل ما ترغب فيه.