الخليج أونلاين-
فجأة وبلا سابق إنذار، تخلى رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، عن آخر مناصبه الرياضية باستقالته من رئاسة الاتحاد العربي لكرة القدم، ليطوي الصفحة الأخيرة من كتاب دخوله في عالم الرياضة، قبل 22 شهراً من الآن.
استقالة "آل الشيخ"، التي وصفها مراقبون بـ"المفاجئة"، أتت بعد 3 أشهر فقط من تأكيد المسؤول السعودي المثير للجدل استمراره في منصبه الكروي العربي حتى نهاية ولايته الرئاسية، التي بدأت أواخر 2017 وتنتهي بنهاية 2021.
والاتحاد العربي لكرة القدم هو المؤسسة الرسمية التي تشرف على الاتحادات العربية وعددها 22، وترعى عديداً من المباريات الودية والرسمية بين أندية ومنتخبات الأقطار الأعضاء.
وكان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد أعفى آل الشيخ من منصب رئيس هيئة الرياضة في المملكة أواخر العام الماضي، وعيَّنه رئيساً لهيئة الترفيه، ليضطر الرجل إلى التخلي عن منصبيه اللذين تولاهما لاحقاً بحكم منصبه الأول: رئاسة اللجنة الأولمبية السعودية، ورئاسة الاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي.
كما أن تجربة المستشار في الديوان الملكي السعودي بالاستحواذ على ملكية أحد الأندية المصرية "الأسيوطي سبورت" وتغيير اسمه إلى "بيراميدز"، قد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد أن أعلن بيع حصته مطلع يونيو 2019، وتوجُّهه للاستثمار في مكان آخر (لم يسمه)، لتنتهي حقبة تركي آل الشيخ على الصعيد الرياضي.
ومنذ صعوده إلى المشهد الرياضي السعودي والعربي والإسلامي، خلق المسؤول المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حالة من الجدل والبلبلة، وأثار النعرات والانقسامات، كما أقحم السياسة في عالم الرياضة، محاولاً فرض رؤية بلاده على الدول الأعضاء، تارة بالترهيب وتارة أخرى بالترغيب.
فشل محلياً
وبحسب جرد لـ"الخليج أونلاين"، فإن تركي آل الشيخ تسبب في رحيل المدرب الهولندي بيرت فان مارفيك، الذي قاد المنتخب السعودي للتأهل إلى نهائيات كأس العالم الأخيرة، التي أقيمت في روسيا صيف 2018.
وعيَّن آل الشيخ مدربَين أرجنتينيَّين: إدغاردو باوزا وخوان أنطونيو بيتزي، لكنهما فشلا فشلاً ذريعاً في مهمتهما، حيث مُني "الأخضر" بخسارة مذلَّة أمام روسيا (0-5) في افتتاح كأس العالم 2018، كما أنه خرج من الدور الأول بخسارتين وفوز شرفي أمام مصر، التي غادرت البطولة أيضاً من دور المجموعات.
ونصَّب الرجل نفسه مسؤولاً عن الأندية السعودية، في مشهد بدا كأنه "الآمر الناهي"، وراح يتخذ القرارات وفق "مزاجيته وأهوائه بعيداً عن المهنية والاحترافية"، بحسب مراقبين، كان أبرزها قراره إقالة سامي الجابر من رئاسة الهلال السعودي، رغم أن الفريق الأول كان يمضي بخُطا ثابتة نحو موسم أسطوري محلياً وعربياً وآسيوياً.
وعقب تدخُّل آل الشيخ وتعيينه أميراً سعودياً، سقط الهلال سقوطاً مدوياً، قبل أن يستقيل الأخير إثر فقدان لقب الدوري السعودي وضياع اللقب العربي، فضلاً عن تراجع نتائج "الزعيم" بدوري أبطال آسيا.
مشروع كـ"برج من ورق"
وإلى مصر، أراد المسؤول السعودي الهيمنة على النادي الأهلي أكبر أندية مصر والقارة الأفريقية، مستغلاً تعيينه رئيساً شرفياً لـ"القلعة الحمراء"، قبل أن يتنحى عن منصبه بعد خمسة أشهر فقط وتحديداً في 24 مايو 2018؛ تحت وطأة غضب الجماهير الأهلاوية، التي هاجمته بشدة وانتقدت تدخُّله في كل شاردة وواردة.
وبعد أقل من شهر على انسحابه "وهو يجرُّ أذيال الخيبة والهزيمة"، فاجأ آل الشيخ الوسط الرياضي، في 20 يونيو 2018، بالاستحواذ على ملكية نادٍ مصري مغمور يُدعى "الأسيوطي سبورت"، وغيَّر اسمه إلى "بيراميدز"، وعزز صفوفه بلاعبين محليين وأجانب بارزين مقابل مبالغ طائلة، واستقطب أسماء رنانة في الكرة المصرية لإدارته، فضلاً عن شرائه عدداً ليس بقليل من الإعلاميين الرياضيين المصريين، وأطلق لهم قناة فضائية، للتحكم في المشهد الإعلامي المصري.
مشروعه الكبير، الذي جاء تحت اسم "الاستثمار الرياضي في مصر"، سرعان ما انهار كـ"برج من ورق"؛ إذ أُغلقت قناته الرياضية، كما أعلن في أكثر من مناسبة، بيع حصته بالنادي الوليد، قبل أن يؤكد رحيله عن "بيراميدز" مطلع يونيو 2019، بعد عام واحد.
وأطلقت الجماهير المصرية ألقاباً عدة على المسؤول كـ"الكفيل" و"شوال الرز"، فضلاً عن هتافات مسيئة إليه؛ تنديداً بمحاولة فرض هيمنته على المشهد الرياضي المصري برمته.
أزمات عربية
ولم يحترم المسؤول السعودي منصبه، ولم يتَّبع الطرق والوسائل الدبلوماسيبة، بل كان فظاً وغليظاً في تعامله مع الدول العربية؛ محاولاً "تكريس نظرته الدونية ضد الأشقاء"، وفق محللين.
المستشار بالديوان الملكي السعودي وصف وزيراً كويتياً بـ"المرتزق"؛ بعد أن شكر الأخير قطر لدورها البارز في رفع الإيقاف عن الكرة الكويتية أواخر 2017، وحاول زوراً نسب ذلك الإنجاز إلى نفسه رغم نفي المسؤولين الكويتيين مزاعمه.
وتسببت تصريحات آل الشيخ في أزمة دبلوماسية بين الرياض والكويت، وصلت إلى وزارتي خارجية البلدين، كما وصف إعلاميَّين رياضيَّين تونسيَّين -هما عصام الشوالي وهشام الخلصي- بـ"الخونة" و"الحشرات".
وهاجم المغربَ وزعم أنه "قِبلة للباحثين عن المتعة والسياحة الجنسية"، في حين كانت الكارثة الكبرى عندما صوَّت لملف أمريكا لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2026 على حساب الملف المغربي، رغم كونه رئيساً للاتحاد العربي لكرة القدم، وهو منصب يحتم عليه دعم الملف العربي بغضّ النظر عن أي اعتبارات سياسية.
كما دأب على وصف قطر، التي أصبحت أول دولة "خليجية" و"عربية" و"إسلامية" و"شرق أوسطية" تستضيف نهائيات كأس العالم، بـ"الدويلة"، واستشاط غضباً من تربُّع منتخبها الكروي على عرش الكرة الآسيوية عقب فوزه بالبطولة القارية، في الإمارات، مطلع فبراير 2019.
وحاول المسؤول السعودي، الغمز من بوابة "المجنَّسين"، للتقليل من تتويج قطر الآسيوي، متناسياً منتخب فرنسا المتوَّج بكأس العالم 2018 بلاعبين أغلبهم ينحدرون من أصول أفريقية، كما تجاهل الدور الكبير لأكاديمية "أسباير" للتفوق الرياضي، قبل أن "يحسدها" ويحاول استنساخها بإعلانه تأسيس أكاديمية رياضية في السعودية.